هزيمة الحوثيين صارت واردة

هزيمة الحوثيين صارت واردة


26/01/2022

خيرالله خيرالله

ليس أمام الجانب الحوثي سوى الذهاب الى مزيد من التصعيد. الدليل على ذلك انّه لم يكن لديه ما يردّ به على المبادرة السعودية قبل نحو أحد عشر شهراً (في آذار/مارس من العام الماضي) سوى سدّ كلّ الأبواب في وجهها.

مَن سدَّ الأبواب وقَطَعَ الطريق على أي تجاوب حوثي مع المبادرة السعوديّة كان ممثل "الحرس الثوري" في صنعاء حسن ايرلو الذي وصف المبادرة بأنّها "مشروع حرب دائمة". توفّى ايرلو لاحقاً، لكنّ رفضه المبادرة السعوديّة كشف أن لا وجود لشيء اسمه "جماعة انصار الله". هناك تنظيم ميليشيوي في اليمن تسيطر عليه إيران بمساعدة مباشرة من "حزب الله" اللبناني لا أكثر. مرّ هذا التنظيم بمراحل عدّة أدت الى ما وصل إليه في المرحلة الراهنة. أي أن الحوثيين صاروا أداة إيرانيّة بنسبة مئة في المئة.  

من هذا المنطلق، وليس من أيّ منطلق آخر، يمكن فهم الاعتداء الحوثي الأخير والمكرّر على دولة الإمارات العربيّة المتحدة. كلّ ما في الأمر أن هناك قراراً إيرانياً بالتصعيد في كلّ الاتجاهات. يحدث ذلك في ظلّ قناعة لدى "الجمهوريّة الإسلاميّة" بأنّ لديها أوراقها في المنطقة وأن هذه الأوراق، التي لا تمسّ، كفيلة بجعل الإدارة الأميركيّة تقتنع بأن لا خيار لديها سوى الخضوع للشروط الإيرانيّة في مفاوضات فيينا.

الواقع أنّ هناك مفاوضات غير مباشرة في فيينا بين الإدارة الأميركية والنظام الإيراني، لكنّ هناك مفاوضات مباشرة بين الجانبين في أماكن أخرى. الهدف هو الوصول الى اتفاق جديد في شأن الملفّ النووي الإيراني. يُفترض حلول هذا الاتفاق مكان ذلك الذي توصّلت اليه إدارة باراك أوباما مع "الجمهوريّة الإسلاميّة" في 2015 والذي مزّقه الرئيس السابق دونالد ترامب في العام 2018.

ليس اليمن، مثله مثل لبنان، سوى ورقة إيرانيّة في لعبة المفاوضات الأميركيّة – الإيرانيّة. لا يستطيع الحوثيون، أي "جماعة أنصار الله"، سوى أن يكونوا أداة طيّعة لا علاقة لها بمصلحة اليمن واليمنيين. المهمّ خدمة إيران ومشروعها التوسّعي الذي يشمل اليمن نفسه. يعني اليمن لإيران الكثير. يعني إيجاد قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة في خدمة "الجمهوريّة الإسلاميّة" في شبه الجزيرة العربيّة.

تشكّل مثل هذه القاعدة ورقة ضغط على كلّ دولة من دول مجلس التعاون وتهديداً للملاحة في البحر الأحمر. إضافة الى ذلك، تستخدم إيران هذه القاعدة وسيلة ابتزاز للولايات المتحدة التي لم تدرك إدارتها الى الآن معنى سيطرة الحوثيين على جزء كبير من الأراضي اليمنية وسعيهم الى إقامة كيان قابل للحياة في منطقة تمتدّ من مدينة مأرب وصولاً الى ميناء الحديدة، مروراً بالعاصمة صنعاء التي تعاني حالياً مع أهلها المسالمين من تخلّف الحوثيين...

للمرّة الأولى، منذ انكفاء الحوثيين في اتجاه صيغة مأرب - صنعاء - الحديدة، يحصل هذا التحوّل الكبير الذي يتمثل في جعلهم يتراجعون على الأرض. وراء التحوّل تصدّي "قوات العمالقة" لهم، وهي في معظمها جنوبيّة، في محافظة شبوة. في ضوء تحرّك العمالقة، لم يعد سقوط مدينة مأرب مسألة وقت. على العكس من ذلك، خفّ الضغط على مأرب التي كان الحوثيون يحاصرونها من كلّ الجهات في ظلّ تخاذل قوات ما يسمّى "الشرعية" في اليمن.

يفسّر هذا التحوّل الكبير العمل الجنوني المتمثل في شن عدوان على دولة الإمارات. لكنّ هذا التحوّل يشير الى أنّه في الإمكان هزيمة المشروع الحوثي الذي تعرّض في الماضي لنكسات في الجنوب عندما اضطرت الميليشيات التابعة له الى الانسحاب من عدن ومن ميناء المخا الاستراتيجي الذي يتحكّم بمضيق باب المندب، مدخل البحر الأحمر.

طار صواب الحوثيين وطار صواب الجهة التي تدعمهم وتراهن عليهم. ما شهدته شبوة وما تلا تطهيرها من الحوثيين من اختراقات للعمالقة في محافظة مأرب يشكّلان تطوراً في غاية الأهمّية على الصعيد اليمني والخليجي. ثمّة تراجع لمشروع إيراني حقّق خطوات كبيرة الى أمام في السنوات القليلة الماضية، خصوصاً منذ الاستيلاء على صنعاء في 21 أيلول (سبتمبر) 2014. الأهمّ من ذلك كلّه، بات في الإمكان القول إنّ في الإمكان إلحاق هزيمة بالمشروع الإيراني في اليمن على رغم وجود إدارة أميركية ترفض الاعتراف بما هو على المحكّ في هذا البلد.

عاجلاً أو آجلاً، سيترتب على إدارة جو بايدن اتحاذ موقف من الحوثيين بعدما أخرجتهم من لائحة الإرهاب. ستكتشف الإدارة، التي تتعاطى في أحيان كثيرة مع الموضوع الإيراني بسذاجة ليس بعدها سذاجة، إن رهانها على انخراط الحوثيين في عملية سلميّة تؤدي الى تسوية سياسيّة في اليمن رهان في غير محلّه. لا يدلّ على مكر الحوثيين سوى الطريقة التي غدروا بها بعلي عبدالله صالح الرئيس اليمني السابق في الرابع من كانون الأوّل (ديسمبر) 2017. كشف غدر الحوثيين بالرجل الذي كان، أصلاً، وراء قيام حركتهم، تحت تسمية "الشباب المؤمن" في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، أنّهم مشروع حروب مستمرّة في اليمن وفي منطقة الخليج كلّها.

آن أوان الوصول الى خلاصة فحواها أنّ هذا المشروع الإيراني لم يعد قابلاً للحياة وأن هزيمته صارت واردة... ولكن مع سؤال في غاية البساطة: كم ستكلّف هزيمة هذا المشروع اليمن واليمنيين مستقبلاً؟

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية