هل تجبر أزمة الطاقة المتصارعين على الانحناء للعاصفة؟

هل تجبر أزمة الطاقة المتصارعين على الانحناء للعاصفة؟


20/06/2022

جملة من الظروف العالمية والمستجدات الدولية باتت تفرض بإلحاح شديد التفكير إزاء المتغيرات الممكنة، تحديداً فيما يخصّ المصالح وإدارة العلاقات بين الدول، وذلك مع التحولات المتسارعة التي تجري في قمة العالم؛ إذ إنّ الحرب الروسية الأوكرانية قد امتدّت أصداؤها إلى دول الشرق الأوسط، كما في العالم، بينما كشفت عن ضعف الوضع الاقتصادي والأمني والسياسي في العديد من المناطق، الأمر الذي يفرض مراجعة ضرورية وحتمية للروابط المعقدة بين الدول والفاعلين الإقليميين والدوليين.

بدائل الطاقة شرق المتوسط

ومن بين القضايا التي فرضتها المستجدات العالمية، مسألة الطاقة، حيث تسعى أوروبا إلى الاعتماد على زيادة إنتاجية وصادرات دول شرق المتوسط من النفط والغاز، لمواجهة النقص في الإمدادات الروسية. وقد استضافت القاهرة، مؤخراً، الاجتماع الوزاري السابع لمنتدى غاز شرق المتوسط، بينما حضره وزراء ورؤساء ووفود الدول الأعضاء الدائمين من قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا وفرنسا وفلسطين والأردن.

وقال المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية الرئيس المناوب للمنتدى، إنّ المتغيرات الحالية التي يشهدها العالم أوضحت الأهمية القصوى لمنتدى غاز شرق المتوسط وما حدث فيه من تقدّم ملموس وتضافر جهود الدول الأعضاء والمشاركة لتحقيق النجاح للمنتدى، ودوره في تأمين جانب من إمدادات الطاقة.

الباحث الروسي ديميتري بريجع: المال هو الذي يقود كلّ شيء

وأوضح الملا أنّ ذلك يأتي في ظلّ ما يتوافر بمنطقة شرق المتوسط من إمكانات لإنتاج الغاز، والقدرة على زيادة التصدير إلى أوروبا من خلال التسهيلات المتاحة؛ وهي إمكانيات يتم العمل على تطويرها من خلال المنتدى لزيادة إنتاج الغاز، لافتاً إلى أهمية التحول الطاقي وتبني المنتدى إستراتيجية خفض الانبعاثات، والتوسع في مجال إنتاج الهيدروجين؛ حيث إنّ تنويع مصادر إنتاج الطاقة، وتأمين إمداداتها، وتعاون الجميع في ذلك، يضمن تحقيق الاستدامة والنمو الاقتصادي، ومن ثم، الرفاهية للشعوب.

أمن أوروبا

ولفت كوستاس سيكريكاس، وزير البيئة والطاقة اليوناني، إلى أنّ الاجتماع يكتسب أهمية خاصة بعد الأزمة الأوكرانية، وانعكاساتها على صناعة الطاقة، كما أنّ أمن الطاقة يحتم ضرورة البحث عن مصادر جديدة، فالمنتدى يمكن أن يدعم أوروبا في مساعيها لتأمين موارد آمنة ومستقرة للطاقة، ومصر وقبرص وإسرائيل، سيكونون موردين يعتمد عليهم لإمداد أوروبا.

من بين القضايا التي فرضتها المستجدات العالمية الطاقة؛ حيث تسعى أوروبا إلى الاعتماد على زيادة إنتاجية وصادرات دول شرق المتوسط من النفط والغاز، لمواجهة النقص في الإمدادات الروسية

الباحث الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو، ديميتري بريجع، يشير إلى أنّ العلاقات بين الدول عادة ما تمر بمراحل مختلفة، وهذا أمر طبيعي ومنطقي. كما أنّ بعض الدول، رغم وجود الخلافات السياسية، تتحرّى تأمين مصالحها الاقتصادية، كما هو الحال بين روسيا وتركيا، أو بين روسيا والدول الغربية، موضحاً لـ "حفريات"؛ أنّ "الدول الغربية فرضت عقوبات على روسيا، وتدّعي أنّها قطعت علاقتها مع موسكو، ومع ذلك بعض الدول الغربية وافقت أن تشتري الغاز بالروبل الروسي".

المال والسياسة

ويردف بريجع: "من المعروف أنّ عشر دول قد فتحت حسابات خاصة مع بنك "Gazprombank" الروسي لدفع ثمن إمدادات الغاز بالروبل الروسي، كما دفعت أربع دول أوروبية، بالفعل، إمدادات الغاز الروسي، بموجب مخطط جديد ينصّ على فتح حساب مع البنك ذاته، وهذه الخطوة تعدّ دليلاً على ضعف الموقف الأوروبي الذي يبدو غير قادر على إيجاد حلّ أو بديل للغاز الروسي".

ويلفت الباحث الروسي إلى أنّه في ظلّ النظام الرأسمالي فالمال هو الذي يقود كلّ شيء، بينما التصريحات السياسية لا تعكس حقيقة العلاقات التجارية أو الاقتصادية بين البلدان، ومثال على ذلك العلاقات بين تركيا وإسرائيل التي هي متوترة، حالياً، بسبب القضية الفلسطينية وملفات أخرى، لكن بلغ حجم التجارة التركية الإسرائيلية ما يقارب 5.5 مليار دولار، عام 2019، أي أنّ العلاقات السياسية السيئة لا تؤثّر كثيراً في العلاقات التجارية، كما يحدث عند بعض البلدان.

الباحث الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو، ديميتري بريجع لـ "حفريات": الدول الغربية فرضت عقوبات على روسيا، ومع ذلك وافقت أن تشتري الغاز بالروبل الروسي

ويتابع: "عام 2018 أخذت الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى في الاستثمارات في روسيا. ووفقاً للأمم المتحدة، فإنّه في نهاية عام 2017 بلغت الاستثمارات الأمريكية في روسيا حوالي 39.1 مليار دولار. ومن جهة أخرى، بدأت موسكو، مرة أخرى، في الاستثمار بنشاط في الأوراق المالية الحكومية الأمريكية. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، زادت الاستثمارات الروسية بمقدار 794 مليون دولار، كما بلغ إجمالي قيمتها 11.491 مليار دولار فقط. وقبل تطبيق العقوبات، عام 2014، بلغت نحو 164.3 مليار دولار".

عدد الشركات الأمريكية في روسيا يقارب 3 آلاف شركة، كما أنّ المستثمر الأقوى في العقارات الروسية هي شركة "مورغان ستانلي" الأمريكية، والتي لديها العديد من العقارات والمراكز التجارية في موسكو، بحسب المصدر ذاته، والذي يشير إلى أنّ تجار التجزئة بالولايات المتحدة يواصل كلّ منهم تطوير علاقاتهم التجارية مع روسيا.

 بنك "Gazprombank" الروسي

ويختتم: "السوق الروسي هو السوق الأكثر ربحاً للولايات المتحدة الأمريكية، ورغم وجود مشاكل سياسية بين الكرملين والبيت الأبيض، إلا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى عن السوق الروسي. كما أنّ المستثمر الروسي لن يتخلى عن السوق الأمريكي؛ لأنّه يساعدهم في الحفاظ على أموالهم من أيّ انهيار اقتصادي في روسيا، ولذلك أغلب المستثمرين الروس يعتمدون على الدولار بدلاً من استعمال الروبل الروسي؛ فالروبل عملة غير فعّالة وهناك انهيارات دائمة في العملة المحلية".

صعود فاعلين جدد

ويرى الباحث المصري في الأمن الإقليمي، محمد فوزي؛ أنّ النظام العالمي، بشكله الحالي، يعيش إرهاصات مرحلة التحول من النظام "أحادي القطبية" إلى نظام عالمي آخر لم تُحدد معالمه بعد بشكل واضح؛ إذ يمكن القول إنّنا بصدد نظام عالمي جديد "متعدد الأقطاب" أو "لا قطبي"، وذلك على ضوء بعض المتغيرات التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة.

ومن بين هذه التحوّلات، وفق ما أبلغ فوزي، "حفريات"، تراجع مفهوم الدولة الوطنية، في مقابل صعود الفاعلين دون الدول، من فاعلين مسلحين، وجماعات ضغط، والتي تأتي على حساب سلطة ومفهوم الدولة الوطنية، لكنّ العامل الأهم هو "الصعود الكبير للفاعلين المسلحين من دون الدول، خصوصاً مع الارتباطات الخارجية لهؤلاء".

وأحد الاعتبارات التي تدفع نحو تغيير المشهد العالمي، هو تراجع مفهوم القوة الشاملة للولايات المتحدة، كما يوضح الباحث المصري في الأمن الإقليمي، وذلك بالتزامن مع صعود محاور وقوى أخرى مناوئة لها، خاصة الصين وروسيا، وفقدان العديد من الأقطار الثقة في الولايات المتحدة، خصوصاً في ضوء التعامل الاستعلائي لواشنطن مع شركائها، وتداعيات الانسحاب من دول مثل: أفغانستان والعراق، والنظر، في المقابل، إلى دولة كالصين، باعتبارها شريكاً أكثر موثوقية.

ويتابع: "كانت أزمة فيروس كورونا أحد المؤشرات الرئيسة التي عكست بروز متغيرات في المشهد العالمي، خاصة في ضوء ما خلفته من أزمات في دول العالم كافة، وما سببته من تداعيات في العلاقات بين الدول، فمثلاً؛ تسبب الفيروس التاجي في أزمة بين إيطاليا من جانب ودول الاتحاد الأوروبي من جانب آخر، حيث اعتقدت إيطاليا أنّ الاتحاد تخلّى عنها، وهو ما أدّى إلى ظهور مُصطلح "إيطاليكست"، في إشارة إلى إمكانية انسحاب إيطاليا من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي لو حدث فسوف يكون له تأثيرات سلبية على تماسك ومستقبل الاتحاد".

وكانت الأزمة الروسية الأوكرانية أحد أهم العوامل التي أدّت إلى تصاعد التكهنات بظهور نظام عالمي جديد، خاصة في ضوء ما عكسته هذه الأزمة من تبني العديد من دول العالم لما يمكن وصفه بـ "خيار العصيان الإستراتيجي" أمام الولايات المتحدة والمحور الغربي، وفق المصدر ذاته، فضلاً عن صعود ما بات يُعرف بـ "الحياد الجديد"، في إشارة إلى مواقف الدول النامية والمتوسطة من الأزمة، وهي الدول التي طرحت مفاهيم مثل: "حركة عدم انحياز جديدة" أو "الاستقلال الإستراتيجي".

مواضيع ذات صلة:

إيران تعبث في ملف الطاقة وتشعل الخلاف مع كردستان

ماذا يعني قرار بوتين بيع الطاقة بالروبل؟

الأزمة الروسية ـ الأوكرانية... كيف تُعيد رسم خريطة أسواق الطاقة؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية