هل تخطت أمريكا "الخط الأحمر" بإرسالها قنابل عنقودية إلى أوكرانيا؟

هل تخطت أمريكا "الخط الأحمر" بإرسالها قنابل عنقودية إلى أوكرانيا؟

هل تخطت أمريكا "الخط الأحمر" بإرسالها قنابل عنقودية إلى أوكرانيا؟


17/07/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

ردّ الفعل الغاضب ضدّ قرار الرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن، بنقل ذخائر عنقوديّة إلى أوكرانيا يتزايد - عن حقّ - يوميّاً. سُرعان ما قال قادة ومسؤولون من المملكة المتّحدة، وكندا، ونيوزيلندا، وإسبانيا إنّهم يعارضون استخدام هذه الأسلحة. لم يكن ذلك مفاجئاً، لأنّ 123 دولة حول العالم ملتزمة بأهداف «اتّفاقيّة الذّخائر العنقوديّة»، التي دخلت حيّز التّنفيذ في عام 2010 والتي تحظر جميع أشكال استخدام، وإنتاج، ونقل، وتخزين القنابل العنقوديّة.

بالنّظر إلى أنّ متحدّثاً باسم البيت الأبيض قال في وقت سابق إنّه إذا استخدمت روسيا هذه الذّخائر فستكون تلك «جريمة حرب محتملة» - والآن ستزوّد الحكومة نفسها أوكرانيا بالذّخائر ذاتها - من السّهل رؤية الأمر على أنّه مجرّد مسمار آخر في نعش «النّظام الدّوليّ القائم على القواعد» الذي تدّعي الولايات المتّحدة وحلفاؤها باستمرار أنّهم يروّجون له.

ويبدو أنّ هذا مصدر قلق ديمقراطيّين مثل عضوة الكونغرس باربرا لي، التي أصدرت هي وثمانية عشر ديمقراطيّاً بياناً قالوا فيه إنّ الإعلان «يتعارض مع قيود الكونغرس على نقل هذه الأسلحة ويقوّض بشدّة قيادتنا الأخلاقيّة».

إذا كان بايدن يعتقد حقّاً أنّ "الغاية تبرّر الوسيلة"، فيجب أن يكون مستعدّاً لشرح السّبب لعائلات الأبرياء الذين ستقتلهم أو تشوههم هذه القنابل العنقودية

ومع ذلك، هناك شيء ما بشأن هذه الأسلحة يُسبّب اشمئزازاً فريداً. ويعرف النّاس في العديد من البلدان، لا سيما في بلدين في جنوب شرق آسيا، السّبب: هذه القنابل - عندما لا تقتل - تنقسم إلى قنابل صغيرة تشوّه أيّ شخص يعترض طريقها بشكل عشوائي. ومن شبه المستحيل الادّعاء بأنّها لن تؤذي المدنيّين - فهذا ما فعلته بمئات الآلاف على مرّ السّنين. ونسبة كبيرة منها لا تنفجر، ويمكن أن تبقى على الأرض، مثل الألغام الأرضيّة المخفية، لعقود. يلتقطها الأطفال معتقدين أنّها ألعاب. ويدوس عليها المزارعون عن غير قصد في الحقول.

معاناة كمبوديا مع القنابل العنقودية

كان هذا ما أشار إليه رئيس وزراء كمبوديا، هون سين، عندما صرّح، يوم الأحد، أنّ بلاده «عانت تجربةً مؤلمة بسبب القنابل العنقوديّة التي ألقتها الولايات المتّحدة في أوائل السّبعينيّات من القرن الماضي. والآن، مرّ أكثر من نصف قرن على ذلك، لكنّنا لم نجد بعد طريقة لتدميرها كلّها. إذا استُخدمت تلك القنابل العنقوديّة، فإنّها ستمثّل خطراً للأوكرانيّين على مدار عقود أو حتّى قرون».

وقالت وزارة الخارجيّة اللاوسيّة، يوم الاثنين: «لقد وقع شعب اللاو ضحيّة لهذه الذّخائر العنقوديّة القاتلة قبل أكثر من خمسة عقود، وحتّى اليوم لا يزال متأثّراً بالقذائف غير المنفجرة التي تشكّل تهديدات خطيرة على حياة وسُبل عيش شعبنا». وأضافت أنّه يجب ألا يقع أيّ شخص في العالم ضحيّة لمثل هذه الأسلحة «الشّنيعة».

البيت الأبيض

للإيضاح، في حرب فيتنام، بين عامي 1964 و1973، أسقط الجيش الأمريكيّ أكثر من 270 مليون قنبلة على لاوس، وفي الإطار الزمنيّ نفسه تقريباً أسقط 26 مليون قنبلة على كمبوديا. ربما تكون الولايات المّتحدة قد أسهمت بمئات الملايين من الدولارات لإبطال مفعول تلك القنابل في تلك البلدان منذ ذلك الحين، لكنّها لا تزال في كلّ مكان.

قبل عامين، على سبيل المثال، عُثِر على قنبلة تَزِن أكثر من تسعمائة كيلو غرام في نهر بالقرب من القصر الملكيّ في عاصمة كمبوديا، بنوم بنه. وقد كانت هذه القضيّة في ذهني بالفعل، حيث إنّنا ذاهبون في زيارة عائليّة إلى «أنغكور وات» - مجمع المعابد المذهل الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر - الشّهر المقبل. وأعرف أنّه سيتوجَّب عليَّ أن أكرّر على مسامع أطفالي ألّا يبتعدوا تحت أيّ ظرف عن المسارات الرسميّة، لأنّه بالنّسبة إلى أولئك الذين ليسوا حذرين بما فيه الكفاية، أو ببساطة سيئ الحظّ، يمكن أن تكون العواقب مدمّرة.

قنبلة تركتني أعمى تماماً

لقد اكتشفَ مزارعٌ يُدعَى يان سام إين أربع قنابل عنقوديّة في غابة بالقرب من منزله في شمال شرق كمبوديا قبل عشرين عاماً. قال لوكالة الأنباء الصّينيّة: «لم أرغب في أن يلعب أطفالي بالقنابل، ولذلك أخذت أجمعها، وبينما كنت أفعل ذلك، انفجرت قنبلة. قطعت ذراعي وتركتني أعمى تماماً». وأضاف: «الوقت لم يشفني. حرمتني الولايات المّتحدة من كلّ شيء. في غضون ثوانٍ قليلة، انتقلت من معيل إلى شخص عديم الفائدة». والكثيرون في دول الشّرق الأوسط لديهم حكايات مماثلة تدمي القلوب.

اكتشف مزارعٌ كمبودي قبل عشرين عاماً قنابل عنقودية. قال: أخذت أجمعها كيلا يلعب بها أطفال، وبينما كنت أفعل ذلك، انفجرت قنبلة. قطعت ذراعي وتركتني أعمى تماماً

إنّ تفسير بايدن القائل بأنّ «الذّخيرة تنفد من الأوكرانيّين» لا يصمد، إلّا إذا كان استخدام غاز الخردل أو الحرب البيولوجيّة - أو غيرها من الأسلحة التي كان يُنظر إليها سابقاً على أنّها بربريّة للغاية بحيث لا يمكن استخدامها - أصبح مطروحاً الآن على الطّاولة. كما أنّ حقيقة أنّ روسيا وأوكرانيا قد استخدمتا بالفعل ذخائر عنقوديّة لا تبرّر الأمر.

إذا لم يستمع بايدن

هناك سبب لقيام غالبيّة دول العالم بحظر هذه الذّخائر. إذا لم يستمع بايدن إلى هون سين في كمبوديا أو وزارة خارجيّة لاو ، فلنأمل أن يتنبّه إلى أعضاء حزبه، أو النّائب الجمهوريّ مات غايتس، الذي يشارك في رعاية تعديل لمحاولة إيقاف عمليّة نقل الذّخائر. كتب غايتس في تغريدة على «تويتر»: «هذه القنابل العنقوديّة لن تنهي الحرب في أوكرانيا ولن تبني دولة أكثر استقراراً. سيُترك الأطفال بلا أطراف وبلا آباء بسبب هذا القرار».

جو بايدن

استند بايدن إلى بند قانونيّ خاصّ يسمح له بتجاوز قيود تصدير الأسلحة «إذا اعتبر المساعدة مصلحة حيويّة للأمن القوميّ»، وفقاً لهيئة تحرير صحيفة «النّيويورك تايمز». ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار إرسال هذه الذخائر البغيضة أخلاقيّاً إلى أوكرانيا «مصلحة حيويّة للأمن القومي» للولايات المتّحدة، التي ليست في حالة حرب مع روسيا، وليس لديها معاهدة دفاع مع أوكرانيا.

لا، بايدن يتجاوز ما يعتبره معظم العالم خطّاً أحمر. إذا كان يعتقد حقّاً في هذه الحالة أنّ «الغاية تبرّر الوسيلة»، فيجب أن يكون مستعدّاً لشرح السّبب لعائلات الأبرياء الذين ستقتلهم أو تشوههم هذه القنابل التي يجب عليها تدميرها، وليس إرسالها إلى الخارج لتُحدث الفظائع.

المصدر:

شولتو بيرنز، ذي ناشونال، 12 تمّوز (يوليو) 2023

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2023/07/12/biden-is-crossing-a-red-line-sending-cluster-bombs-to-ukraine/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية