هل تلتزم تركيا بصافي صفر انبعاثات كربونيّة بحلول 2053؟

هل تلتزم تركيا بصافي صفر انبعاثات كربونيّة بحلول 2053؟


16/11/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

من المقرّر أن تدخل اتّفاقيّات باريس المناخيّة حيّز التّنفيذ في تركيا، وهي آخر دولة ضمن مجموعة العشرين تتبنّى اتّفاقيّة المناخ الرّئيسة في العالم وتلتزم بصافي صفر انبعاثات كربونيّة بحلول عام 2053. فلماذا، إذاً، قرّر الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، عدم حضور مؤتمر المناخ «كوب 26» الجاري في غلاسكو؟

السّبب الرّسميّ هو «المخاوف الأمنيّة». لكن حتّى مع دخول تركيا المجتمع الدّوليّ لمحاربي الاحتباس الحراريّ، فإنّها ترى أنّه من المناسب الإبقاء على قدم في الماضي البشريّ غير الصّديق للبيئة. وتلك هي نغمة تغيّر المناخ الّتي أمضى أردوغان معظم حياته المهنيّة في إتقانها.

اقرأ أيضاً: هذه أبرز النتائج التي حققتها قمة غلاسكو للمناخ "كوب 26"

عندما كان عمدة إسطنبول في منتصف التّسعينيّات من القرن الماضي، حذّر من أنّ بناء جسر ثالث فوق مضيق البوسفور سيكون بمثابة موت للمدينة. لكن كقائد للأمّة بعد بضعة أعوام، وافق على بناء الجسر وتدمير بعض آخر غابات إسطنبول، ثمّ تحدّث في افتتاح جسر السّلطان سليم عام 2016.

الرئيس التركي أردوغان غائب عن قمة المناخ COP26 لهذا العام في غلاسكو، اسكتلندا

كان هذا المشروع الضّخم جزءاً من أجندة البنية التّحتيّة الّتي يقودها أردوغان بقيمة 200 مليار دولار، والّتي ساعدت، على مدى عقد من الزّمان تقريباً، في تحفيز النّموّ الاقتصاديّ. من أجل مواجهة الشّكاوى المتعلّقة بالضّرر البيئيّ النّاتج - وعلى الأخصّ أثناء احتجاجات «غيزي بارك» الّتي عمّت البلاد في منتصف عام 2013 - شرعت الحكومة في حملة غرس للأشجار سجّلت أرقاماً قياسيّة.

كان من الحكمة أن تنضمّ أنقرة إلى الولايات المتّحدة والإمارات، وهما دولتان سعت معهما مؤخّراً إلى علاقات أفضل، في استثمار المليارات لتعزيز الابتكار الزّراعيّ والتّكيّف مع المناخ

تقول حكومة حزب العدالة والتّنمية إنّها منذ تولّي السّلطة في عام 2002 زرعت أكثر من 4 مليارات شجرة، وتأمل أن تصل إلى 7 مليارات شجرة بحلول عام 2023. وفي الأسبوع الماضي، وضع أردوغان خططاً لإنشاء أكثر من 400 حديقة وطنية، بما في ذلك حديقة في مطار أتاتورك السّابق بإسطنبول، ومساحة خضراء تبلغ 66 مليون متر مربع.

90 في المائة من الشّتلات ماتت

لكنّ رئيس اتّحاد الغابات التّركيّ قال العام الماضي إنّ ما يصل إلى 90 في المائة من الشّتلات الّتي زرعتها الحكومة ماتت بسبب قلّة هطول الأمطار أو بسبب زراعتها في الوقت الخطأ من العام. وفي وقت سابق من هذا العام، شَهِد ساحل البحر الأبيض المتوسّط ​​في تركيا أكثر حرائق الغابات تدميراً منذ عقود، وخنقَ الوحلُ البحريُّ الموانئَ عبر إسطنبول وبحر مرمرة. وقد أشار عالم بيئة تركيّ بارز إلى التّوسّع الحضريّ السّريع وإزالة الغابات والجريان السّطحيّ وتآكل التّربة كعوامل رئيسة في الحالتين.

انخفض الإنتاج الزّراعيّ في تركيا بشكل حادّ في الأعوام الأخيرة

وعانت العديد من المدن الكبرى من نقص المياه خلال العام الماضي، حيث تسبّب الجفّاف المستمرّ في  توتّر مائيّ في تركيا. وعرّضت عشراتُ المناجم والسّدود الجديدة - مثل سد إليسو الضّخم، الّذي تطلّب غمر قرية قديمة وافتُتِح السّبت الماضي - للخطر النُّظمَ البيئيّة في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، بعد دقائق من تصديق البرلمان التّركيّ على اتّفاقيّات باريس الشّهر الماضي، وافق المشرّعون على مشروع قانون يجعل البلاد مؤهّلة لنقل النّفايات النّوويّة، ممّا قد يحوّل تركيا، كما قال أحد كتّاب الأعمدة، «إلى مكبّ للنّفايات النّوويّة».

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر التغيّر المناخي على حياتنا؟ وما الدول الأكثر تأثراً على الصعيد الاقتصادي؟

بالطّبع، وسط المشكلات الاقتصاديّة والجائحة المستمرّة، يُعدّ تحديد سياسات الطّاقة والمناخ هذه الأيّام عملاً معقّداً. وينبغي أن نضع في اعتبارنا أنّه على هامش أهم مؤتمر للمناخ منذ أعوام - حيث دعا الرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن، صناعة النّفط والغاز إلى تقليل الانبعاثات الضّارّة - حثّ وزير الخارجيّة الأمريكيّ، أنتوني بلينكين، حلفاء الولايات المتّحدة على زيادة إنتاج النّفط والغاز.

ترجيح ارتفاع أسعار الغاز بنسبة 40%

ومع توقّع شركة مورغان ستانلي أن ترتفع أسعار الغاز بنسبة 40 في المائة بحلول عام 2030، فمن المرجّح أن يؤدّي اكتشاف الغاز الطّبيعيّ التّركيّ مؤخّراً في البحر الأسود إلى زيادة الاستيراد. ومع ذلك، يحثّ تقرير جديد صادر عن العديد من المنظّمات غير الحكوميّة الأوروبيّة تركيا على إنهاء دعم الفحم وجعل شركات الوقود الأحفوريّ مسؤولة عن انبعاثاتها، متّبعة مبدأ «الملوِّث يدفع».

 وزير الخارجيّة الأمريكيّ، أنتوني بلينكين

مقدّماً نظيراً تقدميّاً لأردوغان، سيحضر رئيس بلديّة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الّذي يُنظَر إليه على نطاق واسع على أنّه أكبر منافس رئاسيّ، قمّة غلاسكو للتّحدّث في جلستين كخبير في الاستدامة الحضريّة. وقد تكون خبرته في محاربة التّأثير البيئيّ لقرارات الحكومة - مثل القناة الّتي تبلغ تكلفتها 20 مليار دولار والّتي تهدف إلى شقّ الجانب الأوروبيّ من المدينة - هي الّتي أكسبته تلك الدّعوات.

أشار عالم بيئة تركيّ بارز إلى التّوسّع الحضريّ السّريع وإزالة الغابات والجريان السّطحيّ وتآكل التّربة كعوامل رئيسة في حرائق الغابات الأكثر تدميراً منذ عقود، وخنق الوحلُ البحريُّ للموانئ

ربما يكون التّهرّب من «كوب 26» قد وضع أنقرة بالفعل في حفرة. فتركيا تُعدّ من بين أكثر من 130 دولة وقّعت على أول مبادرة كبيرة خرجت من غلاسكو، وهي التزام بإنهاء إزالة الغابات بحلول عام 2030. ومع ذلك، فهي ليست من بين ما يقرب من 100 دولة انضمّت إلى خطّة المملكة المتّحدة والهند لربط شبكات الطّاقة الخضراء في العالم وتحفيز نشر أسرع للتّقنيّات منخفضة الكربون. كما أنّ تركيا ليست من بين 90 دولة وقّعت على مبادرة الاتّحاد الأوروبيّ والولايات المتّحدة لخفض انبعاثات الميثان بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2030.

تعزيز الابتكار الزّراعيّ

انخفض الإنتاج الزّراعيّ في تركيا بشكل حادّ في الأعوام الأخيرة، ومزارعوها غارقون في الدّيون، كما ذكرتُ بالتّفصيل في آب (أغسطس). في الأسبوع الماضي فقط، توقّع عالم مناخ يونانيّ مزيداً من الانخفاضات في الإنتاج الزّراعيّ عبر منطقة شرق البحر الأبيض المتوسّط. بالتّالي، كان من الحكمة أن تنضمّ أنقرة إلى الولايات المتّحدة والإمارات العربيّة المتّحدة، وهما دولتان سعت معهما مؤخّراً إلى علاقات أفضل، في استثمار المليارات لتعزيز الابتكار الزّراعيّ والتّكيّف مع المناخ.

 الصّين تفوّقت على الولايات المتّحدة كأكبر مصدر للغازات المسبّبة للاحتباس الحراريّ في العالم في عام 2006

أحرز العالم بعض التّقدّم في مجال المناخ في الأعوام الأخيرة، ممّا قلّل من الزّيادة المتوقّعة في درجة الحرارة بحلول نهاية هذا القرن من 4 درجات مئويّة كارثيّة إلى 3 درجات مئويّة محض مدمّرة. لا يزال هناك الكثير الّذي يتعيّن القيام به، وقد تكون غلاسكو، كما قال مبعوث المناخ الأمريكيّ جون كيري، «آخر أفضل أمل للعالم لتوحيد جهوده».

اقرأ أيضاً: الإمارات والاستدامة والتغير المناخي

مستشهدة بما يُعرف باسم ديون المناخ، تعتقد أنقرة أنّ الدّول المتقدّمة تتحمّل العبء الأكبر عندما يتعلّق الأمر بإنقاذ الكوكب. قال أردوغان للأمم المتّحدة في أيلول (سبتمبر): «كلّ من استغلّ الموارد الطّبيعيّة بوحشيّة يحتاج إلى تقديم أكبر مساهمة في مكافحة تغيّر المناخ».

لكنّ الصّين تفوّقت على الولايات المتّحدة كأكبر مصدر للغازات المسبّبة للاحتباس الحراريّ في العالم في عام 2006، ودول نامية مثل تركيا تستغلّ الموارد منذ عقود. في مرحلة ما، ستحتاج أنقرة إلى الاعتراف بسياساتها الاستغلاليّة والانضمام الكامل إلى المعركة العالميّة ضدّ تغيّر المناخ، بدلاً من الذّهاب إلى منتصف الطّريق وإلقاء الّلوم.

من أجل رفاهية المواطنين الأتراك، دعونا نأمل أن يكون ذلك عاجلاً وليس آجلاً.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 8 تشرين الثّاني (نوفمبر) 2021




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية