هل تلجأ إسرائيل لهجمات السايبر ضد إيران لتجنب الخيار العسكري؟

هل تلجأ إسرائيل لهجمات السايبر ضد إيران لتجنب الخيار العسكري؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
06/11/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

تسير المواجهة السيبرانية بين إسرائيل وإيران في مراحل متقدمة، وذلك في ضوء الهجمات الأخيرة التي طالت منشآت إيرانية وإسرائيلية، رغم عدم اعتراف أي من الجانبين رسمياً بالمسؤولية عنها، فالجيشان السيبرانيان الإسرائيلي والإيراني يشنان حملة مفتوحة، ومن نتائجها انتشار الفوضى في طهران، عقب التسلل الإسرائيلي إلى الأنظمة العامة فيها والتسبب في تعطل عملها، في حين تظهر المعلومات المتواترة في إسرائيل، أن هناك تعليمات أصدرتها تل أبيب لوحدات السايبر للعودة إلى المواجهة وبقوة، فالإسرائيليون يرون بأن إيران عدو لا يجب التقليل أو الاستهانة به، فهذه الدولة باتت تقف على مسافة قريبة من إنتاج قنبلة نووية، كما أنّ البنية التحتية النووية الإيرانية مازالت تقف على قدميها، رغم المزاعم الإسرائيلية بأنّ البرنامج النووي الإيراني سيتضرر خلال السنوات القادمة، لأنّ منشآتها النووية باتت تشكل قواعد رئيسية مهمة بالنسبة لها، وبالتالي فإنّ حمايتها مهمة كبيرة بالنسبة لحكام طهران.

قد تكون هجمات السايبر فتاكة إذا ما أدت مثلما حاول الإيرانيون قبل نحو سنة إلى تلويث مياه الشرب في إسرائيل، أو إفشال عمل عتاد حساس أو سلاح طائرات

 وبما أنّ الخطاب حول الهجوم ما زال مستمراً منذ سنوات، فمن المحتمل جداً أن يكون مستوى الحماية ضدهم من بين أعلى المستويات، فعلى مدار أكثر من عشرة أعوام من التعامل مع المسألة الإيرانية، خرجت أصوات إسرائيلية تدعي أنه من الصعب تصديق رؤية مجموعة من الطائرات الإسرائيلية تظهر في الأجواء الإيرانية، وتدمر بنيتها التحتية النووية على الأقل في الوقت الحالي، كما تتحدث التقارير الإسرائيلية عن قرب تنفيذ عملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، لاسيما مع احتمالية إبرام إتفاق نووي مع المجتمع الدولي، والتخوف الإسرائيلي من دخول طهران إلى النادي النووي، وما قد يعنيه ذلك من حيازتها الحصانة ضد أي استهداف إسرائيلي، فالعديد من المحاولات التي لجأت إسرائيل إليها من أجل التأثير على قدرات إيران في المنطقة باءت بالفشل، بدءاً من المفاوضات الدبلوماسية إلى التهديد العسكري، وأخرى عبر المكافحة السرية للبنية التحتية النووية.

هجوم سيبراني يشل محطات الوقود الإيرانية

إسرائيل وأمام نفاد الحلول الدبلوماسية والعسكري للمسألة الإيرانية، تتجه لشن مزيد من هجمات السايبر ضد منشآت إيران الحساسة، فقل أسبوعين تعرضت إيران لأكبر هجوم سيبراني، شل محطات الوقود الإيرانية التي تسمح للمواطنين بشراء الوقود بسعر مخفض، وأحدثت الهجمات فوضى في نحو 4000 محطة وقود في أرجاء الدولة، تنضم هذه الهجمة إلى سلسلة هجمات سيبرانية في الأشهر الأخيرة، أدت إلى تعطيل خدمات حيوية وبنى تحتية في إيران، من خلال تشويش عمل الإشارات الضوئية عبر حركة القطارات، وانتهاءً بتشويش توريد المياه والكهرباء.

 في أعقاب هذا الهجوم لم يعلن أحد المسؤولية أو عن الهجمات السابقة، لكنّ التقارير في وسائل الإعلام الأجنبية وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية، ربطت الهجمات بإسرائيل وشرحت بأنّ هدفها ممارسة الضغط على النظام الإيراني، كي تمنعه من التقدم في البرنامج النووي. وفي طهران كانوا حذرين من توجيه أي اتهام لأحد من الأعداء، وإن كانوا أوضحوا بأنّ دولة ذات قدرات سايبرية تقف خلف الهجمة، وتسعى مثلما شرح الرئيس الإيراني رئيسي إلى خلق غضب في الدولة، بإحداث اضطراب وتشويش في حياة الإيرانيين.

اقرأ أيضاً: هل اشترى حزب الله شحنة الأمونيوم من الحرس الثوري الإيراني؟

 لكن أمام هذا الهجوم يرجح سياسيون إسرائيليون بأنه من الصعب الافتراض بأنّ التشويش الذي أحدثته الهجمات في توريد الوقود، سيدفع النظام الإيراني للتفكير في مغامرته النووية أو التراجع عن المشروع الذي يتقدم به، فهناك العديد من الضربات القاسية التي تلقاها النظام في السنوات الأخيرة، لم تمنعه من التفكير بالتراجع أو تقديم تنازلات أمام المفاوضات الجارية، فخلال السنوات القليلة الماضية تسبب فيروس الحواسيب تاكسنت الذي أدخل لأجهزة الحواسيب في الدولة، إلى تدمير أجهزة طرد مركزي خاصة في البرنامج النووي الإيراني، مما أدى إلى تأخير البرنامج وليس إلى إلغائه، ولكن الهدف نجح فقط في تنغيص حياة المواطنين الإيرانيين، فإيران دولة فقيرة تجد صعوبة في أن توفر الغداء وخدمات الصحة والتعليم لسكانها. أربعة عقود من حكم آية الله الفاشل والفاسد، جعلت إيران عدواً خطيراً للعرب ولإسرائيل، ولكنها جعلت سكانها في ضائقة يعوزهم الأمل في مستقبل أفضل، ومع ذلك فإنّ هجمات السايبر هذه لا يعوزها المنطق والمبرر، إذ إنّ هدفها خلق ميزان رعب وقدرة ردع أمام نظام متطرف.

هجمات لتلويث مياه الشرب في إسرائيل

 يجدر الإشارة هنا إلى أنّ حرب السايبر ليست لعبة يستهان بها، فلا يدور الحدث فقط عن تشويش عمل الإشارات الضوئية مما يشكل إزعاجاً للسائقين، ولا حتى عن هجمة ضد منظومة حواسيب مستشفيات وغيرها، فقد تكون هجمات السايبر فتاكة إذا ما أدت مثلما حاول الإيرانيون قبل نحو سنة إلى تلويث مياه الشرب في إسرائيل، أو إفشال عمل عتاد حساس أو سلاح طائرات وفي المستقبل أيضاً سيارات، ويبدو أنّ إسرائيل نشطة بشكل خاص في هذه الفترة الحالية بهذا المجال، فقد أبلغ عن هجوم رابع في الشهر الماضي في منطقة دمشق ضد أهداف إيرانية، يضاف إلى ذلك هجوم السايبر الذي شوش حركة السفن في ميناء بندر عباس في أيار(مايو) الماضي، ويبدو أنّ لهذه العمليات تأثيراً استراتيجياً ضعيفاً، كما أنّ المس بحياة المواطنين في إيران لا يضعضع سيطرة النظام، الذي صمد حتى تحت ضغط العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة خلال سنوات كثيرة، والمعركة بين حربين في سوريا لن تنهي تقدم إيران في مشروعها النووي.

 ولكن إذا كانت إسرائيل هي التي تقف خلف هجمات السايبر في إيران، فإن هذا استمرار لتلك المعركة بين الحروب التي تدور بين الدولتين، وعلى مدى أكثر من عقد تعتبر هذه حرب باردة، وفي الغالب تسير من تحت الرادار، والتي يظهر أنها مريحة لإسرائيل وإيران أيضاً، فتمتنعا بذلك عن مواجهة شاملة لا يريدها الإيرانيون، فالقراصنة الإيرانيون هم أيضاً يهاجمون إسرائيل مرة تلو الأخرى، وبعض من هذه الهجمات كان من شأنه أن يكلف حياة المواطنين في إسرائيل. في المقابل هناك تفوق واضح على إيران في هذا المجال من قبل إسرائيل، ولكن مثلما في مراحل سابقة من المعركة التي تدور بين الدولتين، يتعلم الإيرانيون ويتحسنون وفي النهاية يجدون جواباً، مثلاً عندما كفت إسرائيل عن مهاجمة ناقلات إيرانية تشق طريقها إلى سوريا، بعد أن بدأت إيران تهاجم سفناً إسرائيلية قرب شواطئها.

على نار هادئة

 حرب السايبر ستستمر على نار هادئة، ولكن ليس بالسايبر يتحقق الحسم في معركة إنزال الأيدي بين تل أبيب وطهران، من غير الواضح حتى الآن إلى أية درجة تساعد نشاطات إسرائيل في إبعاد إيران عن أهدافها الإستراتيجية، فلا يمر يوم بدون تصريح لشخصيات إسرائيلية رفيعة ضد النظام الإيراني، فعلى صعيد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، يكرر رسائل لا جدوى منها يومياً حول الموضوع الإيراني، ويعد بأن يعمل كل ما يجب فعله لمنعها من الوصول إلى السلاح النووي، على أي حال جميع التصريحات لم تغير الكثير.

اعترفت القيادة الأمنية الإسرائيلية بأنّ تأثير إسرائيل على موقف الولايات المتحدة في المفاوضات حول الموضوع النووي الإيراني ضعيف، وأنّ إدارة بايدن ستكون مسرورة بالتوقيع على اتفاق جديد

بالنسبة لإسرائيل شكلت عملية انسحاب أمريكا من أفغانستان انفعالاً لها، وهذا الانفعال يعكس إحباطها بشكل كبير، تنجح إسرائيل في إلحاق الضرر بإيران وأحياناً إيلامها وليس أكثر من ذلك، يتم التحدث مرة أخرى عن استعدادات عسكرية لهجوم جوي على مواقع إيرانية، وفعلياً حسب التقارير المنشورة في وسائل الإعلام الأجنبية، فإنّ النجاحات الرئيسية التي تم تسجيلها حتى الآن، كانت في هجمات سايبر على المشروع النووي أو في عمليات تخريب سرية، اعترفت القيادة الأمنية الإسرائيلية بأنّ تأثير إسرائيل على موقف الولايات المتحدة في المفاوضات حول الموضوع النووي ضعيف، وأنّ إدارة بايدن ستكون مسرورة بالتوقيع على اتفاق جديد يشبه سابقه، إذا وافقت إيران على العودة إلى المفاوضات الجدية، فتتسبب في ذلك لإسرائيل بأضرار كبيرة، والمستفيد من ذلك هو نظام الأسد في سوريا، الذي يعيد إحكام قبضته على الدولة بالتدريج مع دعم روسيا وإيران، وربما يشكل توصل إيران مع الولايات المتحدة إلى تفاهمات تعزيز لصمود الأسد في الحكم، والذي يخاف على استقرار نظامه، كما أن لروسيا دوراً كبيراً بمساعدة إيران في تغلب الأسد على التمرد الذي تجدد في درعا المدينة التي اندلعت منها الانتفاضة، يقدر جهاز الأمن في إسرائيل أنّ الأسد يسعى إلى تسريع مشروع إعادة إعمار الدولة، رغم أنّ التغلب على أضرار الحرب قد يمتد لعشرات السنين، في المقابل إسرائيل لا تقلق من تسليح الجيش السوري في هذه الأثناء، باستثناء تسلحه بمنظومة مضادة للطائرات، الجيش السوري غارق في قمع التمرد وفي الحفاظ على النظام، وليس بالاحتكاك مع إسرائيل.

المقارنة مع الحرب ضد غزة

يقدر إسرائيليون أنّ استخدام القوة في هجمات السايبر أمر لا يحقق شيئاً، بل يعطي أعداءنا الرخصة ليردوا بقوة بل ويتقدموا إلى إنجاز حقيقي تماماً مثلما في عملية حارس الأسوار، حين سجلت حماس لنفسها نجاحات هائلة في مستوى السياسة والوعي، حين أسقطنا أبراج ومنازل مبانٍ وروينا لأنفسنا بأنّ هذا يخلق ردعاً لحماس، هكذا أيضاً في الموضوع الإيراني، نتباهى بهجمات جوية وبالتصفيات وبتموضع الإيرانيين، وفي الأثناء تواصل إيران تموضعها في سوريا، فالإيرانيون يعقدون اتفاقات مع الصين وروسيا لتلطيف حدة ضرر العقوبات، ويقتربون حتى من أعدائهم في السعودية ويسيرون نحو النووي. في المقابل لا يمكن مقارنة وما حصل من قصف إسرائيل للمفاعل النووي السوري الذي لم يحمه نظام الأسد بالصورة الملائمة، رغم أنّ الهجوم الجوي الإسرائيلي عليه جاء بسيطاً نسبياً ودون مقاومة كبيرة أمام ما يحصل مع إيران، فالأمر مختلف تماماً لأنّ تكلفة الهجوم على مفاعلات إيران ستكون باهظة، سواء تجاه القوات التي ستهاجم، أو في الرد الحربي الذي يليه، فضلاً عن مدى تأثير هذا الهجوم على الاستقرار الإقليمي.

إن إدارة بايدن ورغم نهجها المتصالح غير مستعدة للاستسلام لمطالب إيران المتصلبة، وبذلك فإنّ احتمال عدم التوصل إلى اتفاق جديد أكبر من احتمال حل الخلافات، ولكنّ كثرة أنواع التهديد التي تنتهجها إيران، تستوجب منا أن نكون جاهزين على الأقل لمجموعة من السيناريوهات المحتملة من المواجهة العسكرية العلنية مع إيران، ومنها هجوم مباشر على إسرائيل بالصواريخ والمسيرات التي تستخدمها إيران أو الميليشيات الخاضعة لها، وهجوم كهذا نفذ قبل سنتين ضد شبكة النفط السعودية مما أدى إلى شللها وإن كان لفترة قصيرة، أما إسرائيل فلديها قدرات دفاعية أفضل مما للسعودية، ولكنّ هجوماً إيرانياً كهذا ضدها قد يضر بإسرائيل كثيراً ويلزمها برد على إيران، في حين إنّ أحد الأسباب التي تجعل إسرائيل تسمح لنفسها بأن تكون متصلبة بهذا القدر تجاه الولايات المتحدة، هو الحقيقة بأنّ الولايات المتحدة سواءً في عهد أوباما وترامب وبايدن، لم تثبت بعد بأنّ لها أيضاً خياراً عسكرياً صادقاً تجاه إيران، والخلاصة أنّ إيران تعد دولة نووية وتشكل تهديداً غير مسبوق على إسرائيل، وامتلاكها للقنبلة النووية سيغير وجه الشرق الأوسط، ينبغي عمل كل شيء كي لا يحصل هذا، ولكن بعد سنوات من العمل السري والعمل السياسي من خلف الكواليس، يجب الضغط على الولايات المتحدة للانسحاب من الاتفاق النووي، وإلا ستساعد الأيام إيران على الاقتراب من امتلاك القنبلة، وبذلك تبقى احتمالية المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران أمر لا مفر منه، على الرغم من أنّ الحرب السيبرانية لها أضرار كبيرة على إيران، لكنّ الخيار العسكري يؤثر على الأرض بشكل أوسع.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/opinions/article/5382259/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية