هل نصنع خريطة لمستقبل عربي؟!

هل نصنع خريطة لمستقبل عربي؟!

هل نصنع خريطة لمستقبل عربي؟!


23/05/2023

عز الدين سعيد الأصبحي

هل نحن أمام خريطة جديدة للشرق الأوسط تتشكل ثانية؟.  

المنطقة التي حظيت بعبقرية المكان، شهدت خلال ثمانية عقود تبدلات عجيبة، لا ثبات فيها غير عدم الاستقرار واستمرار التشظي! ومحاولات لا تتوقف للسيطرة عليها أو التحكم بمواردها.

 وأمام تتابع الأحداث في الأسابيع الماضية وجدنا أنفسنا ثانية في حالة ترقب وذهول عجيب وأسئلة مفتوحة لا تنتظر إجابات فورية.

 فهنا قمة عربية تنتهي ومرحلة جديدة تبدأ من الترقب، وقبلها بأسبوع لا أكثر الأمم المتحدة تحتفي بذكرى نكبة فلسطين للمرة الاولى منذ خمسة وسبعين عاماً، ويثير ذاك حنق الكيان الاسرائيلي. 

 تعود الحقيقة الثابتة التي يهرب الكل من مواجهتها والقائلة إن مفتاح الاستقرار في كل المنطقة العربية، يكمن في حل القضية الفلسطينية وعودة اللاجئين إلى ديارهم، ولكن من يسمع ذلك وسط هذا الضجيج؟ وذاك سؤال أيضاً يقبع في خانة الانتظار ولا ننتظر رداً عليه.  

وبقية الصورة لما حولنا  هي مجرد إيقاعات لحالة التمزق والترقب.

في كل زاوية من هذا الشرق المحاصر بالأطماع والمحكوم بالتشظي وقلة الحيلة، قنبلة موقتة. 

ففي اليمن احتفل الشعب في الثاني والعشرين من أيار (مايو) بعيد وحدته الثالث والثلاثين وهو يعاني من حرب قاتلة ومشاريع تجزئة لا تنتهي!. 

وها هي سوريا تعود إلى جامعة عربية منهكة، فالجامعة التي شكلت يوماً مظلة للدول العربية تظهر بعد سبعة عقود وقد هرمت أكثر مما يجب! ولا تجد من دولها الأعضاء النجدة الكافية.

 فالكل محاصر بالهم، وكل المنطقة في ترقب مشدود إلى إيجاد تهدئة مطمئنة مع الإقليم وبخاصة مع إيران ويسأل إلى أين يمكن أن تذهب الأمور؟، وهل تقبل أذرع الحرس الثوري الممتدة في المنطقة من بيروت إلى صنعاء بفكرة السلام مع شعوبها؟ وتقبل بتغيير منهج العنف الذي تتبناه إلى مبدأ القبول بالآخر؟ تلك أسئلة تضاف إلى قائمة الانتظار.

ماذا عن التدخل الدولي، وماذا يقول الطالع في الفلك الصيني، هل ستغدو الحكمة صينية كما تقول كتب التنبؤات؟ ويتراجع حقاً الدور الأميركي رغم كل حضور أخطبوط أجهزته الأمنية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة؟ أو كما قال متحدث الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني الأسبوع المنصرم من أن "الولايات المتحدة لم تعد قوة عظمى في العالم، ولم يعد هناك نظام قطب واحد". 

ويبرز مع ذلك قول: وهل التنين الصيني صار بديلاً حاضراً؟

لا إجابات محددة، ولكن اجتهادات مرهقة تحركها مصالح ومعلومات محدودة. 

قبل عشرين عاماً كانت الأسئلة نفسها تطرح نفسها وكانت أميركا (بوش)، آنذاك تصوغ مشروعاً سيظهر في 2004 عبر قمة الدول الصناعية الثماني (قبل إخراج روسيا من القائمة لتصبح الدول السبع الآن)، آنذاك في سي آيلاند الأميركية في نهار صيفي من حزيران (يونيو) 2004، أُطلقت فكرة الشرق الأوسط الكبير ووضعت معها برامج عدة حول ضرورة الإصلاحات المنتظرة من دول المنطقة، وتم وضع خريطة ممتدة للدول العربية مضافة إليها إيران وتركيا وباكستان وافغانستان.

قيل يومها إن شرقاً جديداً سينبعث، وخريطة جديدة تتشكل، ووضعت أفكار محددة وخطوات لإصلاح لم يتم. طرحت يومها نظرية التضحية بالحريات مقابل الأمن في الدول والإقليم، ولكن بعد أقل من عقد من الزمن فقط وماراثون المؤتمرات والحملات السياسية، ذهب الأمن ولم تأت الحريات. 

 شاء الحظ وطبيعة العمل أن أكون قريباً من مؤتمرات عدة حول الشرق الأوسط الجديد، أو كلها تقريباً، من مؤتمر منتدى الإصلاحات والمستقبل في 2004 وحتى منتدى المستقبل في 2012، ووثقت الخطوة آنذاك في كتاب صدر قبل سنوات. وتلك قصة تحتاج إلى وقفة أخرى وتحليل آخر، بخاصة بعد عقد ونيف من الزمن المتسارع الإيقاع. فمع كل صراع دولي تظهر فكرة وتختفي أخرى وكلها خطط وأفكار مشغولة بهذه المنطقة المتخمة بالنعمة والنقمة!

لنجد أنفسنا خلال أربعة عقود على الأقل في دوامة لم تتوقف، من شتاء يكرس لتثبيت الأنظمة على حساب الشعوب إلى ربيع قاس لم يكتمل. 

ولكن أبقى الآن في دوامة السؤال الكبير، هل المصالحات الإقليمية الراهنة ستصنع خريطة أخرى قائمة على التعاونفي  أكبر وأهم نقطة اتصال للعالم؟ ذاك أملنا نحن لا أمل العالم المتربص!.

ولكن واقع الحال يقول إننا بحاجة إلى تعزيز وحدة الصف في أوطاننا أولا، ووقف أي تمزيق لكيانات بلداننا حتى تستقيم الأمور وتكتمل الصورة الجميلة، ويتحقق الحلم بمنطقة عربية مستقرة متكاملة مجسدة للتعاون، حتما ستكون الأكثر حضوراً عالمياً إذا قدر لها أن تستقر.

فلا يمكن أن تكون هناك منطقة مزدهرة إذا بقي هناك يمن ممزق وسودان جريح ولبنان معطل وليبيا قلقة وفلسطين مستلبة وسوريا متشظية.

إذا أردنا شرقاً مشرقاً لابد من تعزيز مصالحات وطنية جادة تعزز استقرار البلدان التي ستصنع خريطة المنطقة العربية كلها، وستكون خريطة جديدة يرسمها أهلها تعيد الاعتبار للأمة وتاريخها، لا خريطة ملغومة جديدة.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية