هل هناك جدوى من التفاوض مع إيران؟

هل هناك جدوى من التفاوض مع إيران؟


11/03/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

إذا كانت الإشاعات الواردة من فيينا صحيحة، فإنّ إدارة بايدن على وشك التّوصّل إلى اتّفاق بشأن صفقة نوويّة جديدة مع إيران، ستكون له عيوب الاتّفاق النّووي القديم نفسها. سمحت "خطّة العمل الشّاملة المشتركة" الأصليّة لإيران بالحفاظ على بنيتها التّحتيّة النّوويّة، من أجهزة الطّرد المركزيّ المتقدّمة إلى خطّة بحث وتطوير متينة. الآن، على الرّغم من أنّ مصير اتّفاق ثان ما يزال غير مؤكّد، يبدو أنّ الدّبلوماسيين في فيينا يتطلّعون إلى توقيع اتّفاق يتضمّن المشكلة الأساسيّة نفسها.

لا يعكس هذا المأزق صراعات دبلوماسيّة قصيرة المدى فحسب، بل يعكس أيضاً حقيقة أعمق: لقد انتهى عصر الدّبلوماسيّة النّوويّة مع إيران. أوضحت الجمهوريّة الإسلاميّة أنّها لن تقبل بأيّ اتّفاق إلّا إذا سمح لها بمواصلة أنشطة ذرّيّة أساسيّة. أحرزت الدّولة تقدّماً مهمّاً في برنامجها النووي، لا سيّما في بناء أجهزة الطّرد المركزيّ والبحث والتّطوير، وهي غير مستعدّة للتّخلّي عن كلّ ذلك. على عكس الفترة التي سبقت "خطّة العمل الشّاملة المشتركة" عام 2015، أصبح برنامج إيران اليوم أكثر تقدّماً وأولويات قيادتها مختلفة. بينما كان الرّئيس السّابق حسن روحاني يعتقد أنّ "خطّة العمل الشّاملة المشتركة ستمهّد الطّريق أمام اندماج إيران في الاقتصاد العالميّ، فإنّ النّظام الجديد أقلّ تأثّراً بالحوافز الماليّة والاقتصاديّة.

الإعانة الماليّة مقابل الامتيازات النّووية

وهكذا، فإنّ الصّيغة الأساسيّة للمفاوضات النّوويّة مع إيران، الإعانة الماليّة مقابل الامتيازات النّووية، قد وصلت إلى نهايتها؛ فبدلاً من التجمّع في اجتماعات سرّية دبلوماسيّة تمتدّ لأشهر وإجراء مناقشات متكرّرة حول التفاصيل نفسها، حان الوقت لقبول أمريكا بنهاية "خطّة العمل الشّاملة المشتركة".

لكن من المفارقات أنّه، على الرّغم من أنّ الولايات المتّحدة لم تعد قادرة على التّفاوض بشأن القيود المفروضة على برنامج إيران النّوويّ، فإنّها قد تكون قادرة على فرضها.

يجب على الولايات المتّحدة أن تُدرك أنّ لديها شكلاً مختلفاً وأكثر فاعلية من النّفوذ: سجلّ إيران الحافل بالخوف من القوّة العسكريّة الأمريكيّة واحترامها. يجب على إدارة بايدن الانسحاب من المحادثات والاستعداد لعمل عسكريّ ضدّ إيران إذا تجاوز برنامجها النّوويّ خطوطاً حمراء معيّنة.

لن تعرقل دبلوماسيّة إدارة بايدن طريق إيران إلى الأسلحة النّوويّة، لكنّها تقدّم الوهم بفترة راحة مؤقّتة، وقد أثبتت قوى قليلة في التّاريخ أنّها أكثر جاذبيّة من خداع الذّات

إيران اليوم ليست هي إيران التي أبرمت الصّفقة عام 2015. يواصل فريق بايدن الاعتقاد بأنّ المرشد الأعلى، علي خامنئي، والرّئيس إبراهيم رئيسي، يقومان بتقييمات التّكلفة والفوائد نفسها التي اعتادوا عليها، وأنّ الخوف من الركود الاقتصاديّ سوف يجعلهما يتنازلان عن القضيّة النّوويّة. من المؤكّد أنّ قادة إيران يريدون رفع العقوبات، لكنّهم غير مستعدّين للتّنازل عن جزء كبير من برنامجهم النّوويّ للحصول على إعفاء. وبهذا المعنى، فإنّنا نُخطئ في فهم قادة إيران بافتراض أنّهم مدفوعون بمعايير دنيا.

ملايين الإيرانيين تحت خطّ الفقر

نقاط الضّعف الدّاخلية الإيرانيّة لا جدال فيها. بحسب ما ورد، يعاني اقتصادها من معدّل تضخّم بنسبة 40 في المئة، بينما يعيش الملايين تحت خطّ الفقر، ووسط توقُّفات واحتجاجات مرتبطة بالعمل، أصبح كلّ قطاع من المجتمع تقريباً محبطاً من الحكم الثّيوقراطي. خطّة خامنئي لإدارة هذا الأمر هي "اقتصاد المقاومة"؛ حيث ستفطم إيران نفسها عن صادرات النّفط وتعتمد بدلاً من ذلك على التّجارة مع دولٍ في الإقليم ومع الصّين ("التّوجه الشّرقي"، الذي يدعو إلى تنمية علاقات وثيقة مع الصّين، هو الكلمة الطنانة الجديدة في أروقة السّلطة في طهران).

 صُمِّمت هذه الخطّة ليس لتوليد النموّ، لكن لتحصين إيران من الضّغوط الاقتصاديّة الغربيّة. من المحتمل أن يكتشف خامنئي ورئيسي في النّهاية أنهما أخطآ في الحسابات، إذا تسبّب عمق السّخط الشّعبيّ في انهيار نظامهما، لكن في هذه المرحلة، لا يتأثران بالغرامات الماليّة أو الوعد بالإغاثة الاقتصاديّة.

لم يكن هناك دائماً ما يبرّر "خطّة العمل الشّاملة المشتركة"، لكن عام 2015، كان بإمكان الأمريكيّين المتفائلين أن يؤكّدوا لأنفسهم أنّ أيّ اتّفاق مع روحاني الأكثر براغماتيّة من شأنه أن يُعزّز سيطرة المعتدلين على إيران. وصحيح أنّ الاتّفاق فرض بعض القيود على البرنامج النّوويّ للبلاد، لكن المفاوضين الإيرانيّين في ذلك الوقت كانوا في حاجة إلى حوالي سبعة أعوام لتطوير تقنيّاتهم للطّرد المركزيّ المتقدّمة، وهذا هو بالضّبط الجدول الزّمني الذي تفاوضوا عليه. اليوم، تطوّرت البنية التّحتيّة النّووية الإيرانيّة إلى أبعد من ذلك، والرّجعيّون الذين لديهم رؤية مختلفة جذريّاً للعالم يمتلكون كلّ روافع السّلطة. مع القليل من الاهتمام برفاهية جمهورهم، أثبتوا أنّهم إمبرياليون متحمّسون قبل كلّ شيء، والأسلحة النّوويّة ضروريّة لهذه المهمّة الإمبرياليّة؛ لأنّها ستسمح لإيران بفرض الهيمنة على الشّرق الأوسط بثمن بخس.

ما يميّز خامنئي

لكن ما يميّز خامنئي عن طغاة الشّرق الأوسط المندفعين، مثل صدام حسين ومعمّر القذافيّ، هو تقديره لقوّة أمريكا القاسية. إنّه الحاكم الأطول خدمة في المنطقة، وقد جاءت هذه الاستمرارية جزئيّاً من خلال تجنّب الصّدام المسلّح المباشر مع الولايات المتّحدة، كسبت إيران الكثير من خلال التّحلّي بالصّبر والمضيّ قدماً بشكل تدريجيّ.

يُظهر التّاريخ أنّ إيران تتراجع عندما تهدّدها الولايات المتّحدة بطريقة ذات مغزى. في عام 2003، سارعت أمريكا منتصرة إلى العراق، بعد فترة قصيرة من انتقاد جورج بوش للعراق وإيران باعتبارهما أعضاء في "محور الشّرّ". أصيبت المؤسّسة الإيرانيّة بالصّدمة من السّرعة التي هزمت بها أمريكا الجيش العراقيّ، ووافقت على إغلاق برنامجها النّوويّ. كان الدّرس هو أنّ النّظام يتراجع فقط عندما يخشى الصّراع المسلّح مع أمريكا.

الجمهورية الإسلاميّة بارعة في الحرب غير المتكافئة ويمكنها استخدام شبكتها من الوكلاء والإرهابيّين لاستهداف المنشآت الأمريكيّة، هذا من شأنه أن يُجبر أيّ رئيس أمريكيّ على الرّدّ بالمثل

أظهرت إدارة ترامب، بطريقتها الخاصّة، تأثير القوّة العسكريّة الأمريكيّة على إيران؛ عندما أمر ترامب باغتيال القائد الإيرانيّ المشهور قاسم سليماني، لم يكن هناك سوى القليل من الانتقام الإيرانيّ: كان ردّ إيران الوحيد هو مهاجمة قاعدة عسكريّة أمريكيّة، بإشعار مسبق وبطريقة لم تُسفر عن سقوط قتلى، ومنذ ذلك الحين، كشف اللواء بالحرس الثوريّ، أمير علي حج زاده، الأسباب الكامنة وراء جبن إيران، متسائلاً: "هل ستكون "الحرب مع الولايات المتّحدة" منطقيّة؟"، وأشار إلى أنّ مثل هذه النّتيجة قد تعني "نكسة 10 أو 20 عاماً" بالنسبة إلى إيران. من المؤكّد أن وكلاء إيران استأنفوا هجمات متفرّقة على القواعد الأمريكيّة، لكن الملالي لم يصلوا إلى حدّ التسبّب في مقتل أمريكيّين، الأمر الذي سيدعو بالتّأكيد إلى مزيد من الانتقام.

تاريخ من التّنازل

قد يكون الأمر مفاجئاً بالنّظر إلى صعوبة المفاوضات حتّى الآن، لكن الولايات المتّحدة تواجه في الواقع خصماً ضعيفاً له تاريخ من التّنازل أمام أمريكا عندما تكون مُهدِّدة. تكمن مشكلة إستراتيجيّة الولايات المتّحدة في أنّها بالغت في التّأكيد على الضّعف الماليّ بدلاً من الضّعف العسكريّ والدّبلوماسي، على الرّغم من خسارة المصداقيّة التي نتجت عن الانسحاب المخزي للولايات المتّحدة من أفغانستان، ما تزال القوّة العسكريّة الأمريكيّة تُقزّم كلّ منافسيها.

بالتّالي؛ فإنّ المهمّة التي نحن بصددها ليست اختلاق ترتيب مؤقّت معيب آخر تحصل بموجبه إيران على ضخ هائل من الأموال. ببساطة، يجب على الولايات المتّحدة رسم خطوطها الحمراء والإصرار على أنّ أيّ انتهاك سيؤدّي إلى انتقام عسكريّ.

وكي تكون الخطوط الحمراء ذات مصداقيّة، لا ينبغي أن تكون من طبيعة مُفرِطة، يجب أن يكون الحظر الأهم هو وقف إنتاج وتركيب أجهزة الطّرد المركزيّ المتطوّرة. يبدو من غير المحتمل أن تتضمّن الصّفقة الجديدة مثل هذا البند، وستكون إيران حرّة في المضي قدماً في بناء أجهزة الطرد المركزيّ مع بدء انتهاء صلاحية بنود الاتّفاق النّوويّ، والذي كان دائماً مؤقّتاً. لن تحتاج إيران إلّا إلى عدد صغير من هذه الآلات لتطوير اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة، بالتّالي، يمكنها إخفاؤها في مستودعات صغيرة من شأنها أن تفلت من اكتشافها حتّى من قِبل أكثر أنظمة التّفتيش تدخّلاً.

يجب أن يكون الخطّ الأحمر الثّاني هو الإصرار على أن تشحن إيران اليورانيوم المخصّب الموجود لديها، حتى عند المستويات المنخفضة، إلى الخارج، على الأرجح إلى روسيا. أخيراً، يجب عدم السّماح للجمهوريّة الإسلاميّة بتطوير صواريخ قادرة على حمل حمولة نوويّة. يتعيّن على الولايات المتّحدة أن تُعلن صراحة أنّه إذا اكتشفت أجهزتها الاستخباراتيّة حدوث هذه الأشياء، فإنّها ستستخدم القوّة العسكريّة ضدّ إيران. هذه القيود، المفروضة من جانب واحد، لا يلزم أن تُشترى بتخفيف العقوبات ولن تنتهي صلاحيتها بعد مرور الوقت.

إيران لا تريد صراعاً مع قوّة عظمى

لا ينبغي رسم الخطوط الحمراء بشكل عرضيّ؛ تحتاج حكومة الولايات المتّحدة إلى الالتزام باستخدام القوّة فعليّاً إذا انتُهِكَت. ويجب على الولايات المتّحدة أن تدرك أنّه على الرّغم من أنّ إيران لا تريد صراعاً مع قوّة عظمى، فإنّ حرباً أوسع ممكنة.

إنّ الجمهورية الإسلاميّة بارعة في الحرب غير المتكافئة ويمكنها استخدام شبكتها من الوكلاء والإرهابيّين لاستهداف المنشآت الأمريكيّة، هذا من شأنه أن يُجبر أيّ رئيس أمريكيّ على الرّدّ بالمثل، حتى تجد الدّولتان نفسيهما في صراع طويل الأمد منخفض الحدّة. قد يكون ميزان القوى إلى جانب أمريكا، لكن تكاليف مثل هذا الصّراع لا ينبغي استبعادها. في النّهاية، على الرّغم من هذه المخاطر، فإنّ إيران مسلّحة نووياً تُطارد الشّرق الأوسط أقلّ استحساناً من ضربات أمريكيّة ضدّ منشآتها النّوويّة.

إذا كانت الطّبقة السّياسية الأمريكيّة لا ترغب في المخاطرة بمثل هذا النحو، فعليها الاستغناء عن التّظاهر العامّ بأنّ الولايات المتّحدة ملتزمة بمنع إيران من الحصول على القنبلة.

لن تعرقل دبلوماسيّة إدارة بايدن طريق إيران إلى الأسلحة النّوويّة، لكنّها تقدّم الوهم بفترة راحة مؤقّتة على الأقلّ، وقد أثبتت قوى قليلة في التّاريخ أنّها أكثر جاذبيّة من خداع الذّات.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

راي تقية، بوليتيكو، 2022

https://www.politico.com/news/magazine/2022/02/18/biden-threat-conflict-iran-nuclear-bomb-diplomacy-00010162




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية