هل يعيد هجوم حماس رسم التوازنات الأمنية في المنطقة؟

هل يعيد هجوم حماس رسم التوازنات الأمنية في المنطقة؟

هل يعيد هجوم حماس رسم التوازنات الأمنية في المنطقة؟


09/10/2023

يقول محللون إنه حينما بدأت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) هجومها المباغت على إسرائيل فإنها استهدفت أيضا الجهود المبذولة لتشكيل تحالفات أمنية إقليمية جديدة من شأنها أن تهدد آمال الفلسطينيين في إقامة دولة، وكذلك طموحات إيران الداعم الرئيسي للحركة. وتزامن الهجوم الذي بدأ السبت، وهو أكبر توغل داخل إسرائيل منذ عقود، مع تحركات تدعمها الولايات المتحدة لدفع السعودية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل اتفاق دفاعي بين واشنطن والرياض، وهو أمر قد يبطئ وتيرة التقارب السعودي - الإيراني في الآونة الأخيرة.

ويقول مسؤولون فلسطينيون ومصدر إقليمي إن المسلحين الذين اقتحموا بلدات إسرائيلية وقتلوا 250 إسرائيليا واحتجزوا رهائن يوجهون أيضا رسالة مفادها أنه لا يمكن تجاهل الفلسطينيين إذا أرادت إسرائيل أن تنعم بالأمن، وأن أي اتفاق سعودي من شأنه أن يقوض التقارب مع إيران. وقتل أكثر من 230 من سكان غزة في الرد الإسرائيلي على الهجوم.

وقال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي تحكم غزة على قناة الجزيرة التلفزيونية “نقول لكل الدول بما فيها الأشقاء العرب… هذا الكيان الذي لا يستطيع أن يحمي نفسه أمام هؤلاء المقاتلين ما بيقدر يوفرلكم أمن ولا حماية (لا يستطيع أن يوفر لكم أمنا ولا حماية)، وكل التطبيع والاعتراف بهذا الكيان لا يمكن أن يحسم هذا الصراع… الصراع يتم حسمه في أرض الميدان”.

وأضاف مصدر إقليمي مطلع على تفكير إيران وجماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران “هذه رسالة إلى السعودي الزاحف نحو الإسرائيلي غير آبه بالشعب الفلسطيني، وهذه رسالة إلى الأميركان الداعمين للتطبيع وللإسرائيلي، ما في أمن بكل المنطقة (لا أمن في كامل المنطقة) طالما الفلسطينيون خارج معادلاتهم". وتابع المصدر أن الذي "صار خارج كل التوقعات والتحليلات والسيناريوهات.. هذا يوم مفصلي في الصراع".

ويأتي هجوم حماس بعد أشهر من تصاعد العنف في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، وسط تزايد المداهمات الإسرائيلية وهجمات الفلسطينيين في الشوارع وهجمات المستوطنين اليهود على القرى الفلسطينية. وتدهورت أوضاع الفلسطينيين في ظل الحكومة اليمينية المتشددة التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. كما أن عملية السلام متوقفة منذ سنوات.

وفي غضون كل ذلك أشارت السعودية وإسرائيل إلى أنهما تقتربان من اتفاق للتطبيع. إلا أن مصادر سبق أن قالت إن تمسك المملكة بالتوصل إلى اتفاق دفاعي مع الولايات المتحدة يعني أنها لن تعطل اتفاق التطبيع من أجل الحصول على تنازلات جوهرية للفلسطينيين. وبعد التصعيد السبت ذكّرت وزارة الخارجية السعودية بـ”تحذيراتها المتكررة من مخاطر انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته”.

ورأى الباحث السعودي عزيز الغشيان أن موقف الرياض يهدف إلى دحض توقّع أن المملكة ستولي التطبيع أولوية على حساب دعم حقوق الفلسطينيين. وأوضح "هذا الوضع دفع السعودية للعودة إلى دورها التقليدي (..)، وضع نتنياهو عقبة أخرى أمام المباحثات لأنه قال إن هذه حرب الآن. لا أتوقع أن يحصل التطبيع على خلفية حرب".

وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أكد في سبتمبر الماضي الاقتراب "أكثر فأكثر" من التطبيع مع إسرائيل، لكنه كرّر موقف بلاده الذي يقضي بضرورة أن يشمل أي اتفاق معالجة قضايا الفلسطينيين. وقال "نأمل أن تؤدّي (مباحثات الاتفاق) إلى نتيجة تجعل الحياة أسهل للفلسطينيين وتسمح لإسرائيل بأن تلعب دوراً في الشرق الأوسط".

توقيت الهجوم

قال أسامة حمدان القيادي في حركة حماس إن عملية السبت يجب أن تجعل الدول العربية تدرك أن قبول المطالب الأمنية الإسرائيلية لن يحقق السلام. وأضاف أن “إنهاء الاحتلال” يجب أن يكون نقطة البداية لمن يتطلعون إلى تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، وعبر عن تأسفه لأن بعض الدول العربية بدأت تتصور أن إسرائيل يمكن أن تكون بوابة واشنطن للدفاع عن أمنها.

وتوعد نتنياهو “بانتقام قوي عن هذا اليوم الأسود” السبت، الذي جاء بعد يوم من الذكرى الخمسين لانطلاق حرب 1973. وعن تقارب التوقيت والظروف مع حرب 1973 قال علي بركة، عضو قيادة حماس في الخارج، “كان لا بد لقيادة المقاومة أن تتخذ قرارها في الوقت المناسب وهو وقت يكون فيه العدو ملتهيا بحفلاته، يعني العملية شبيهة بحرب 73”. وتابع أن الهجوم الذي بدأ فجأة من البر والبحر والجو كان بمثابة “صدمة للعدو وأثبت أن الاستخبارات العسكرية الصهيونية فشلت في التنبه لهذه المعركة”.

وفي السنوات التي تلت عام 1973 وقّعت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل، كما قامت الكثير من الدول العربية الأخرى منذ ذلك الحين بتطبيع العلاقات، بما في ذلك بعض دول الخليج العربي المجاورة للسعودية. إلا أن الفلسطينيين لم يقتربوا أكثر من تحقيق تطلعاتهم في إقامة دولة، وهو أمر يبدو أنه صار بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.

وكتب ريتشارد ليبارون، الدبلوماسي الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط والذي يعمل الآن في المجلس الأطلسي للأبحاث، "على الرغم من أنه من غير المحتمل أن يكون هذا هو الدافع الرئيسي إلى الهجمات، فإن تحركات حماس تبعث إلى السعوديين رسائل واضحة يفيد مضمونها بأن القضية الفلسطينية لا ينبغي التعامل معها كمجرد موضوع فرعي في مفاوضات التطبيع”.

وفي المقابل رجّح مدير الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية يوست هلتيرمان أن يكون الخوف من “تهميش إضافي مقبل للقضية الفلسطينية في نظر الفلسطينيين” -إذا طبّعت السعودية مع إسرائيل- أحد دوافع حماس لشنّ عملية السبت. وأشار إلى أنه في حال مضت إسرائيل في التصعيد ردا على العملية، فستكون الدول العربية ملزمة باتخاذ مواقف أكثر تصلبا، تماهيا مع الرأي العام.

وقال "إذا حصل كل ذلك، أتوقع سيناريو مشابها للسلام البارد بين إسرائيل والأردن وإسرائيل ومصر: أن نشهد فتورا في العلاقة بين الإمارات وإسرائيل، وربما إرجاء -على الأقل- لأي صفقة بين إسرائيل والسعودية". ويقول عدد من المحللين إنه من المستحيل في هذه المرحلة، بعد التعرض للصدمة من مستوى المذبحة، أن يقدم أي رئيس وزراء إسرائيلي تنازلات للفلسطينيين. وبالمثل، فإن ارتفاع عدد القتلى بين المدنيين الفلسطينيين من شأنه أن يعقد أي مبادرات قد يكون السعوديون على استعداد للقيام بها تجاه إسرائيل.

قال مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للصحافيين إنه "من السابق لأوانه حقا التكهن" بمدى تأثير الصراع بين إسرائيل وحماس على الجهود الرامية إلى التطبيع السعودي - الإسرائيلي. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته “أود أن أقول لحماس، والجماعات الإرهابية مثل حماس، لن تعرقل أي نتيجة من هذا القبيل. لكن هذه العملية أمامها طريق طويل".

وسبق أن قال نتنياهو إنه لا ينبغي السماح للفلسطينيين بعرقلة أي اتفاقات سلام إسرائيلية جديدة مع الدول العربية. وقال مصدر إقليمي مطلع على المفاوضات السعودية - الإسرائيلية - الأميركية بشأن التطبيع والاتفاق الدفاعي للمملكة "إن إسرائيل ترتكب خطأ برفضها تقديم تنازلات للفلسطينيين". وفي تعليقها على هجمات السبت دعت السعودية إلى "وقف فوري للعنف" بين الجانبين. وفي الوقت نفسه لم تُخف إيران دعمها لحماس ولا تمويلها وتسليحها لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.

نفوذ إيران

ووصفت طهران هجوم السبت بأنه عمل من أعمال الدفاع عن النفس من جانب الفلسطينيين. وقال يحيى رحيم صفوي مستشار الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن طهران ستقف إلى جانب المقاتلين الفلسطينيين “حتى تحرير فلسطين والقدس”. وقال مسؤول فلسطيني مقرب من الفصائل الإسلامية المسلحة بعد أن بدأ هجوم حماس برشقات من الصواريخ من غزة "لإيران أياد وليس يد واحدة في كل صاروخ يطلق نحو إسرائيل".

وتابع المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته "هذا لا يعني أن إيران هي التي أمرت بشن الهجوم يوم السبت ولكن من المعروف أن لإيران الفضل في المساعدة على تطوير القدرات العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي". والفصائل الفلسطينية جزء من شبكة أوسع من الجماعات المسلحة التي تدعمها إيران في أنحاء الشرق الأوسط، بما يمنح طهران نفوذا قويا في لبنان وسوريا والعراق واليمن، فضلا عن غزة.

وقال محللون إن إيران في الأسبوع الماضي أرسلت إشارة تفيد بأن الاتفاق السعودي سيلحق الضرر بتقارب العلاقات مع الرياض عندما قتلت جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من طهران أربعة جنود بحرينيين في ضربة عبر الحدود بالقرب من الحدود السعودية – اليمنية. وقد قوض هذا الهجوم محادثات سلام تهدف إلى إنهاء الصراع اليمني المستمر منذ ثماني سنوات.

وقال دينس روس، المفاوض السابق في الشرق الأوسط والذي يعمل الآن في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، عن هجوم السبت “الأمر كله يتعلق بمنع انفراجة أميركية – سعودية - إسرائيلية". وعلى الرغم من أن الجمهورية الإسلامية والسعودية اتفقتا في أبريل الماضي على استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد سبعة أعوام من القطيعة، وجّهت طهران انتقادا لاذعا للحديث عن تطبيع محتمل بين الرياض وتل أبيب، كما سبق لها أن انتقدت كل اتفاقات التطبيع السابقة.

واعتبر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هذا الشهر أن المقاربة التي يجب اعتمادها حيال إسرائيل هي "المقاومة" عوضا عن "التطبيع والاستسلام". وقال المحلل توماس فريدمان في مقال نشرتْه صحيفة نيويورك تايمز "لو تبيّنَ أن إيران شجعت حماس على قتل التقارب السعودي - الإسرائيلي فسيزيد التوتر بين إسرائيل وإيران وحزب الله، وكيل طهران في لبنان، وكذلك بين إيران والسعودية". وتابع "هذه لحظة خطيرة على عدة جبهات".

وفي بيان تهنئة لحماس اعتبر حزب الله اللبناني، الحليف لطهران، أن عملية السبت "رسالة إلى العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي بأسره، وخاصة أولئك الساعين إلى التطبيع مع هذا العدو، (يفيد مضمونها بـ) أن قضية فلسطين قضية حية لا تموت حتى النصر والتحرير". ورأى السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أن هجوم حماس المدعومة بدورها من طهران يبدو مصمّما “لوقف مساعي السلام بين السعودية وإسرائيل". وأضاف "اتفاق سلام بين هذين البلدين سيكون كابوسا بالنسبة إلى إيران وحماس".

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية