هل ينقذ الحرام السياسي رجال الدين الإيرانيين من مطاردة الشوارع؟

هل ينقذ الحرام السياسي رجال الدين الايرانيين من مطاردة الشوارع؟

هل ينقذ الحرام السياسي رجال الدين الإيرانيين من مطاردة الشوارع؟


08/05/2023

يوسف بدر

خلص إيرانيون إلى أن كل أزماتهم تتلخص في رجل الدين الذي يجب الخلاص من حكمه أولاً، إذا ما أرادوا الإصلاح. 

ولذلك شهد المجتمع الإيراني، في 26 نيسان (أبريل)، عملية اغتيال آية الله عباس علي سليماني، عضو مجلس الخبراء الذي يختار المرشد الأعلى للبلاد. وإن كان النظام يتستر على دوافع القاتل، لكن الضغوط الاقتصادية تدفع مواطنين إلى الانتحار أو الاكتئاب وآخرين إلى مطاردة رجال الدين. 

فقد تعرض رجل دين آخر لمحاولة دهس في جادة منطقة مرزداران-شمال غربي طهران، يوم 27 نيسان (أبريل) الماضي. وبعدها تعرض طالب علوم شرعية لعملية دهس وطعن في محطة باصات شارع الشهداء في منطقة صفائية في مدينة قم الدينية، في 29 نيسان (أبريل) الماضي. 

وصراحةً، قال رجل الدين الذي تعرض لعملية دهس في طهران، ويدعى حجة الإسلام  امير قرقچي، إن المعتدي هاجمه لأنه لم يجد فرصة عمل له، وأن المعنيين فضلوا عليه شخصاً آخر ملتحياً. 

وتكشف لنا هكذا حوادث، أن ثورة 1979 التي أتت برجال الدين من القاعدة إلى رأس الهرم - وبعد أكثر من أربعين عاماً من الفشل والفساد وهيمنة طبقتهم على مقاليد السلطة وعدّهم أنفاس المجتمع وحركاته - بدأ الإيرانيون يستشعرون بأن المشكلة تتلخص في هذه الطبقة التي تدير دولتهم وفق عقليتها ومصالحها، وأن هذه الطبقة أصبحت مقابلة لطبقة النخبة من النبلاء والأمراء في العهد الملكي الذي ثاروا عليه. بل إن أبناء المسؤولين من هذه الطبقة، الذين يطلق عليهم أبناء السادة (آقازاده) يوازون أبناء مسؤولي العهد الملكي الذين كانوا يتمتعون بامتيازات خاصة ومحسوبية وغياب للعدالة الاجتماعية ومساواة الفرص.

تآكل القاعدة

إن ما يُقلق النظام في إيران هو تآكل قاعدته الشعبية الداعمة له، أو أن يخرج معارضوه من وسط هذه القاعدة. ولذلك حاول أن يهدئ مِن رَوعِهِ، بأن سمىَ الاحتجاجات الشبابية التي اندلعت بعد موت الشابة مهسا أميني، منتصف أيلول (سبتمبر) 2022، بأعمال الشغب. ثم تفحص جهازه الأمني وجوه المحتجين، وأعلن أنهم يمثلون شريحة الشباب المتغرب أو المرفّه، وبالتالي لا خشية منهم عليه. 

ثم في كل مناسبة رسمية أو دينية عمد إلى تأكيد التفاف الشعب حول قادته، وهو ما شهدناه في صلاة عيد الفطر، وذلك حتى يبعث برسالة إلى العالم بأن نظام ولاية الفقيه ما زال يمتلك قاعدة تأييد واسعة داخل إيران.

لكن واقعياً، فإن هذا النظام يدرك تماماً الأزمة التي يعيشها ويعرف أن قاعدته تتآكل، وربما لن تستمر مع الأجيال الجديدة القادمة؛ إذ إن معظم مَن يخرجون في التظاهرات الداعمة له، هم من جيل الآباء أو من الشباب المعمّمين أو مّمن يعملون تحت لواء قوات التعبئة (الباسيج) و"الحرس الثوري"، وكلهم أصحاب مصالح وارتباط عقائدي معه، قد يتآكل مع تقدم الوقت. 

فقد كشفت صحيفة "آرمان امروز" الإصلاحية، في 6 أيار (مايو) الجاري، أن بين مَن خرجوا في الاحتجاجات الأخيرة، أبناءٌ ضحى آباؤهم بأنفسهم على جبهة الحرب العراقية-الإيرانية، ولطالما تم الاحتفال بهم في ذكرى استشهادهم من كل عام. ومع ذلك، خرج أبناؤهم مع المحتجين ضد النظام الحاكم؛ لأنهم شعروا بأن الشعارات الثورية والدينية لم تعد تلبي احتياجاتهم في هذا العصر.

إدراك للحقيقة بلا اعتراف!

إن الفساد والفشل اللذين يلاحقان المسؤولين المحسوبين على النظام الديني، يضعان رجال الدين في حرج، وبات السؤال الذي يواجههم الآن، أين يجب أن يكون موقعهم، بجانب الناس أم بجانب النظام الفاشل؟!. 

ولذلك خرجت أصوات من داخل الحوزة الدينية، منها، ما أعلنه آية الله سيد أصغر ناظم زاده قمي، من فقهاء الحوزة العلمية في قم، الذي أطلق رسالة مفتوحة الى رجال الدين، سماها "رسالة عزاء في صمت المرجعية الدينية"، وأعلن فيها أن بعض رجال الدين وأصحاب عمائم يتملقون للسلطة على حساب الشعب الذي يعاني من الفساد والفشل الاقتصادي. وتساءل هل يدركون كيف أصبحت مكانة رجال الدين وشعبيتهم في الوقت الحاضر؟!.

بل حتى المرشد الأعلى علي خامنئي، بعد الكشف عن فضيحة تقديم وزير الصناعة 70 سيارة لنواب في البرلمان على سبيل الرشوة لتجنب استجوابه، شعر هو أيضاً بالحرج، وقال خلال كلمته بمناسبة عيد العمال، إنه لو تم الاهتمام بتصريحاته حول الفساد، لكان وضع البلاد أفضل.

لقد أدرك رجال الدين بعد ظاهرة مطاردة أصحاب العمائم في شوارع إيران أن هناك بوناً شاسعاً بينهم وبين الناس، ولذلك كانت تصريحات رئيس القضاء الإيراني محسني ايجائي، خلال اجتماعه مع علماء ورجال دين في محافظة كردستان، في 4 أيار (مايو)، بمثابة اعتراف ضمني منه بأن السلطة تدرك أن الخطاب الديني لم يعد يلبي حاجات الأجيال الجديدة أو يتماشى مع واقعها. فقد طالب ايجائي رجال الدين بعدم الابتعاد عن لغة الناس وطريقة عيشهم.

كذلك، فإن الدفاع الشديد عن مكانة رجال الدين، الذي عمّ منابر خطبة الجمعة، في 5 أيار (مايو)، دليلٌ على استشعارهم الخطر على مكانتهم الاجتماعية، وإلا ما كانت خطبة هذه الجمعة لتبرئة ساحتهم، فقد دافع رئيس لجنة الأمر بالمعروف، كاظم صديقي، عنهم بطريقة تبريرية قائلاً إن "المرفهين هم مَن يهاجمون رجال الدين، وإن الظروف الاقتصادية تضع الناس تحت وطأة المعاناة، لكن هؤلاء الذين يعانون هم مَن يلتفون حول النظام ويدعمونه في مناسبات مثل يوم القدس". كما وصف صديقي رجال الدين بالشريحة المظلومة وأنهم يعيشون تحت خط الفقر، ومع ذلك يتعرضون لظلم الناس واعتدائهم، وهم لا ناقة لهم ولا جمل ولا يتولون منصباً. 

وعلى ضفة أخرى، قال خطيب جمعة طهران، رجل الدين المتشدد أحمد خاتمي، إن رجال الدين قدموا الكثير من الخدمات في شتى المجالات، وإن المرجعية الدينية ستظل شوكة في عين المستكبرين. كما طالب رئيس القضاء بعدم الرأفة مع مَن يهاجمون قادة النظام أو يتعرضون لرجال الدين.

أيضاً، انتفض إعلام النظام الإيراني وأخرج بيانات المرشد الأول مؤسس الجمهورية الإسلامية، روح الله الخميني، التي طالب فيها رجال الدين بالثورة والانتفاضة وتحمل المسؤولية تجاه المجتمع والتخلي عن المصالح الفردية!. 

لكن حقيقة السؤال هنا، رجل الدين ينتفض الآن ضد مَن؟!، فمن المؤكد أن النظام يريده أن ينتفض ضد أولئك المعارضين الذين يعتبرهم في خدمة أعداء الإسلام والجمهورية الإسلامية.

الحرام السياسي!

بعدما تخلص نظام ولاية الفقيه خلال سنوات الثورة الثقافية وعملية أسلمة الدولة من التيارات المناوئة له من العلمانيين والماركسيين والقوميين الملكيين و...، يواجه الآن مجتمعاً ثنائي القطب، بما يجعله في مواجهة مستمرة مع المعارضين، ويضعه أيضاً في حرج قانوني ودستوري. إذ بينما يحرك هذا النظام مرافق الدولة لعدم تقديم الخدمات لغير المحجبات، فمثلاً تمنع المدارس الفتيات غير الملتزمات بالحجاب من الدخول وكذلك تفعل المطارات؛ فإن الدستور في مادتيه 19 و20 ينص على المساواة بين المواطنين، ولا يشترط مسألة الحجاب لتحقيق المساواة، ولا يُعرف "المواطن الإيراني" بالشخص الذي يرتدي الحجاب الإسلامي!. 

ولذلك، كانت فتوى المرشد الأعلى خامنئي، محاولة منه للدمج بين الشرعي والسياسي، فقد قال في 4 نيسان (أبريل) إن "الحجاب تقييد قانوني وشرعي، وإنه حرام من الناحية الشرعية والسياسية". وهنا ضرب خامنئي بالخلافات بين الفقهاء حول مسألة الحجاب والدولة عرض الحائط، إذ إن مهمة الحكومة الإسلامية أن تيسّر على الناس حياتهم وتحقق لهم العدالة والمساواة وليس أن تفرض عليهم العقائد أو آراء الفقهاء. 

بل إن هذه الفتوى من جانب خامنئي هي محاولة منه لممارسة ديكتاتورية على الأصوات التي بدأت تخرج من الحوزة الدينية وتطالب بحرية الحجاب. ولذلك ليس غريباً إنْ خرج حجة الإسلام، ذبيح الله نعيميان، وطالب بسن قانون يعاقب كل مَن يطالب بحرية الحجاب حتى لو كان من رجال الدين!؛ لأنه اعتبر أن تطبيق الشريعة فوق أي اعتبار.

وإذا نظر إلى المؤتمر الافتراضي "من أجل إنقاذ إيران" الذي عُقد على منصة كلوب هاووس، في 21 و22 نيسان (أبريل) الماضي، فإننا نجد قاعدة كبيرة من السياسيين الإصلاحيين المشاركين فيه، قد آمنت باستنفاد كل فرص النظام الحالي، وأن الحل بات في رحيله من خلال تعديل الدستور. 

إن ما ناقشه سياسيون وأساتذة ومفكرون أمثال رضا عليجاني ونرجس محمدي واحسان شريعتي ومصطفى تاجزاده وفائزة هاشمي ومحسن كديور وآخرون، يُظهر أن حكومة ولاية الفقيه فعلتْ بالدين ما فعله الأُمويون والعباسيون والصفويون، بأن وضعوه في عداء مع الإنسان وقضوا على أصالة هذا الإنسان في مقابل أصالة الحكومة والسلطة باسم الدين. وكذلك قضوا على أصالة التعددية في مقابل الرؤية الأحادية باسم الشريعة والدين، فباتت سلامة الدين ووحدة الدولة الإيرانية في خطر في ظل استمرار حكم ولاية الفقيه.

المحصلة

خلال أقل من 14 عاماً، شهدت إيران أربع حركات احتجاجية كبرى متسارعة في الزمن؛ الحركة الخضراء 2009، واحتجاجات كانون الثاني (يناير) 2016، واحتجاجات تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، وحركة المرأة الحياة الحرية 2022، وكلها تحركات تؤشر الى مهاجمة الشارع لنظام ولاية الفقيه بشكل مباشر، بعدما كفر جانب من هذا الشارع بقطبي النظام (المحافظون والإصلاحيون).

إن مطاردة رجال الدين في الشوارع، أوصلت نظام ولاية الفقيه إلى قناعة أنه في خطر؛ ولذلك لن يقبل بسهولة مسألة حرية الحجاب؛ لأن قوته ما زالت تتعلق بالمظاهر الدينية. إذ نجد في الحكومات العلمانية أن المسؤول هناك يعتمد النجاحات الاقتصادية أو المخاوف الأمنية الداخلية أو الخارجية ذريعة لإقناع الجماهير به وبالتعبئة لدعمه. 

لكن بالنسبة الى إيران الإسلامية، فإن الفشل الاقتصادي والفساد وغياب العدالة وإزدواجيتها تجعل النظام يحتمي بالمظاهر الدينية؛ بل يُسمي حكومته دولة الله في الأرض!. ولذلك، هو يعطي جانباً من المجتمع دولة الله التي شكلها في خياله في مقابل صرف أنظاره عن الفساد والظلم والفشل.

ولذلك أيضاً يرفض هذا النظام إجراء الاستفتاء على القضايا الخلافية مثلما نص الدستور، خشية من نتائجه، ولن يقبل به إلا إذا إطمأن له. ولذلك كان قول خامنئي، في 18 نيسان (أبريل): "هل يملك العامة الذين سيشاركون في الاستفتاء القدرة على تحليل القضايا؟"، دليلاً على خشية النظام من نتائج الاستفتاء، وإعلاناً من جانبه على أن الأصالة والكلمة الأولى ليست من حق الشعب الإيراني، بل من حق السلطة الدينية!.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية