"هنا تباع ضحايا العيد"

"هنا تباع ضحايا العيد"

"هنا تباع ضحايا العيد"


27/06/2023

حكيم مرزوقي

“هنا تباع ضحايا العيد” لافتة بدائية كُتبت على لوحة خشبية بخط رديء وبالصباغ الأحمر على قارعة الطريق العام، وبمحاذاة أحد الأرياف القصية في تونس.

يتوقف مارة كثيرون من الجامعيين والمثقفين، يترجلون من سياراتهم باحثين عن أفضل الأسعار دون أن يكلّف واحد منهم نفسه عناء تصحيح العبارة، والقول لصاحبها بأن الصحيح هو “الأضحية” وليس “الضحايا”.. وكذلك لا تبالي الخرفان بهذا الخطأ اللغوي الفادح.

المهم هو إيجاد سعر يناسب إمكانياته، وليذهب النحو والصرف وسيبويه إلى الجحيم، أما الذين تنبهوا إلى الخطأ اللغوي فهم حتما، أولئك الذين لم تسمح لهم جيوبهم باقتناء “ضحية من ضحايا العيد”، فانبروا إلى التعليق وتصويب الأخطاء الإملائية في رحبة الأغنام.

عيد الأضحى تزامن هذا العام مع إعلان نتائج الباكالوريا، ووفّر بذلك على بعض أهالي التلاميذ الناجحين من الذين يذبحون الخرفان ويولمون للمدعوين في البلدات والأرياف.

أما صديقي الذي وعد ابنه العام الماضي بذبح خروف إن نجح في الباكالوريا، فسألته حين طلعت النتيجة إن كان ابنه قد نجح، أجاب “نجح الخروف”.

وتستمر كل عام النكت المتعلقة بخروف العيد في بطاقات المعايدة على شكل رسومات كاريكاتيرية تسخر من غلاء أسعار الأضحية، وتنتقد ظواهر اجتماعية ضمن مقاربات طريفة لا تغفل كل صغيرة وكبيرة.

خروف العيد في العالمين العربي والإسلامي، يحل محل بابا نويل في العالمين الأوروبي والمسيحي فتطلع كل الأزمات مجسدة في شخصه وهيئته كل عام.

يبدو تارة ألوفا طيبا ومغفلا في هيئة ذلك الخروف الذي أجهش بالبكاء عشية عيد الأضحى، وحين سأله أهل الدار، أجاب في حنق بأن “كل الجيران اقتنوا خرفانا ما عدانا نحن” أو ذاك الذي يلتقط صورة سيلفي مع اللحام.

ويطلع تارة محبا لركوب المخاطر كذاك الخروف الذي امتطى مركبا متهالكا من  زوارق الهجرة السرية لأن سكان الضفة الشمالية لا يحتفلون بالعيد الكبير، وأخرى يائسا من الحياة كذاك الخروف المكتئب الذي اقتنى سيارة تاكسي وقال للسائق “إلى المسلخ على طول”.

كما قد يظهر خروف العيد محل تنمر ومنكود الحظ كالعنزة التي لم ترض به عريسا إلا بعد يوم الوقفة، أو الحمار الذي جاء يهنئه باقتراب العيد.

أما أكثر الأسئلة إحراجا فهي تلك التي يطرحها الخروف على مقتنيه الفقير عشية يوم العيد وقد كابد على نفسه واشتراه بأغلى الأثمان، قائلا له في حيرة بأنه لا يدري من هو الخروف بين الاثنين؟

وبالمناسبة، فإن كلمة “خروف” في الكثير من العاميات العربية تعني “المغفل”، ومنها جاء مصدر “خورفة”، وما لصق بها من استعارات كعمليات الجز والسلخ والفرم والشوي والسلق، والتي تمارسها ذئاب بشرية بمنتهى الصفاقة ثم تجلس باكية مع الرعاة.. تماما مثل النباتيين الذين يزداد عددهم مكرهين.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية