هوس الفتوى... هل نحن بحاجة إلى مرشد ديني؟

هوس الفتوى... هل نحن بحاجة إلى مرشد ديني؟

هوس الفتوى... هل نحن بحاجة إلى مرشد ديني؟


07/08/2023

على الرغم من الإجراءات العديدة التي تم اتخاذها تجاه قوى الإسلام السياسي في الأعوام الأخيرة، ومن تراجع الحضور الإسلامي في المجال العام؛ إلا أنّ هذا التراجع ظاهري أكثر من كونه حقيقيّاً، فالحضور الإسلامي، خاصة من التيار السلفي، ما يزال قائماً وله تأثيره في المجتمع بدرجة غير قليلة، ومن خلال متابعة العديد من صفحات السوشيال ميديا التي يقوم عليه سلفيون، نرى ذلك التأثير واضحاً من خلال الكثير من الأسئلة التي يطرحها المتابعون بشكل يومي ومستمر عن كل شيء، وكثير منهم لا ينتمون إلى حركات ولا تنظيمات دينية، حيث يسألون "الشيخ" القائم على الصفحة عن كل كبيرة وصغيرة في حياتهم، عمّا هو ديني ودنيوي، عن مشكلاتهم الاجتماعية والعاطفية، عن أحلامهم وطموحاتهم في الحياة، عن مخاوفهم وآلامهم، عمّا فعلوه وما يجب أن يفعلوه في المواقف المختلفة، عن كل شيء لدرجة تشعرك بأنّهم بحاجة إلى مرشد دائم يلجؤون إليه قبل اتخاذ أيّ خطوة في يومهم. فما الذي يجعل هؤلاء الأفراد يشعرون بالحاجة دوماً إلى رجل دين يرشدهم ويوجههم؟

سؤال مطروح ومحاولات للإجابة

في أحد الجروبات على موقع (فيسبوك)، والذي يقوم أعضاؤه بمشاركة بعض الرؤى والأفكار وطرح الأسئلة المختلفة حول العديد من القضايا الفكرية والاجتماعية، طرحت هذا السؤال: لماذا هناك حالة "هوس" بالفتوى لدى شريحة من الناس؟ لماذا يسأل العديد من الأفراد رجال الدين أو الشيوخ السلفيين في الكثير من الأمور العادية التي ربما لا تحتاج إلى فتوى من الأساس، ولكن تحتاج إلى رأي صاحب خبرة في ذلك الأمر أو إلى تفكير سليم من الفرد فقط؟

تنوعت الإجابات عن هذا السؤال من خلال عدد من أعضاء الجروب، إحدى الإجابات فسّرت الأمر في ضوء فكرة الثواب والعقاب، وأنّ الفرد يلجأ إلى السؤال عن مدى موافقة أمر ما للشرع سواء كان كبيراً أو صغيراً، "بحثاً عن الثواب الأخروي وتجنباً للعقاب"، وربما ساهم في ترسيخ هذا الشعور الخطاب الديني السلفي الذي يعمل على ممارسة الترهيب وترسيخ الشعور بالذنب والخوف لدى الأفراد والإحساس بأنّ الأصل في كل شيء هو الحُرمة، وبالتالي يبحث هؤلاء دوماً عن مدى صواب أو خطأ ما يقومون به لدرجة تصل أحياناً إلى حدّ الوسواس، وتخيل أنّ كل شيء يفعلونه فيه يغضب الله!

 لماذا هناك حالة "هوس" بالفتوى لدى شريحة من الناس؟

 إحدى الإجابات الأخرى حاولت تفسير الأمر بأنّه يعود إلى "خواء داخلي لدى الفرد وشعور بعدم الإنجاز في الحياة، وبالتالي يريد الفرد أن يشعر بأنّه يحقق رضا الله دوماً حتى فيما يتعلق بأمور بسيطة وعادية في حياة الفرد"، أحد المشاركين الآخرين فسر الأمر بأنّه يعود إلى "حالة من الخوف لدى الفرد تمنعه من القدرة على التفكير وتحمل مسؤولية أفعاله، ولذلك يلجأ دوماً إلى من يرشده إلى التصرف الواجب فعله لإلقاء التبعة عليه والتحلل من عبء الشعور بالمسؤولية"، مشارك آخر طرح نقطة تساهم في التفسير، حيث يرى أنّه "يجب أوّلاً معرفة المكانة التي يتمتع بها رجل الدين في المجتمع، والتي ربما تفسر أهمية اللجوء إليه وطلب الفتوى أو النصيحة أو المشورة منه في جوانب الحياة المختلفة من جانب تلك الشريحة من الأفراد".

في حين فسّر أحد المشاركين الآخرين الأمر في ضوء ثقافة التبعية المسيطرة على العقل العربي بشكل عام، فالفرد العربي، كما يصفه صاحب الإجابة هذه، يحمل عقلاً قياسياً بمعنى أنّه دوماً بحاجة إلى نموذج يقيس عليه ويقلده ويتبعه.

تعتمد صفحات السوشال على زيادة عدد المشاهدات من خلال إثارة بعض القضايا الغريبة والفتاوى المثيرة التي تساهم في الترويج للصفحة أو البرنامج وزيادة المشاهدات والربح

إحدى المشاركات ترى أنّ المجتمع رسّخ في عقول الأفراد أنّ الدين هو مصدر الأمان الأوّل والأخير، ولذلك نجد أنّ من يعاني مثلاً من مشكلة صحية أو اجتماعية يسأل الشيخ أو القسيس في أمور ليس لهما علاقة بها، وأنّ رجل الدين هنا أو الشيخ يلعب دور الوسيط بين الله وبين الناس، وهناك من يراه بهذه الصورة، وفي الوقت نفسه هو مرحب بهذا الدور لأنّه يستمد وجوده ومكانته منه، وهناك من فسر الأمر بأنّه بسبب حالة عدم الثقة بالذات أو عدم القدرة على التفكير نتيجة نمط معين من التربية، فيحتاج من يقوم بذلك نيابة عنه.

 أحد المشاركين يرى أنّ هذا هو النموذج المثالي للمتدين الذي يريده الفقه، نموذج الفقه بعد ما تضخم وتغول يقدّم نفسه على أنّ كل حركة يتحركها المتدين لها نص يحكمها سواء بشكل مباشر أو بالقياس، فتقلصت مساحة الحرية الإنسانية بحيث لا تُرى بالعين المجردة. وهناك أخيراً من فسر الأمر بأنّه يعود إلى تقلص الشعور بالأمان نتيجة العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الموجودة في المجتمع، ممّا أوجد الشعور بالرغبة في اللجوء إلى الدين كونه مصدر أمان وطمأنينة، وتقول صاحبة الإجابة هذه: "يصبح رجل الدين هو المُخلص، حتى وإن كنا واعين لكذبه، نحب أن نعتقد أنّه صادق! وأنّ الله لن يتخلى عنا، ممّا يزيد شعورنا بالذنب بأننا مقصرون، لسنا مؤمنين كفاية، ولا نصلي كفاية، ولا ندعو كفاية، بالنهاية يضمحل ويختفي جوهر الدين وتبقى مظاهره الخارجية الفاقعة، ويتحول الناس كلّ الناس إلى صراخ جماعي له صوت واحد ونغمة واحدة وكلمة واحدة وبؤس واحد، لتموت كل إنسانية داخلنا، ونهيم للسعي إلى جنة الكريم الوهاب، ونتجاهل شقاء المعذبين حولنا ونقول لهم: اصبروا لكم السماء!".

أحمد سامر: الأمر في كثير من الأحيان تحكمه الرغبة في الربح وتحقيق المكاسب المادية

وفي تعليق على هذا الأمر، يقول الباحث أحمد سامر مؤسس حركة (علمانيون) في تصريح لـ (حفريات): "من الممكن تحليل هذه الظاهرة في ضوء عدد من الأسباب؛ الأوّل أنّه نتيجة للتطور الحادث في المجتمع على كل الأصعدة والتقدم التكنولوجي المتسارع وظهور قضايا وموضوعات جديدة لم تكن موجودة في عصور الإسلام الأولى، حدثت فجوة بين الواقع وبين الآراء الفقهية الموجودة والتي يراها الناس على أنّها الدين، وبالتالي نجد أنّ الناس بحاجة إلى معرفة رأي الدين في هذه المستجدات التي لم يتحدث عنها الفقهاء قديماً، ولذلك يلجؤون إلى رجال الدين، السبب الثاني يتمثل في أنّه لدينا جهل عام ثقافي ومعلوماتي وجهل بالقضايا الأساسية في السياسة والاقتصاد والاجتماع وغيره، وهذا الجهل ينتج عنه عدم قدرة على فهم العديد من الأمور على حقيقتها، ومن ثم يتولد شعور لدى الفرد بأنّه ربما يوجد شبهة دينية في الأمر أو عدم موافقة أمر ما للدين، وبالتالي يلجأ إلى شيخ أو رجل دين ليوضح له ما يظنه رأي الدين في ذلك".

 سبب آخر، وفق أحمد سامر، يتمثل في "أنّ الأمر في كثير من الأحيان تحكمه الرغبة في الربح وتحقيق المكاسب المادية من خلال صفحات السوشيال ميديا وبرامج القنوات الفضائية، حيث تعتمد على زيادة عدد المشاهدات من خلال إثارة بعض القضايا الغريبة والفتاوى المثيرة التي تساهم في الترويج للصفحة أو البرنامج وزيادة المشاهدات والربح"، كما هناك سبب أخير هو "عدم وجود ثقة لدى شريحة من الناس في المؤسسة الدينية الرسمية نتيجة وجود صورة ذهنية لديهم عنها بأنّها تعمل على تدجين وتحجيم الدين وإرضاء السلطة، وبالتالي سنجد جزءاً كبيراً من هذه الفتاوى يوجّه إلى الشيوخ غير المعتمدين من المؤسسات الرسمية".

مواضيع ذات صلة:

الأردنيون والفتوى .. عمّ يتساءلون؟!

كيف فشلت محاولات "الإخوان" في منافسة دار الفتوى اللبنانية؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية