يوسف ربابعة: لن نبدع مادمنا نرفض أي تفكير خارج المألوف

يوسف ربابعة: لن نبدع مادمنا نرفض أي تفكير خارج المألوف


23/04/2018

قال الدكتور يوسف ربابعة إنّ قيمة البحث العلمي تكمن في قدرته على تحسين حياة الناس، وربطه بالواقع والتأثير فيه، و"مجتمعاتنا ودولنا ومؤسساتنا لا تحتاج بحثاً علمياً محايداً، بل شجاعة في النقد من أجل كشف العيوب، ومن ثم العمل على إصلاحها".

ورأى ربابعة في حواره مع "حفريات" أنّ المجتمع الذي يطالب بتعليم جيد يتناسب مع متطلبات العصر ويُعلم الإبداع "هو نفسه الذي يرفض بالمقابل أي فكرة جديدة ويقابل أي تفكير خارج المألوف بالرفض والمقاومة والتكفير وربما القتل".

ونبّه أنّ خطاب التديّن السائد "أسهم بشكل فاعل في الركود الاجتماعي وقتل روح البحث العلمي وتعزيز الطائفية"، داعياً إلى الشجاعة في إطلاق التعليم والبحث العلمي من أي قيودٍ مجتمعية أو مؤسسية، و"النظر إلى الطالب باعتباره منتجاً للمعرفة وليس مستهلكاً لها".

ويوسف ربابعة، هو أستاذ اللغة العربية المشارك بجامعة فيلادلفيا الأردنية، له مقالات عديدة وأبحاث في مجال مؤسسات البحث العلمي العربية والمجتمع وقطاع التعليم، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وجمعية النقاد الأردنيين، وله كتاب بعنوان: "ظاهرة البناء في النحو العربي"، صادر عن دار الحصاد بدمشق العام  2009.

وهنا نص الحوار:

ما هي برأيك حدود مسؤولية الأكاديمي تجاه مجتمعه؟

الأكاديمية نوعان؛ أكاديمية البحث والإبداع واقتراح الحلول في المجالات العامة من خلال دراسات وبحوث علمية رصينة، بشرط أن تكون تلك الأبحاث قادرة على الوصول إلى صاحب القرار، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو في فروع العلوم التطبيقية أيضاً، في المصانع ومؤسسات الإنتاج، وهذا النوع هو مسؤولية الأكاديمي في الدول الصناعية المتقدمة، التي استقرت فيها المؤسسات، وأصبحت الأكاديمية شريكة في التأثير ورسم السياسات العامة، وهي رديف لكل خطوط الإنتاج بكافة أشكاله.

مسؤولية الأكاديمي لا تقتصر على البحث في المختبرات والمراكز والمؤسسات التعليمية

النوع الثاني، هو باعتقادي ما نريده في بلادنا، فمسؤولية الأكاديمي لا تقتصر على البحث في المختبرات والمراكز والمؤسسات التعليمية؛ لأن أغلب هذه الأبحاث لا قيمة لها في مجتمع لا يرى أصلاً أي قيمة قد تأتي منها، وهناك صاحب قرار غير معني بها، لذا فإنّ تأثيرها يبقى محدوداً، ومن هنا تصبح الأكاديمية معزولة عن الواقع، ويتحول الأكاديمي إلى شخص منفصل عن عالمه الحقيقي، يعيش في عالم افتراضي يصنعه لنفسه.

وهكذا، فإنّ مهمة الأكاديمي هي الاشتباك مع المجال العام وإبداء رأيه بشجاعة ودون مواربة، إنني أعتقد أنّ على الأكاديمي أن يكون ضمير أمته ومجتمعه. وربما أكون مخطئاً في الحكم، لكن مجتمعاتنا ودولنا ومؤسساتنا لا تحتاج بحثاً علمياً محايداً، لكنها تحتاج شجاعة في النقد من أجل كشف العيوب، ومن ثم العمل على إصلاحها.

ربابعة: مهمة الأكاديمي هي الاشتباك مع المجال العام وإبداء رأيه بشجاعة ودون مواربة

التعليم بين التلقين والنقد

كيف تقيّم مستوى انتقالنا من النظري إلى التطبيقي في بحوث العلوم التطبيقية أو حتى الإنسانية؟

إنّ الأصل أن يستند البحث العلمي إلى التفكير في المشكلات التي تواجه الإنسان، وإدراك الظّواهر الاقتصاديّة والاجتماعيّة والطبيعيّة وتفسيرها، من أجل إيجاد حلول مناسبة لها، وإمكانية الاستفادة منها على الوجه الأكمل، وكذلك التّخمين الذّكي والدقيق لما سيكون عليه الحال مستقبلاً، وهو مبنيّ على التّفسير والمعطيات.

كما يهدف لما يسمّى التّحكم والضّبط؛ أي التّحكم بالظّواهر الطبيعية والمجتمعية والسّيطرة من أجل إيجاد الأدوات التي تساعد على تذليلها لتصبح في خدمة الإنسان، ومن ثم الوصول إلى نتائج علميّة دقيقة في فهم هذه الظّواهر، بعيداً عن التّخمين والتّكهن عند دراستها، الأمر الذي يقود إلى نتائجَ أكثر دقّة وشفافية، ومن ثم إيجاد معارف جديدة والعمل على تطويرها.

قيمة البحث العلمي تكمن في قدرته على تحسين الواقع والعيش والأدوات التي تسهل حياة الناس

ومن خلال تلك الأهداف يتبين لنا أنّ قيمة البحث العلمي تكمن في قدرته على تحسين الواقع والعيش والأدوات التي تسهّل حياة الناس، وتعطيهم قدرة أكبر على التحكم بالظواهر التي حولهم، مما يعني ربط البحث العلمي بالواقع والتأثير فيه، وهذا لا نجده في أبحاثنا التي يكتبها الأساتذة في الجامعات؛ إذ من المتوقع منهم أن ينتجوا أبحاثاً مفيدة، لكنّ ذلك غير متحقق لأسباب كثيرة؛ فمشكلة البحث العلمي عندنا أنّه مايزال حتى الآن غير مرتبط جدّياً بالنشاط المجتمعي في نواحيه المختلفة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

في إحدى مقالاتك، تحدثت عن تجربة فريري في التعليم، وخلق حالة إبداع في فهم العالم، أين نحن من هذه المقولات في مؤسساتنا التعليمية؟

باولو فريري هو أحد الذين كتبوا عن تجربتهم الخاصة في التعليم، وذلك في كتابه المهم "تعليم المقهورين"، وهو يرى أنه ليس هناك عملية تعليم محايدة، فالتعليم إما أن يتحوّل إلى أداة تصهر الأجيال الصغيرة في المنظومات القائمة وتؤدي إلى الانصياع لها، أو يصبح أداة لـ"ممارسة الحرية"؛ فالتعليم له رسالة موجهة، وهو بنظره الوسيلة التي من خلالها يتمكن الرجال والنساء من التعامل بشكل انتقادي وخلاّق مع الواقع، ويكتشفون كيف يمكنهم المساهمة في تحرير مجتمعهم.

ويرى فريري أنّ هناك نوعين من التعليم؛ التعليم البنكي والتعليم الحواري، الأول يقوم على التلقين والتنميط والحفظ، ولا يفتح مجالاً للعقل ومواجهة الواقع، وربما يهرب من الواقع لأنّه لا يستطيع التعامل معه، وهو ما ينتج جيلاً منسحباً من ذاته ومفصولاً عنها أيضاً، فنجد من يقول كلاماً جميلاً ويدعو إلى قيم حسنة، لكنه يتصرف عكسه، وربما هذا ما نشاهده عند المثقفين والأكاديميين مثلاً، فهم يتحدثون عن الحرية والنقد وقبول الآخر، لكنّهم في الممارسة العملية لا يستطيعون الانسجام مع مقولاتهم تلك.

مجتمعاتنا ودولنا ومؤسساتنا لا تحتاج بحثاً علمياً محايداً بل شجاعة في النقد لكشف العيوب والعمل على إصلاحها

وبسبب هذا النوع من التعليم البنكي فإن المؤسسات التعليمية- على رأي فريري- لن تعود قادرة على التأثير الفعال في عقول أبنائها، ولا على تشكيل فكر نقدي لديهم يحميهم من الفكر الواحد، كما يحميهم من الفكر المتسلط، ويحميهم من الخرافة كما يحميهم من الاستسلام لواقعهم، فهم متلقون لكل ما يسمعون دون نقد أو تمحيص.

أما التعليم الحواريّ فإنه يستنهض كوامن النفس ويجعل الطالب قادراً على المشاركة فيما يتعلمه؛ أي إنّ المعلومة مشتركة بين الطالب والمدرس، والطالب منتج للمعرفة وليس مستهلكاً لها، وبذلك يتفتح عقله ومواهبه، ويمتلك الشجاعة على النقد والبحث والإبداع.

على المستوى الشخصي، أفدت كثيراً من فريري وحاولت تطبيق مقولاته في التعليم، لكن هناك عقبات كثيرة بسبب النظام التعليمي غير الحر.

ربابعة: المبدع لا يخرج مثل المعجزة، إنه نتاج مجتمعه، فكيف لمجتمع لا يقدر قيمة الإبداع أن ينتج مبدعين؟

ما الذي يفصلنا عن الإبداع في التعليم باعتباره تأسيساً للمستقبل؟

تفصلنا حالة التقليد والركون للمتعارف عليه والسائد؛ كتبت مرة مقالاً وضعت له العنوان التالي: "الخروج من أنس الطاعة إلى وحشة التمرد"، وهذا مستوحى من مقولة أبي جعفر المنصور في خطبته الشهيرة عندما قال: "أيها الناس لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية"، وأنا أقول لا بد أن يخرج التعليم إلى وحشة التمرد.

يبدأ الالتباس حين يعتقد المتدين أنّه ممثل الحقيقة المطلقة ويسمح لنفسه بسلب حياة الناس والحكم عليهم

فالإبداع ليس حالة منفصلة عن سياقه الثقافي والاجتماعي، وهناك وهم بأنّنا نخصّص مدارس للمبدعين، فالمبدع لا يخرج مثل المعجزة، إنه نتاج مجتمعه، فكيف لمجتمع لا يقدر قيمة الإبداع أن ينتج مبدعين، ولذا فلا بد أن يكون التعليم بحد ذاته حالة إبداعية، وذلك من خلال التمرد على الواقع والسائد والمتعارف عليه، والغريب أنّ الجميع يطالب بأن يكون بيننا مبدعون يغيّرون الواقع لأننا جميعا نشكو من الواقع، لكن في الحقيقة فإن أي تفكير خارج المألوف يُقابل بالرفض والمقاومة والتكفير وربما القتل.

فهذا المجتمع الذي يدعو إلى التغيير هو نفسه الذي يريد للطالب أن يكون مطيعاً، ويخشى أي دخول في وحشة التمرد وجحيمه، ثم هذا المجتمع هو نفسه الذي يطالب بتعليم جيد يتناسب مع متطلبات العصر ويُعلّم الإبداع، وفي المقابل يرفض أيّ فكرة جديدة. فهو يطالبك أن تبقى على ما تعرف، ولا يخلق فيك روح المغامرة لمعرفة الجديد. فكيف يمكن أن يستقيم ذلك؟ لا يمكن لأي طالب أن يبدع إلا إذا كان متمرداً على واقعه، وكيف يتمرد على واقعه دون أن يفهمه؟

ربابعة: يمكننا التفريق بين الدين والتدين بأنّ الأول هو ما يريده الله والثاني ما يريده الإنسان

أثر الخطاب الديني

ونحن نتحدث عن حالة الإبداع والتمرد، كيف ترى أثر الخطاب الديني في المجتمع العربي اليوم؟

يمكننا التفريق بين الدين والتدين بأنّ الأول هو ما يريده الله والثاني ما يريده الإنسان؛ فالأول يعبّر عن معنى غيبي بعيد، والثاني يعبّر عن معنى واقعي قريب، وما بين إرادة الله ورغبته وإرادة الإنسان ورغباته بونٌ شاسع ربما لا نعرف حدوده.

تبدأ المشكلة حين يصل المتدين إلى حالة الالتباس بينه وبين الله في التعبير عن رغباته وطموحاته، ويعتقد أنّ ما يقوم به يمثّل ما يريد الله بشكل تام ومتطابق، ويصبح غير قادر على تمييز حدوده؛ فيتحول إلى ممثّل للحقيقة، وحارس لحقّ الله، وظلّه وعذابه، ويسمح لنفسه بسلب حياة الناس والحكم عليهم ومحاكمتهم، فهو لا يعتقد أنّه يقوم بالعمل من تلقاء نفسه، بل يكاد يؤمن أنّها أوامر تأتيه من السماء. إنّها حالة التباس بالفعل.

على الطالب أن يكون منتجاً للمعرفة حتى يتفتح عقله ومواهبه ويمتلك الشجاعة على النقد والبحث والإبداع

ولم يعد خافياً اليوم، أن التدين تحول من حالة حوار ونقاش حول النص إلى حالة تلبّس به، وأنّه تحوّل من كونه فهماً اجتهادياً إلى كوّنه مقدساً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبمعنى أكثر دقة؛ نصّب المتدين نفسه إلهاً ينطق بالحق ويسلك طريقه من دون أن يكون لديه أدنى شك بخطأ فهمه. وما يحصل من صراع طائفي ومذهبي واقتتال ودماء ما هو إلا تعبير عن حالة الالتباس تلك، وعلينا أن نعترف أنّ التدين الإسلامي هو الذي يمارس حالة الالتباس تلك بشكل كبير في العالم، وأن المسلمين هم الأكثر خلطاً بين الدين والتدين، وأنّ الصراع بينهم يأخذ أشكالا أكثر دموية، فإذا كان جميع المسلمين يعتقدون بشكل نظري أنّ دينهم صحيح وغير محرَّف، فلماذا كل هذا الصراع إذن؟

لا يجوز أن يدّعي أحد معرفة مراد الله بدقة؛ لأنّ هناك وسيلة هي الواسطة التي تنقل ما يريده الله، وهي اللغة، وهي على شكل نص.

النص، هو كليات عامة للقيم الإنسانية من الخير والفضيلة والقيم العليا، وهو بذلك يرسم منهجاً كلياً، وتبقى التفاصيل قضايا تقوم على تأويل ذلك النص، أو فهمه بحسب معطيات المكان والزمان. هناك لدى علماء أصول الفقه عند المسلمين قضايا تُسمّى "الكليات"، وهي – كما يسمونها الضرورات؛ كالدين أو الخمس، والنفس، والعقل، والنسب، والمال. وأعتقد أنّنا يمكن أن نضيف عليها اليوم مبادئ مثل: العدل، والحرية، والأمن. وتلك هي مسؤولية الدولة والمجتمع في توفيرها للناس، وهي من القواعد التي يجب تثبيتها بحيث لا يكون عليها خلاف، ويبقى الاختلاف فيما عداها.

ربابعة: الدين حالة إنسانية مثالية أساسها النص الديني وعلى الإنسان المكابدة من أجل الوصول لتلك الحالة

هل واجهت هذه الإشكالية بين الدين والتديّن على الصعيد الشخصي؟

في الواقع، كنت في مرحلة الشباب أميل إلى التديّن البسيط الذي تعلّمته في البيت والمدرسة والمسجد، وكنت أعتقد أنّ ما تعلّمته هو الحق، وأدافع عنه بكل قوة ودون محاولة الاستماع لما يقوله المختلفون عني، وكنت أعتقد أنّ المختلفين ربما هم أعداء لا يريدون لنا الخير، وذلك كما تعلمت.

التساؤل الدائم ربما يكون وسيلة لأن لا نصل إلى حالة الجمود الفكري والعقائدي

بعد ذلك، ونتيجة قراءات وتجارب، بدأت حالة من المراجعة لأفكاري وقناعاتي، وأعتقد أنّ المراجعة ضرورية في كل مرحلة، فتشكلت لدي قناعة بأنّ الدين حالة إنسانية مثالية أساسها النص الديني، وأنّ وظيفة الإنسان المكابدة من أجل الوصول لتلك الحالة، وأنّ الدين حالة فردية يتبناها الشخص نتيجة ظروف وسياق اجتماعي، ويشكل من خلالها ما هو مقدّس لديه، وما هو قابل للنقاش والتغيير. لقد وجدت أنّ من واجبي أن أعبّر عن التدين بما هو مصلحة الإنسان ضمن الواقع وليس ضمن مثالية متخيّلة، وأنّ مثالية الدين تدعو إلى تدين قابل للنقد والنقض أيضاً، فواجب الإنسان في الحياة التعبير عن حالة مثالية لا يمكن الوصول إليها، لذا فإنّ النقد الدائم هو الوسيلة لضمان العمل للوصول للحالة المثالية التي ذكرتها.

إنني أعرف جيداً أنّ ما أقوله ليس الحق المطلق، لكن التساؤل الدائم، ربما يكون وسيلة حتى لا نصل إلى حالة الجمود الفكري والعقائدي الذي سيؤدي إلى التعصب والعمى الفكري والنظرة الأحادية.

أولويات الفكر والاقتصاد

ولكن ثمة من يدعو أن تكون الأولوية إلى معالجة قضايا أخرى كالمشكلات الاقتصادية باعتبارها  مفتاحاً للبناء الفكري والمعرفي؟

الناس عادة، يهتمون أكثر بحاجاتهم الأساسية الآنية، ويكونون أكثر حماساً في الدفاع عنها، ونعلم أنّ الاقتصاد هو أهم ركن في تأمين الحاجات الأساسية، لذلك لا بد لأي مشروع ثقافي وفكري من روافع اقتصادية، والتفكير بأن الحل يكون في الفلسفة والفكر هو تفكير مفصول عن الواقع، لكن في موازاة أي مشروع اقتصادي لا بد أن يكون هناك مشروع ثقافي، لأن الاقتصاد وحده غير قادر على تغيير حياة الناس نحو الأفضل، فهناك متطلبات روحية وقيمية كما أنّ هناك متطلبات مادية.

أعتقد أن أي مشروع ثقافي لا يأخذ بالحسبان الجانب الاقتصادي سيبقى أقرب إلى المثالية

الناس، يدافعون في العادة عن مصالحهم المباشرة والقريبة التي تمس حياتهم، ومن المفترض أنّ الحاجات الفكرية والثقافية تأتي فيما بعد مرحلة الأساسيات، حسب هرم ماسلو الذي هو عبارة عن نظريّة فلسفيّة؛ حيث تتحدث هذه النظريّة عن سلّم أولويّات الإنسان المختلفة، مؤكدة أنّ هناك العديد من الحاجات التي يسعى لإشباعها من خلال قيامه بالعديد من الأفعال والتصرّفات للوصول إليها، كما تنص على أنّ الحاجات غير المشبعة تسبب إحباطاً وتوتراً وآلاماً نفسيّةً حادةً، وتتوزع الحاجات الإنسانية بحسب أهميتها من الحاجات الفسيولوجيّة، ثم الحاجة إلى الأمان، ثم الحاجات الاجتماعية، ثم الحاجة إلى التقدير.

أعتقد أن أي مشروع ثقافي لا يأخذ بالحسبان الجانب الاقتصادي سيبقى أقرب إلى المثالية التي يصعب تحقيقها، كما أنّ الاقتصاد يحتاج إلى الثقافة من أجل أنسنة المادة لتكون قادرة على الاستمرار؛ لأنّ المادة قد تؤدي إلى خراب إذا لم تُؤنسَن بالقيم والأخلاق العليا.

ربابعة: أصعب ما يمكن أن يواجهه الإنسان هو مواجهة الذات، ومن الصعب عادة النظر إلى الداخل

النقاش بينك وبين المجال العام مفتوح كأستاذ جامعة وباحث. لكن، أين تقع الطموحات الشخصية من هذا النقاش؟

أصعب ما يمكن أن يواجهه الإنسان هو مواجهة الذات، وربما من الصعب عادة النظر إلى الداخل؛ لأن الجميع عيونهم للخارج، فيستطيعون معرفة عيوب غيرهم ولا يستطيعون معرفة عيوبهم.

عندي كثير من الطموحات الشخصية، ربما من منظور الآخرين حققتُ كثيراً منها، لكنني لا أستطيع أن أكون راضياً بشكل كامل عن نفسي؛ لأنّني أجد أنّ من واجبي أن أكون أكثر صدقاً وأمانة في قول الحق خدمة للمجتمع، ولا يمكن إنكار كثير من الحالات التي كنت فيها ضعيفاً أو صامتاً في الوقت الذي كان من الواجب علي أن أتكلم، فالإنسان قد يفكر أحياناً في مصلحته الشخصية أو يهادن من أجل تحقيق مكاسب معينة أو تجنباً للدخول في معارك صعبة، ولا أنكر أنني مارست بعضاً من ذلك في مواقف معينة، وبصراحة يمكن أن أقوم بنفس العمل في مواقف قادمة، لكن مع ذلك هناك ندم شديد في كل مرة لا أكون فيها شجاعاً بما يكفي.

أعتقد أنّ من أهم طموحاتي أن أكون قادراً على قول ما أريده في الوقت المناسب وبشجاعة كافية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية