الانتخابات العراقية.. هل هي اختبار وطني؟

الانتخابات العراقية.. هل هي اختبار وطني؟


كاتب ومترجم جزائري
06/05/2018

سيشهد عام 2018 في العراق، سلسلة من الانتخابات، بما في ذلك الانتخابات التشريعية، في 12 أيار (مايو)، التي ستقرر الرئيس المقبل ورئيس الوزراء، فما هي علاقات القوى السياسية الجديدة؟ وما هو دور إيران في هذا الوضع الجديد؟

هذا ما يحلله روبن بيومونت (Robin Beaumont)، أخصائي الشيعة السياسية العراقية، والمحاضر بمعهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (EHESS).

أبرز الصراع ضدّ داعش الدور العسكري المركزي للميليشيات الشيعية في العراق. كيف أصبحت جزءاً من اللعبة السياسية؟

نفوذ إيران في العراق واضح في الأعوام الأخيرة في تمويل وتدريب وتقديم الدعم اللوجستي للميليشيات السياسية العراقية

رسمياً، لا يوجد أيّ ذكر للميليشيات في العراق؛ فالعشرات من الجماعات المسلحة التي شاركت في الحرب ضدّ داعش، ابتداء من عام 2014، سرعان ما تمت مأسستها تحت اسم الحشد الشعبي؛ لأنّ الجميع وجدوا مصلحتهم في ذلك، أعطت السلطات الدينية والحكومة الانطباع بأنّهم يتحكمون في انتشار الجماعات المسلحة، وهذه الجماعات اغتنمت هذه الفرصة لتمنح لنفسها صورة القوة الوطنية والقانونية الخاضعة للدولة.

روبن بيومونت (Robin Beaumont)

مأسسة الحشد الشعبي

على هذا النحو تم دمج الحشد الشعبي رسمياً في القوات المسلحة، لا سيما بموجب القانون الذي صوّتت عليه جمعية نواب البرلمان، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016. وكان لهذه المأسسة آثار مهمّة، ولم يتم الطعن في هرم القيادة التشغيلية بسبب التوترات بين الجماعات، لكنّ هذا لا يمكن أن يخفي الانقسامات العميقة داخل الحشد؛ ففي الواقع، لا تخفي بعض الجماعات ولاءها لخامنئي، ففي عام 2015، قال زعيم حزب الله، أكرم الكعبي، إنّه سيطيح بالحكومة العراقية إذا أمره بذلك الرئيس الإيراني.

لعبة احترام السيادة العراقية

هذه الانقسامات تبدو أكثر وضوحاً اليوم، في الوقت الذي تسعى هذه الجماعات الآن إلى تحويل الامتياز المكتسَب في الحرب إلى مكاسب سياسية: فالميليشيات تُجهّز نفسها بأجهزة سياسية لدخول المنافسة الانتخابية.

تم دمج الحشد الشعبي رسمياً في القوات المسلحة، لا سيما بموجب القانون الذي صوّتت عليه جمعية نواب البرلمان في تشرين الثاني  2016

هادي العامري؛ زعيم منظمة بدر القوية والقائد الفعال لحشد، هو اليوم على رأس ائتلاف الأحزاب المنبثقة من جماعات الميليشيات التي تنافس ائتلاف رئيس الوزراء العبادي، ومع ذلك، لم تؤد هذه الاختلافات الأيديولوجية إلى مواجهات حقيقية: ففي الوقت الحالي، الجميع يلعب لعبة احترام السيادة العراقية. وقيمة إعادة التأهيل الوطني للميليشيات أثمن من أن تضيع في مواجهة بلا طائل مع الحكومة، خاصّة في فترة الانتخابات.

بعد أقل من عام على هزيمة داعش في الموصل، هل هدأت العلاقات الطائفية؟

أنهت العمليات العسكرية داعش كقوة سياسية إقليمية في العراق، في شمال البلاد، تخضع المناطق المحررة لمراقبة جماعات الميليشيات التي شاركت في الحرب ضدّ داعش، هذه المجموعات، التي تم تسليحها وتدريبها وتمويلها لمدة ثلاثة أعوام، هي اليوم على رأس الشبكات الأمنية الفعالة للغاية، يبدو، إذاً، أنّ إعادة تشكيل معارضة مسلحة على المدى القصير أمر صعب للغاية.

نفوذ إيران في العراق لا لبس فيه

نهاية داعش لا يعني نهاية أسبابه وآثاره

ومع ذلك، فإنّ هذا النظام الأمني الجديد يحمل بالفعل بذور الاعتراض والتحدي، النخب المحلية الجديدة المنبثقة من ديناميكية الميليشيات تتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية إزاء عرابيهم السياسيين في بغداد، وإدارة هذه النخب للأراضي التي تسيطر عليها هي إدارة أمنية حصراً، وهي تأتي لخدمة شبكاتها الاقتصادية الخاصة. وهي تتجسّد من خلال ممارسات عنيفة واستبدادية، وتؤجج التوترات الطائفية؛ حيث نجد جميع العناصر التي غذّت التربةَ التي ولدت فيها الدولة الإسلامية وازدهرت، ويمكن لهذا الوضع أن يستمرّ إذا استقرت هذه النخب المتشددة في المشهد السياسي بعد الانتخابات الوطنية المقرّر إجراؤها في أيار (مايو).

وعلاوة على ذلك؛ فإنّ القوة الاستفزازية لداعش كمشروع سياسي ما تزال فاعلة، وربما معبِّئة أيضاً، لا سيما أنّ هذه القوة لم تعد تتطابق مع واقع إقليمي، وبالتالي فمن المرجَّح أن تكتسب طابعاً أسطورياً؛ ففي العراق، كما هو الحال في بقية العالم، نهايةُ الدولة الإسلامية، ككيان سياسي، لا يعني بالضرورة نهاية أسبابها، أو بعض آثارها.

ما هي الطبيعة المحددة للعلاقات مع إيران؟ العرّاب السياسي، والعسكري، والديني؟

نفوذ إيران في العراق لا لبس فيه، على المستوى السياسي؛ كان هذا النفوذ واضحاً بشكل خاص في الأعوام الأخيرة، في تمويل وتدريب وتقديم الدعم اللوجستي للميليشيات السياسية العراقية من قبل قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني. ومع ذلك، فمن الضروري توضيح هذا التشخيص بدقة، وتفكيك فكرة العراق الدمية في يد طهران.

أنهت العمليات العسكرية داعش كقوة سياسية إقليمية في العراق

نفوذ إقليمي كلاسيكي وليس تصدير ثورة

أولاً، الأمر بالنسبة إلى إيران يتعلق بممارسة سياسة كلاسيكية من النفوذ الإقليمي، أكثر ممّا هو مسألة "تصدير للثورة"، إن الشباب التركمانيين، أو الشيعة الشبان في محافظة كركوك، أو سهل نينوى، الذين شاركوا في الميليشيات تحت لواء بدر، ليسوا طليعة أيديولوجية لولاية الفقيه الذي يجهلونه تماماً، بقدر ما هم الممثل السياسي المثالي في تأمين شمال العراق بتكلفة قليلة، ولمنافسة حزب الدعوة الذي يتزعّمه رئيسُ الوزراء، العبادي.

لا مكان للأنجدة الإيرانية في الانتخابات

وعلى الخصوص، فإنّ مسألة العلاقة مع إيران تشقّ خطّ انقسام قويّ للغاية في المشهد السياسي العراقي، خاصة داخل الأحزاب الشيعية "الإسلامية".

حيدر العبادي، آية الله علي السيستاني، والقائد السياسي الميليشاوي مقتدى الصدر، يشكلون كمّاً من الشخصيات التي تستند هويتها السياسية إلى فكرة عراق ذي سيادة، ومقاوِمة لجميع أشكال التدخل. في الواقع، رغم دور إيران في الحرب، لقد ساعدت الفترة 2014-2017 في بلورة شعور وطني حقيقي في العراق، بما في ذلك تجاه الجارة الإيرانية. وهكذا، نشهد وبنسب أكبر من ذي قبل، سباقاً نحو "العَورَقة" (أي العراق أوّلاً) من قِبل الأحزاب السياسية العراقية، وأحياناً حتى بين أكثر الأحزاب تأييداً لإيران، وذلك ببساطة؛ لأنّه لا يمكن الفوز بالانتخابات في العراق، وفق أجندة إيرانية.

هل مقتدى الصدر أكثر مصداقية من وجهة النظر هذه؟

هذا البعد القومي عند مقتدى الصدر، بُعدٌ قديم، حشده بعد سقوط صدام حسين، بمحاربة قوات الاحتلال، ابتداء من العام 2003، وبانتقاد الطبقة السياسية الجديدة التي يهيمن عليها "المنفيون" العائدون من إيران وأوروبا وأمريكا الشمالية، وقد مكث هو في العراق في ظلّ الديكتاتورية البعثية، رغم التهديدات التي أثرت فيه بعد اغتيال والده وعمّه الكبير، وهما شخصان مهمان في الشيعة السياسية العراقية.

البعد القومي عند الصدر قديم. لقد حشده بعد سقوط صدام حسين، بمحاربة قوات الاحتلال

مقتدى واللعب بورقة القانون

إنّ الخطّ الوطني لمقتدى تجسَّد في وقت مبكر جداً، برفضه أيّ تقسيم للعراق، حتى لو كان مجرد تقسيم إداري، وقد أدت الحرب ضدّ داعش إلى تسريع وتوسيع هذا النوع من الخطاب، وقد أعطى مقتدى الفرصة للذهاب إلى أبعد من ذلك، وطرح نفسه كداعية لدولة القانون، ضدّ نظام الميليشيات الذي كان مع ذلك أحد العناصر الفاعلة الرئيسة فيها.

إنّ اللعب بورقة القانون يسمح له بتحديد موقعه سياسياً إلى جانب السلطة الدينية لعلي السيستاني في النجف، ضدّ ائتلاف العامري، وتعزيز المصلحة التي يُثيرها لدى الأحزاب اليسارية.

مقتدى الصدر يرسخ نفسه كشخصية مركزية

في الأعوام الأخيرة، خاصة من خلال حلقات التعبئة الاجتماعية، التي بلغت ذروتها في ربيع 2016، بدخوله في المنطقة الخضراء في بغداد، تمكّن مقتدى الصدر بالفعل من أن يجمع الناس خارج قاعدته الاجتماعية، وصولاً إلى الشباب في المناطق الحضرية من العاصمة، وإلى الحزب الشيوعي الذي تحالف معه الآن للانتخابات المقبلة. إنّ قنوات الاتصال التي يفتحها في الخارج، خاصة مع المملكة العربية السعودية، هي في الوقت نفسه، طريقة لإثبات مكانته المساوية لمكانة رئيس دولة؛ حيث يتحدث على أعلى مستوى من دون امتلاكه أية عهدة انتخابية، ليؤكد صورة الزعيم الجامع الموحِّد، فوق الانقسامات الطائفية، وليُخبر طهران بأنّه يمتلك بدائل، وأنّه لا يشعر بأنّه ملزم بِمهيمنٍ بعينه دون مهيمن آخر.

نجح مقتدى الصدر في ترسيخ نفسه كشخصية مركزية في الحياة السياسية العراقية، ويبقى السؤال ما إذا كان هذا سيترجم في صناديق الاقتراع ومجلس النواب في الأشهر المقبلة.

عن lesclesdumoyenorient




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية