احتكار الدّين لدى جماعة الإخوان المسلمين

احتكار الدّين لدى جماعة الإخوان المسلمين

احتكار الدّين لدى جماعة الإخوان المسلمين


02/01/2024

قراءة في كتاب "المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين" لسعيد حوى 

يحمل عنوان الكتاب إشارة تحتاج إلى توقف، هل الإخوان المسلمون دعوة أم جماعة؟ وما الفرق بين الحالتين؟ وما دلالاتهما؟ والحال أن الإخوان المسلمون يقدمون أنفسهم على نحو متعدد وغامض وملتبس، فالقانون الأساسي للجماعة يصفها بأنها دعوة، وكذلك الحال في رسائل حسن البنا وفي الخطاب السائد والمتبادل، وحتى وصف الجماعة نفسه فإنه أيضا ملتبس وغامض، فهو لا يعني المعنى الوظيفي السائد للجماعة بمعنى التجمع لأجل التأثير أو هدف معين، لكنه يعني لدى الإخوان المسلمين التميز أو الشرعية بمعنى تمثيل الإسلام والأمة الإسلامية.

جماعة الإخوان المسلمين هي جماعةٌ من المسلمين وليستْ جماعةَ المسلمين، لكنّ الجماعة كما يقول، تسعى لأنْ تتحقّق بمواصفات جماعة المسلمين

يقدم سعيد حوى (1935 – 1989)، أحد قادة الإخوان المسلمين في سوريا، جماعة الإخوان باعتبارها الجماعة التي يجب على كل مسلم أن ينضم إليها، ويهدف أيضاً، في كتابه، كما يقول في المقدمة، أنْ يعرف الإخوان المسلمون ذاتهم، وأن يعرفهم العالم والمواطنون غير المسلمين في العالم الإسلامي أو البلاد التي يعمل فيها الإخوان المسلمون، لتوضيح العلاقة في حال وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم. (13)

الوصول إلى الحكم إذاً، هدف واضح ومعلوم بالضرورة، لكن يبدو أيضاً، أنّ الوصول إلى الحكم ليس بالضرورة عن طريق الانتخاب أو العمل السياسي وفق الأنظمة والتقاليد السياسية المتبعة، وحتى في حال الإقرار أو المشاركة السياسية الديمقراطية فهل يصلح لهذه المشاركة أن تكون من خلال دعوة؟ أو جماعة ترى نفسها أفضل من يمثل الإسلام بل يكاد يقول سعيد حوى إنها جماعة المسلمين!.

غلاف الكتاب
يقول حوى إنّ الكتاب يهدف إلى توضيح صفات جماعة المسلمين، وإثبات أن هذه الصفات موجودة في جماعة الإخوان المسلمين، (15) والحديث عن اسم الإخوان المسلمين ولماذا الإصرار عليه، ولماذا الإصرار على الجماعة بالذات، وضرورة الانتماء إلى الإخوان المسلمين، (15) وليكون ذلك كما يقول، مدخلاً للمسلم للمشاركة في الجماعة، وإدراك هذه الفريضة، فريضة الانضمام إلى الإخوان المسلمين، ويقول إنّ دعوة الإخوان المسلمين، هي الصيغة الكاملة لتعم رحمة الله للعالمين، مصداقاً لقوله تعالى مخاطبا الرسول، "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وبذلك يُؤكّد حوى، على أنّ مفهوم الجماعة، ليس وصفاً قانونياً أو عملياً لتجمّع من الناس، لكنّ الجماعة فريضة، لا يقوم بدونها فرض (16)
هكذا نحن، في مواجهة خطاب يدمج الإسلام بالجماعة، وفي الوقت نفسه يميزها كطائفة مميزة من المسلمين، وهي أيضاً تمثل جماعة المسلمين، بمعنى شرعية الأمة وإجماعها، وكأنّ الخروج من الجماعة أو عدم المشاركة فيها هو خروج من الأمة، بل وخروج عليها!.

لم يَعتبرْ مُرشِدا الجماعة الأول والثاني، كما يقول سعيد حوى، من يخرج مِن الإخوان المسلمين خارجاً من جماعة المسلمين، ويؤكّد فقهاء الإخوان أنّ جماعة الإخوان المسلمين هي جماعةٌ من المسلمين وليستْ جماعةَ المسلمين، لكنّ الجماعة كما يقول، تسعى لأنْ تتحقّق بمواصفات جماعة المسلمين، ومتى استطاعتْ أنْ تُطوّر نفسها نحو ذلك، فعندئذ تكون جماعة المسلمين (17) لكنْ يستدرك سعيد حوى، قائلاً بأنّ الأدلة تؤشر بأنّ جماعة الإخوان المسلمين هي أقرب الجماعات على الإطلاق لأن تكون جماعة المسلمين، (17)

ويحدد صفاتِ جماعة المسلمين المعنيّة في الحديث النبوي "تلزم جماعة المسلمين وأمامهم" بأنّها الجماعة التي تحمل الإسلام بلا احتراس ولا احتراز، والتي ظهرت بها صيغة الحق الوحيدة المتعارف عليها من خلال التاريخ والمتمثلة بأهل السنة والجماعة، والتي تستطيع أن تطرح صيغة الحق، التي يمكن أنْ يجتمع عليها المسلمون، وتتحرك في إطار عملي نحو تحقيق الأهداف الإسلامية، وتحاول أنْ تحرر المسلمين مِن أمراضهم، ويتحقق كل فرد من أفرادها بالصفات العليا لحزب الله؛ من محبة لله وذلة على المؤمنين وعزة على الكافرين، وجهاد في سبيل الله وإخلاص الولاء لله، والرسول والمؤمنين، ثم يسوق الأدلة النظرية والعملية التي تؤكد أنّ جماعة الإخوان المسلمين تحقق هذه الشروط، ويصل في النهاية إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين هي الجماعة التي يجب أنْ يضع كل مسلم يده بيدها، (18 – 28)
ويرى، سعيد حوى أنّ اسم "الإخوان المسلمون" ليس مجرد اسم تعرف به جماعة نفسها، ويعرفها به الآخرون، لكنه اسم مرادف لمفهوم حزب الله، كما ورد في القرآن الكريم أو الجماعة الإسلامية، (30)

"الإخوان المسلمون" ليس مجرد اسم تعرف به جماعة نفسها، ويعرفها به الآخرون، لكنه اسم مرادف لمفهوم حزب الله

هكذا إذاً، يمتلئ المؤلف بالشعور أنّ الإخوان المسلمين، هم أفضل من يمثل الإسلام والأقرب إليه إن لم يكونوا هم الإسلام، وفي ذلك فإن الخلاف معهم أو الخروج منهم، أو عدم المشاركة معهم يخضع للمراجعة والتقييم المستمد من الموقف من الإسلام ذاته، ورغم أنّ سعيد حوى يؤكد ويكرر القول إنه لا يعتبر من ليس من الإخوان المسلمين ليس مسلماً لكنه يعتبر ذلك عملياً وشعوريا، وهذا هو واقع الحال المتّبع في صفوف الإخوان المسلمين من غير إعلان، وهو الشعور بأنهم الإسلام وأنّ من يعاديهم أو يختلف معهم فإنه يختلف مع الإسلام أو يعاديه، ويستخدمون في ذلك الآيات والأحاديث التي تستخدم لأعداء الأمة الإسلامية، فالذين يخرجون من الجماعة ليعملوا مستقلين عنها ينطبق عليهم وصف مسجد الضرار، والذين ينضمون إلى الجماعية ويبايعون قائدها فهم ينطبق عليهم قوله تعالى "إنّ الذين يبايعونك إنما يبايعون الله" والذين غيروا موقفه فهم الناكثون الذين يصفهم القرآن بالقول "فمن نكث فإنما ينكث على نفسه" .. وهذا أخطر ما أوقعت به جماعة الإخوان المسلمين نفسها فيه عندما أنشأت شعوراً بالتميز بذاتها والاشمئزاز ممن سواها، ثم إنها وفي كارثة أخرى أشد خطورة حولت هذه الأيديولوجيا الخطيرة والمليئة بالكراهية والانفصال والتطرف إلى تدين شعبي كاسح تحمله فئات واسعة من المسلمين، وأوقعت الإسلام والمسلمين في حرب مليئة بالكراهية ضد العالم وضد كل مخالف، وصارت عمليات مواجهة التطرف والكراهية والحروب الأهلية بالغة الصعوبة والتعقيد.

*كتاب "المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين" -سعيد حوى- القاهرة: مكتبة وهبة، الطبعة الثالثة، 1984


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية