المجموعات الإسلامية المسلحة في إدلب…نمر من ورق

المجموعات الإسلامية المسلحة في إدلب…نمر من ورق


16/10/2018

صفوان داود

إن السياق القائم  على التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا لتغيير الموازين القائمة كانت خطرة للغاية، من حيث ضباية النتائج وعدم امكانية اختيار البديل المنطقي. ففي محافظة ادلب السورية حاولت الولايات المتحدة كقوى دولية وتركيا كقوة إقليمية طرد شرعية الدولة (النظام الحاكم) ونجحت؛ لكنها عجزت فعلياً عن ايجاد اي شرعية تملك الحد ادنى من المعايير الانسانية والحقوقية والاممية.

هكذا بعد عامين وثمان جولات من مؤتمر استنة يترنح هذا الاخير دون أن يسقط تحت ضغط عدم التوازن الاقليمي الدولي بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا, وتندلع واحدة من المعارك الخمس الكبرى التي ستغير ليس فقط وجهة المسار السياسي-العسكري في سوريا, بل والمسار الاقليمي ايضاً (1), والقرار الروسي بمحاربة النظير الثاني لتنظيم الدولة الاسلامية ونقصد هنا «جبهة النصرة» حاضر بشكل مستمر في اروقة الكرملين (2) قبل اعادة (تدويره) من قبل تركيا أو الولايات المتحدة.

في 23 ديسمبر 2017 انطلقت معركة ادلب واندفع الجيش السوري من جنوب وجنوب شرق المحافظة, ومحور مواز له هو محور الحاضر جنوب غرب محافظة حلب. في البداية حرر الجيش السوري مساحات واسعة من ريف حماة الشمالي ليدخل مع العام الجديد, الحدود الادارية لمحافظة ادلب من الجنوب الشرقي محطماً خطوط الدفاع الاولى للمجموعات الاسلامية المسلحة عند قريتي ام جلال والخوين الكبير معقل فصيل «جيش العزة».

ومع نهاية الاسبوع الاول من يناير 2018 كانت قد سقطت ايضا قرى اللويبدة وأم التينة وبريصة معقل «جيش النصر» ومقتل قائده المدعو أيوب صويلح, كما قتل قائد «مجموعة تفتناز» موسى الحمدان. تطور الخطط العسكرية للجيش السوري وحليفه حزب الله جاءت على خلفية هزمه «تنظيم الدولة» في البادية السورية (3) وفق استراتيجية عسكرية مركبة من نموذجين: الاول قضم الجبهات بشكل متدرج وتقطيع اوصال جغرافيا الخصم, والثاني الاسلوب الاختراقي عبر قوات نخبة تتقدم بشكل طولي وفق اسهم جغرافية محددة هكذا استطاع الجيش السوري وحلفاءه تشكيل طوق شبه مغلق يحيط بنحو 300 قرية وبلدة بين قرية ابو الضهور ورهاج. لاحقاً ورغم نجاح المجموعات الاسلامية المسلحة استرداد بعض الجغرافية التي خسروها بهجمات معاكسة, لكن السياق العام كان لصالح الجيش السوري خاصة على محور الحاضر.

توزع القوى

تشكل محافظة ادلب حوالى 10 الاف كم2 مساحة وتتوزع جغرافيتها على ثلاث أطر اسلامية مسلحة. في الجنوب الشرقي للمحافظة وعلى مساحة 3 الاف كم2 تقريباً ينتشر عدد من المجموعات الاسلامية المسلحة تأخذ كل منها مساحة جغرافية محددة, أهمها «حركة أحرار الشام», «حركة نور الدين الزنكي», «فيلق الشام», «جيش الأحرار», «جيش العزة», «جيش النصر», «الجيش الثاني», «جيش ادلب الحر», «جيش النخبة», «جند الملاحم», «لواء الحرية», «الفرقة 23». إن سقوط مطار ابو الضهور (4) بتاريخ 20 يناير الحالي  2018 يعني هزيمة هذه المجموعات ونجاح المرحلة الثانية للجيش السوري.

– في الشمال الغربي للمحافظة وعلى مساحة حوالي 2000 كم2 تنشر عناصر«حزب التركستاني الاسلامي» وهو مدعوم عضوياً بالمخابرات والجيش التركيان, ومن الصعوبة بمكان تخلي أنقرة عنه, بالتالي من المتوقع ان يتجنب الجيش السوري المرحلة الاخيرة من تحرير ادلب, اي تحرير القسم الشمالي الغربي تحاشياً لتصادم مباشر مع الجيش التركي لايريده أيضاً حليفي النظام السوري روسيا وايران.

– المنطقة الوسطى من محافظة ادلب وتشغلها «هيئة تحرير الشام» (5), وهي المجوعة الاكثر تماسكاً وتنظيماً وتسليحاً, وتملك قاعدة شعبية ومؤسساتية واضحة, ومن الصعب في المدى القريب ان يدخل الجيش السوري هذه المرحلة, بسبب ارتباطها بعوامل سياسية وتوازن القوة الجديد الذي يمكن ان تقبله تركيا من روسيا, بمعنى انه في مرحلة مابعد مؤتمر سوشي اذا لم توافق أنقرة على رؤية مشتركة مع موسكو للحل السياسي في سوريا, فإننا نتوقع تصعيد جديد في منتصف هذا العام سيكون عنوانه دخول الجيش السوري المرحلة الثالثة من تحرير محافظة ادلب.

أما في حال التوافق فسيتم ايجاد خطة ملموسة بعلم النظام السوري لتحويل عناصر «هيئة تحرير الشام» والمجموعات المرتبطة بها الى مايشبه القوى الامنية المحلية. اذن العامل السياسي المرتبط بسوشي محرك اساسي لمعركة ادلب الاخيرة وليست القدرات العسكرية للمجموعات الاسلامية المسلحة التي ظهرت كنمر من ورق تجاه الجيش السوري. ويمكن حتى عملية (غصن الزيتون) التي بدأتها تركيا, أن تكون كتعويض جغرافي عن خسارة المجموعات الاسلامية المسلحة للقسم الجنوبي من محافظة ادلب. وليس من قبيل الصدفة انطلاق العملية التركية بنفس اليوم الذي استرد الجيش السوري به مطار ابو الضهور؟!.

وفق المنظور الروسي للحل السياسي لسوريا الكرد السوريين مكون اساسي للحل ولايمكن حصوب القبول الشعبي الداخلي العام للحل السوري بدون هذا المكون. ويرى الكرملين أن قطف المكاسب السياسية للانتصار الميداني في سوريا بات ملحاً, وإلا سيتحول هذا الانتصار الى استنزاف حقيقي, ولروسيا تجربة مريرة لها في افغانستان ثمانينيات القرن الماضي. في نفس الوقت ترفض انقرة بشكل تام اشراك كيانات سياسية كردية في الحل السياسي السوري خوفاً من تكريس القضية الكردية, معتبرة وفق منظورها ان هذه الكيانات هي واجهة لمجمعات مسلحة كردية (ارهابية).

بالتالي برز اختلاف جوهري بين طرفين فاعلين في الازمة السورية نتج عنه وارتفاع وتيرة التصعيد في ادلب, في محاولة من الطرفين تحقيق اكبر مكاسب قبل مؤتمر سوشي. رغم ذلك ومع تقدم الجيش السوري وحلفاؤه تجنبت موسكو أي مواجهة من الجانب التركي, متجاهلة في الوقت نفسه تصعيد الجيش التركي في منطقة عفرين ضمن سياق أستنة، في اشارة واضحة نية الكرملين تجاوز اي مأزق محتمل مع أنقرة قبل موعد هذا المؤتمر.

معركة إدلب المستمرة ستصل إلى لحظة الانفراط بين فوضى الاصول التكوينية للمجموعات المسلحة, التي بعضها وصل باتفاق المصالحات وبعضها مؤصل وبعضها مهاجر. ويبدو أن رهان الفوضى هو ماركة مسجلة بامتياز باسم النظام السوري, في اقتباس عن تجربة التجميع في حماة عام 1982, لكنه “رهان خطر إلى حد بعيد لأنه يختصر التوازن الإقليمي داخل بقعة جغرافية ضيقة ومجاورة لتركيا” (6). لقد أوضحت الازمة المركبة في محافظة أدلب أن الازمة السورية ماتزال شديدة التعقيد, وأن دوزنة توازن القوى الاقليمية والدولية لن ينجح في سياق واحد, وطروحات الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة في التأسيس لنظام ديمقراطي تعددي وفق المنظور الغربي هو فانتازيا بكل ماللكلمة من معنى, وبعيد كل البعد عن ماحصل في اوربا الشرقية (7). وتبدو القرارات الدولية حول سوريا كأنها جسور بلا اسوار كلٌ يقفز عن بنودها كما يشاء. لذلك نعود ونكرر أن الشرط السوري الداخلي مهم في الحل عبر ايجاد صيغة محلية ملائمة يتفق عليها افرقاء الصراع في سوريا.

عن "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"


الهوامش:
(1): ونقصد هنا معارك: القلمون, حلب, البادية السورية, والموصل العراقية.
(2): “موسكو: مهمتنا في 2018 القضاء على «النصرة»”, صحيفة الشرق الاوسط, 28 ديسمبر 2017
(3): “نهاية معركة البادية السورية؛ حزب الله الحصان الرابح”, المركز الاوربي لدراسات مكافحة الارهاب, 4 يناير 2018
(4): أهمية مطار ابو الضهور انه يقع يقع في أقصى شرق محافظة ادلب في المنطقة الصحراوية التي تفصلهاعن حماة، وتحاذي في نفس الوقت ريف حلب الجنوبي الغربي. ويعتبر مطار أبو الضهور ثاني أكبر قاعدة للجيش السوري في الشمال السوري، وكانت تسيطر عليه «هيئة تحرير الشام».
(5): لمزيد من المعلومات عن هذه الجماعة المتطرفة أنظر: “حرب الاغتيالات في محافظة ادلب السورية…سيناريوهات هيئة تحرير الشام”. المركز الاوربي لدراسات مكافحة الارهاب, 4 اكتوبر 2017
(6): “دائرة إدلب بين تركيا وروسيا”, صحيفة الوطن السورية, 14 يناير 2018
(7): نجحت الثورات في اوربا الشرقية لظروف ذاتية متعلقة بتأثيرات لقاطرة الحضارية لأوربا الغربي، وايضا لتفرد الولايات المتحدة بالنظام الدولي خلال تسعينيات القرن الماضي واسباب اخرى متعددة.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية