الإفتاء المصرية: البتكوين ضدّ الشرع

الدين والتكنولوجيا

الإفتاء المصرية: البتكوين ضدّ الشرع


21/01/2018

حسمت دائرة الإفتاء المصرية، بحكمٍ شرعي، موقفها من التعامل بعملة البتكوين الإلكترونية المشفرة؛ فقد حرّمتها بصورة قطعية، وذلك لما تمثله من خطورة على الأمن المجتمعي والاقتصادي، وقد وضعت عدة أسباب لفتواها التي أصدرتها بالتحريم القاطع، من بينها: أنّها "تستخدم للهروب من الأجهزة الأمنية، لتنفيذ أغراض غير قانونية؛ حيث يستخدمها تنظيم داعش، وعصابات المخدرات وغسل الأموال، عادةً، للإفلات من العدالة. وأنّها تمثل اختراقاً للأنظمة المالية المركزية للدول والبنوك المركزية".

بينما قال مفتي الجمهورية: إنّها "ضدّ الشرع، فالتعامل بها حرام"، واصفاً التداول بالعملة بــ "المقامرة"؛ لأنّها تؤدي إلى "الخراب المالي" للأفراد والمؤسسات، وعدّ "شيوع مثل هذا النمط من العملات، والممارسات الناتجة عنها، مخلّاً بمنظومة العمل التقليدية، التي تعتمد على الوسائط المتعددة في نقل الأموال والتعامل فيها، كالبنوك، وهو في الوقت ذاته، لا ينشِئ عملة أو منظومة أخرى بديلة منضبطة ومستقرة، ويضيّق فرص العمل".

حرّمت دائرة الإفتاء المصرية عملة البتكوين بصورة قطعية، لما تمثله من خطورة على الأمن المجتمعي والاقتصادي

قد تكون الأسباب التي برّرت بها دار الإفتاء المصرية تحريمها لتداول العملة الإلكترونية، منطقية وصحيحة، وهو ما يتوافق مع آراء لعدة خبراء اقتصاديين، لكنّ الأمر المثير للانتباه والمخاوف؛ هو تصدي جهة دينية، رسمية أو أهلية، لشأن غير ديني، سواء كان اقتصادياً أو سياسياً وأدبياً، والاشتباك مع أحداثه، وفرض وجهة نظر "فتوى دينية" عليه، بغية إباحته أو تحريمه، وفق المرجعية الدينية. ممّا قد يشكّل ممرات تعود منها التيارات الدينية، لتهيئة حواضن لاستقبال خطابها، وترويج أدبياتها من جديد، بناءً على شرعيةٍ دينيةٍ، لتطبيقها على الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي. والأمر ربما لا يتوقف عند مجرد "فتوى دينية" تحظر تداول عملة "البتكوين"؛ بل سيطال، كما تجري العادة، الأعمال الدرامية والأدبية، لتنتظر فتح بوابة مرور لها من الجنة أو النار، بدل مرورها من دوائر المختصّين من نقاد ومفكرين.

متى ظهرت عملة البتكوين؟

ظهرت عملة البتكوين عام 2009، ونسبت إلى شخص مجهول يطلق عليه "ساتوشي ناكاموتو"، وكان إنتاج العملة يمرّ بعمليات معقدة تجريها أجهزة الكمبيوتر تحت مسمى "التعدين"؛ حيث يتم تعدين نحو 3600 عملة جديدة يومياً، ليصل عددها الحالي إلى 16.5 مليون بتكوين، بقيمة تقارب 167 مليار دولار، ولم يكن للعملة هيئة معينة، أو بنك مركزي لتنظيمها.

في بداية عام 2017؛ كانت قيمة وحدة البتكوين أقل من ألف دولار، لتتخطى حاجز الـ 16 ألف دولار للوحدة الواحدة، في نهاية العام نفسه؛ حيث وصل ثمن العملة الواحدة منها 19,199 ألف دولار، يوم 17 كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، وهو الثمن الأعلى لها، بحسب الموقع الرسمي للعملة.

وقال الباحث الاقتصادي، إلهامي الميرغني لـ"حفريات"، إنّ "البتكوين؛ عملة افتراضية ظهرت عام 2009، عبر الفضاء الإلكتروني، كما أنّها ليست عملة تقليدية؛ فلا يوجد بنك مركزي، أو دولة، أو هيئة، تنظمها وتدعمها. وقد بدأت عمليات تداولها إلكترونياً، من خلال بورصات إلكترونية، أهمها "بورصة سان فرنسيسكو".

الأمر المثير للانتباه والمخاوف؛ هو تصدي جهة دينية لشأن غير ديني سواء كان اقتصادياً أو سياسياً وأدبياً

ويكمل موضحاً: "يجري إصدار نحو 3600 عملة بتكوين جديدة حول العالم يومياً، وقد وصل عددها، حالياً، إلى نحو 16.5 مليون وحدة متداولة، وذلك ضمن الحد الأقصى المسموح به، وهو 21 مليون وحدة بتكوين".

وأردف قائلاً: "كلّ ما يحتاج الشخص إليه للتعامل بالعملة؛ أن يمتلك هاتفاً ذكياً، وتطبيقاً يسمح له بالدخول لشراء البتكوين وبيعه؛ لذلك هي وسيلة سهلة لغسل الأموال، وتمويل كلّ التجارات غير المشروعة، كالأسلحة والمخدرات".

وحول الخطورة التي تمثلها العملة الافتراضية؛ يشير الميرغني إلى أنّه "إذا كانت الفقاعة العقارية أدّت للانهيار المالي الكبير، منذ سنوات، فإنّ توسّع العملة الافتراضية وانتشارها، يمكن أن يقود إلى كارثة مالية جديدة، كما أنّها تشكل مجالاً لجذب صغار المضاربين، الذين قد يخسروا كلّ مدخراتهم في حالة انهيار البتكوين، أو سقوط قيمتها".

فتاوى "ملغمة"!

من جهتها، تشير الإعلامية الباحثة في الفكر الإسلامي، رباب كمال، إلى أنّه "ثمة تطور في خطاب المؤسسة الدينية في عدد من القضايا الجدلية، عبر سنوات، مثل قضية الختان الذي رُفض تحريمه، عام 2006، بسبب ضغطٍ شديدٍ من الدولة والمجتمع الدولي، وغيرها من القضايا الأخرى. فيما يبدو أنّ الأزهر كان يتحرك بدافع المواءمات السياسية، لا مواكبة العلم والتطور؛ لهذا أصاب الأزهر الكثير من التطور الشكلي، دون أن يمسّ ذلك التطور البناء الفكري لغالبية الشيوخ، إلّا من اجتهد منهم على نحو فردي. بينما يجد الأزهر المتنفس، بين الحين والآخر، من خلال الالتفات إلى قضايا هامشية، لا يجد نفسه فيها في مواجهة صريحة مع الدولة".

وأردفت لـ "حفريات": "هناك قضايا فرعية كان يتبناها الأزهر، وكأنّه يترصد صغائر المعارك، منها: فتوى البتكوين، ومن قبلها انزلق الأزهر، عام 2004، إلى معركة تحريم رياضة اليوغا؛ حيث عدّها من طرق التنسّك في الهندوسية. كما قاد مشايخ وأساتذة الأزهر معركة شهيرة ضدّ الغناء عام 2010، وأرسوا قواعد الغناء الحلال. فقد ألقى أستاذ اللغة العربية والشريعة بمعهد إعداد الدعاة، الدكتور عادل عبد الشكور، فتوى "مُلغمة" بتحريم الغناء، قائلاً: إنّ "الرجل إذا اشترى جارية ووجدها تغني، فمن حقّه أن يردّها بسبب العيب الذي فيها؛ لأنّ الغناء من العيوب التي تفسد عقد البيع (عند الإمام مالك)"!

وتتابع صاحبة "دولة الإمام": "هذه الفتاوى الهامشية قد تنافس فيها الأزهريون مع السلفيين، لدرجة يصعب فيها فضّ الاشتباك بين الخيط الأزهري والخيط السلفي، كما أنّ هذه الفتاوى، وإن كانت تبدو في قضايا هامشية، إلّا أنّها تعدّ وقوداً لحجارة التطرف والتزمّت، خاصة في مجتمع يعاني من ارتفاع نسبة الأمية، وشيوع التعصب، ويأخذ تلك الفتاوى على محمل الجدّ".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية