تقارب صيني تركي.. لماذا يتجه أردوغان شرقاً؟

تركيا والصين

تقارب صيني تركي.. لماذا يتجه أردوغان شرقاً؟


22/08/2019

ثمة أزمة اقتصادية تفرض تأثيراتها المتباينة، على الوضعين؛ المحلي والإقليمي، في تركيا، وتنعكس، بشكل مباشر، على تحركاتها في التحالفات الخارجية، التي تتبدل صيغها على المستوى الدبلوماسي، وارتباطاتها السياسية، بصورة براغماتية، وذلك تلبية للحاجة الملحة والضرورية، لمعالجة أوضاعها السلبية، وهو ما ظهر جلياً في الاستدارة التي بدأت تتخذها أنقرة باتجاه بكين في سعيها لاستنقاذ اقتصادها الذي طالما شكّل العامل الحاسم في صعود أردوغان وحزبه ومكاسبه السياسية.
تفاقم التوترات مع حلفاء أنقرة سيما واشنطن وبعض دول الاتحاد الأوروبي

البحث عن أصدقاء جدد
إنّ ما يعانيه الاقتصاد التركي من مشكلات وصعوبات جمة، بسبب التدخلات السياسية المباشرة في السياسة النقدية، من ناحية، وتفاقم التوترات مع حلفاء أنقرة، سيما واشنطن، وبعض دول الاتحاد الأوروبي، من ناحية أخرى، أدى إلى آثار سلبية في أسواق المال التركية، بالإضافة إلى انخفاض الليرة، بأكثر من ربع قيمتها، منذ آب (اغسطس) العام الماضي.

مشكلات الاقتصاد التركي تعود للتدخلات السياسية المباشرة في السياسة النقدية وتفاقم التوترات مع الحلفاء

وتراجع الاقتصاد التركي بنسبة 2.6%، على أساس سنوي، في الربع الأول، من العام 2019، بحسب معهد الإحصاء التركي، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى التضخم، والعجز في الميزانية، المستمرين منذ صيف العام الماضي، وقد بلغت معدلات البطالة نحو 15 في المائة، والتضخم نحو 17 في المائة، في الوقت الراهن.
وفي ظل تلك الأزمات، التي تتحكم في البنى الاقتصادية والسياسية لأنقرة، وأمام طموحاتها الخارجية، كلاعب إقليمي، تبحث عن أصدقاء جدد داخل رمال السياسة المتحركة، وفي ظل الجغرافيا السياسية المعقدة، التي تجعلها تغير من بعض مواقفها الراديكالية، كما الحال، مع الصين، التي يسعى إليها أردوغان، بهدف البحث عن سبل استثمار أجنبي لتمويل النمو الذي يعتمد عليه من الناحية السياسية، ومحاولة زيادة وتيرة التعاون الاقتصادي معها.

مسلمو الأويغور خارج الحماية "الأردوغانية"
بناء على هذه الحسابات، خففت أنقرة من حدة انتقاداتها المتكررة لبكين، على خلفية قضية الأيغور، التي لطالما تصدت بالدفاع عن حقوقهم، ضد ما كانت تصفه بالقمع والإبادة، اللتين تتعرض لهما تلك الأقلية المسلمة.
على هذا الصعيد، كشف البنك المركزي الصيني، مؤخراً، بأنّ الصين قد حولت مليار دولار إلى تركيا، ضمن الاتفاقية المبرمة بينهما، منذ العام 2012، لتبادل العملات، وتعد تلك المرة الأولى، التي يجري ضخ هذا المبلغ الهائل لأنقرة، بموجب اتفاق مبادلة الليرة واليوان مع بكين، كما تشير وكالة بلومبرغ.

اقرأ أيضاً: مسلمو الأويغور: الصين تفصل الأطفال المسلمين عن عائلاتهم
بيد أنّ هذا التدفق النقدي لن يحرز تقدماً كبيراً ومؤثراً، في مصادر تنويع الاستثمار الأجنبي، وتحقيق انفراجة في الاقتصاد المتعثر، وأقصى ما يمكن أن يسفر عنه، هو إقراض مبلغ بسيط قصير الأجل، لاحتياطيات النقد الأجنبي المتناقصة في تركيا، حسبما يشير الباحث في الشؤون التركية، سونر جاغايتاي.

في خضم الأزمة الاقتصادية التي شهدتها تركيا أوفد أردوغان وزير خارجيته إلى بكين بهدف طلب المساعدة

ويؤكد صاحب " إمبراطورية أردوغان: تركيا وسياسة الشرق الأوسط"، أنّ التعاون الاقتصادي بين بكين وأنقرة، سيترتب عليه جملة تغيرات ضرورية وجوهرية، حتى يتعين على الصين تقديم الرعاية للاقتصاد التركي المتعثر؛ حيث ينبغي التغلب على الخلافات السياسية التاريخية الرئيسية بينهما، لا سيما فيما يتعلق بالأيغوريين الأتراك في منطقة شينجيانغ المضطربة في الصين.
ويلفت إلى أنّ قلة الموارد الطبيعية الخاصة بتركيا، تضطرها إلى الاعتماد على عمليات ضخ رأس المال الأجنبي، والعلاقات القوية مع الأسواق الدولية، بغية تحقيق النمو، الأمر الذي يستثمره أردوغان سياسياً، منذ العام 2003، للحصول على مكاسب انتخابية، وتعزيز قاعدة ناخبيه، الأمر الذي شهدته المبالغ القياسية، في الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي اجتذبته البلاد خلال فترة ولايته، ومعظمه كان من أوروبا.
 التعاون الاقتصادي بين بكين وأنقرة سيترتب عليه جملة تغيرات ضرورية وجوهرية

ما الذي تغير؟
قبل عام، وفي خضم الأزمة الاقتصادية التي شهدتها تركيا، حين كانت الليرة تشهد انهيارات غير مسبوقة أمام الدولار، وتتفاقم الأزمة السياسية مع الولايات المتحدة، على خلفية قضية القس أندرو برونسون، وتداعيات العقوبات الأميركية، أوفد الرئيس التركي، وزير خارجيته، ميفلوت جاويش أوغلو، إلى بكين، بهدف طلب المساعدة الاقتصادية، دون أن يتم حسم الأمر أو تقرير شيء نهائي.

اقرأ أيضاً: هكذا أصبحت الاستثمارات الصينية في إفريقيا مصائد للهيمنة
بيد أنّ الأفق السياسي لهذا التعاون بدأ يتشكل بوضوح، خلال الشهور القليلة الماضية، وترتب عليه تداعيات جديدة، بعد الإخفاقات المتتالية في إدارة الأزمة الاقتصادية، والخسارة المدوية في الانتخابات المحلية، وذلك سياق جديد تراكم على الأوضاع المبلدة بغيوم كثيرة، حيث التقى الرئيسان التركي والصيني في بكين، وأكد أردوغان على "ضرورة تعزيز العلاقات الثنائية القائمة بين البلدين، في ظل تفاقم التحديات التي تهدد الأمن والاستقرار العالميين".
وأشار في كلمته التي نقلتها وكالة الأناضول: "تركيا والصين سوقان صاعدان وبلدان ناميان، ويتعين علينا زيادة الثقة الاستراتيجية المتبادلة، وتعزيز التعاون الاستراتيجي والتنسيق"، ونوه إلى ضرورة العمل بتصميم على حماية النظام الدولي، وفي صميمه الأمم المتحدة، والقانون الدولي، بالإضافة إلى حماية نظام التجارة الدولية المستند إلى قواعد منظمة التجارة العالمية.

اقرأ أيضاً: هل يدفع المسلمون ثمن الصراع الصيني الهندي حول سريلانكا؟
لكن اللافت في هذا التصريح، التنازلات التي بدأت تتسلل إلى خطاب الرئيس التركي، وخطابه الإعلامي المختلف، الذي انعكس كذلك على المنصات المحلية التابعة له، وهو الأمر الذي رصدته، وكالة شينخوا الصينية؛ إذ نقلت عنه أحد تصريحاته، التي حملت تلميحات حول الأوضاع الحقوقية للأقليات في الصين، إذ أكد أنّ: "تركيا ما زالت ملتزمة بسياسة الصين الواحدة، والمقيمين من مختلف الإثنيات يعيشون بسعادة في منطقة شينغ يانغ للإيغور التي تتمتع بحكم ذاتي بسبب ازدهار الصين، وهي حقيقة ثابتة، وتركيا لن تسمح لأحد بإثارة مشاكل في علاقاتها مع الصين".
إستراتيجية سياسية جديدة يتبناها أردوغان

كسب ود بكين
كما حذر أردوغان من هؤلاء الذي يسعون إلى "استغلال قضية شينغيانغ لخلق التوترات مع الصين، المستثمر وشريك التجارة الكبير لتركيا، وأكد على رغبته في تعزيز الثقة السياسية المتبادلة، والتعاون الأمني مع الصين للتصدي للتطرف".

أردوغان يدرك أنّ الصين قادرة على تأمين الاستثمارات والقروض التي باتت البنوك التركية تجد صعوبة بتحصيلها

إلى ذلك، يقول الباحث والصحافي المصري، هاني سليمان، أنّ مسلمي الأويغور، الذين يعيشون في مقاطعة شينغيانغ، شمال غرب الصين، وهم من أصول تركية، لن يصبحوا أولوية في الخطاب السياسي، والإعلامي التركي، بل سيتبدل الموقف تجاههم تماماً، والذي سبق وشهد تعاطفاً وتصعيداً كلامياً مع حكومة بكين، ضد ما يتعرضون له من اضطهاد وقمع وسجن، من قبل الحكومة الصينية، بحسب التقارير الدولية العديدة.
ويضيف في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وجه وسائل الإعلام التي يتحكم فيها بتقليل التقارير التي ترصد وتبث أوضاع الأويغور في الصين، وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته بسهولة في وسائل الإعلام المحلية، حيث تقلصت مساحة المتابعة لهم، وتكاد تكون اختفت من المشهد الإعلامي.
وبسؤاله حول الإستراتيجية السياسية الجديدة التي يتبناها أردوغان، والتي فيما تبدو مدفوعة تحت وطأة الأزمات، فيشير سليمان إلى أنّه بحاجة إلى الاستثمارات بقيمة مليارات الدولارات، بشكل سنوي، لتأمين النمو الاقتصادي، وحماية دوره السياسي المتمثل في منصبه، وقاعدته الانتخابية التي بدأت تتراجع وتنكمش، وذلك في ظل شح الموارد الطبيعية بتركيا، واعتماده الرئيسي على الاستثمار الأجنبي. فعلى سبيل المثال، تبلغ كلفة استيراد الطاقة، نحو 30 مليار دولار سنوياً، الأمر الذي يسبب عجزاً في ميزان المدفوعات.

اقرأ أيضاً: مسلمو الصين: رموز على الشاشة أرقام في المعسكرات
من جهته، يشير منتدى فكرة، إلى أنّ الاستثمارات الضخمة من الصين سوف يترتب عليها تغيير جوهري، في سياسة أردوغان تجاه مسلمي الأيغور، لأنّ الرئيس التركي، يدرك أنّ الصين قادرة على تأمين الاستثمارات والقروض، التي باتت البنوك التركية تجد صعوبة في الحصول عليها، من البنوك الأمريكية والأوروبية، كما أنّ الإستراتيجية التي يتبعها أردوغان تهدف إلى كسب ود بكين، لدعم الاقتصاد التركي بلاده، رغم وجود تقارير تشير إلى أن ثمة لقاءات، لا تزال تتم بين نشطاء الأويغور مع مسؤولين أتراك في أنقرة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية