"ثورة جياع" في تونس: هل فشل الإسلاميون في تسيير البلاد؟

تونس

"ثورة جياع" في تونس: هل فشل الإسلاميون في تسيير البلاد؟


26/05/2020

في أوّل ردٍّ عن تداعيات الأزمة الاقتصادية التي خلّفها فيروس كورونا، تصاعدت مؤخراً في تونس دعوات بين بعض الفاعلين السياسيين ونشطاء شبكات التواصل الاجتماعي لحل البرلمان والاعتصام في منطقة باردو، حيث مقر البرلمان، وإسقاط الحكومة، وتغيير النظام السياسي عبر "ثورة جياع"، تقودها الطبقات الفقيرة المتضررة من تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.

رافع الطبيب: كل المؤشرات تدلّ على أنّ تونس على حافّة انفجار اجتماعي وانتفاضة شعبية سببها الغضب الصامت

مطالب نُشرت في بيان على شبكات التواصل الاجتماعي، وقّع عليها أكثر من 18 ألف ناشطٍ خلال أربع وعشرين ساعة فقط من نشرها، وأججها التوتر الذى يسود المشهد التونسي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، خاصّةً مع عودة الخلاف بين الرئيس قيس سعيّد، وحركة النهضة برئاسة راشد الغنوشي إلى العلن، بعد الرسائل القوية التي وجهها سعيّد إلى أعضاء البرلمان، وتلويحه بإمكانية سحب المواطنين الثقة من البرلمان الذي تهيمن عليه حركة النهضة بشكلٍ كبيرٍ.
ويرى مراقبون أنّ هذه التحرّكات شبيهة بتلك التي حصلت صيف العام 2013، واعتصام الرحيل الذي نُظم أمام مقر المجلس الوطني التأسيسي التونسي (البرلمان السابق) الذي يُعدّ أعلى سلطة منتخبة في البلاد، وفي عدّة مدن تونسية أخرى، عقب اغتيال السياسي اليساري محمد براهمي، والتي أطاحت حينها بحكومة "الترويكا" التي كانت تقودها حركة النّهضة الإسلامية.
 هل تدفع حركة النهضة ثمن أخطاء زعيمها راشد الغنوشي؟

"ثورة جياع"
وبدأت مجموعات تحشد عبر صفحاتٍ فيسبوكيةٍ وبياناتٍ سريّة، لإشعال "ثورة جياعٍ"، تصحّح مسار الثورة الأولى، وتناقل روادٌ بمواقع التواصل وثيقةً منسوبةً لجهةٍ داعمةٍ للتحرّك اُطلق عليها "هيئة الإنقاذ الوطني"، دعوا فيها إلى "حل البرلمان والأحزاب، والمطالبة بمحاسبتها، وتعليق العمل بالدستور، ومراجعة قوانين ما بعد الثورة، وإعادة صياغتها والمصادقة عليها باستفتاء شعبي، وتحرير الإعلام من هيمنة اللوبيات والولاء السياسي".

اقرأ أيضاً: أحزاب تونسية: الغنوشي يحاول توريط البلاد في النزاع الليبي
هذه الدعوات ساندها جزءٌ من الناشطين السياسيين، خصوصاً المحسوبين على منظومة ما قبل ثورة كانون الثاني (يناير) وبعض نشطاء اليسار التونسي، من بينهم الجيلاني الهمامي، النائب السابق والقيادي في حزب العمال (يساري)، الذي جدّد دعوته لحل البرلمان، وكتب على صفحته الرسمية في فيسبوك "كنت بعد أيّام قليلة من الإعلان عن نتائج الانتخابات ناديت بإسقاط البرلمان الرجعي الذي لا يمثل طموحات الشعب التونسي بالنظر إلى فساد الانتخابات.. الكثير لم يستسغ هذا الموقف، اليوم أجدّد الدعوة إلى حله".
ومن بين الداعمين أيضاً لهذه الدعوات خاصّةً فيما يتعلق بحلّ البرلمان، أنصار الحزب الدستوري الحر (معارض/ 16 نائباً من 217)، بقيادة عبير موسي، ومقرّبون منه، إذ نشر عددٌ منهم دعوات لحل البرلمان، قبل أن تنفي رئيسته ذلك.

اقرأ أيضاً: "إخوان تونس".. خنجر أردوغان في ظهر ليبيا
ودعم ذلك أيضاً نشطاء مساندون للرئيس قيس سعيّد في حملته الانتخابية وبعدها (كالناشط ثامر بديدة من حركة شباب تونس الداعمة لسعيّد خلال الانتخابات الرئاسية السابقة)، إلى جانب أسماء سياسية أخرى على غرار النائب فيصل التبيني، وإن لم يعبر علانيةً عن ذلك، والناشط السياسي نبيل الرابحي، أو شخصيات من النشطاء في مواقع التواصل والتي تعتبر أسماؤها تقريباً مجهولة لعموم التونسيين.
تحرّكات وصفها المحلل السياسي رافع الطبيب بالغضب الشعبي، الذي سيفجّر انتفاضةً اجتماعيةً وشيكةً، لأنّ النظام السياسي الحالي عاجزٌ عن تقديم الإجابات المطلوبة للأزمة التي تمر بها البلاد، والتي أثّرت على الفئات الفقيرة والمتوسطة، فضلاً عن أنّ الجميع بات يستشعر موجة الغضب الصامت الذي ضرب المجتمع جراء الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المتتالية.

 دعوات لإشعال ثورة من جديد بسبب تتالي الأزمات الاجتماعية والاقتصادية
وأضاف الطبيب في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ كل المؤشرات تدلّ على أنّ البلاد على حافّة انفجار اجتماعي، لن يشمل فقط فئة الشعب الغاضب بل سيتحرّك خلاله المجتمع السياسي، وأيضاً النقابات والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية تُعنى بالدفاع عن العمال والفئات الهشة).
"حملات مشبوهة"؟
ويرى شقٌ واسعٌ من التونسيين أنّ الدعوات المستمرّة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى "ثورة" و"حل البرلمان"، ليست دعواتٍ جدية، وتقف خلفها أطرافٌ غير قادرة على تعبئة الشارع، إضافةً إلى قوى ذات تأثير إقليمي، خصوصاً أنّها ظلّت دعوات افتراضية لا أصداء لها على أرض الواقع، ولا تحركات اجتماعية وشعبية تبلورها، كما لم تعلن جهاتٌ واضحة ومنظمة عن وقوفها خلفها ولا عن طريقة عملها وتنظيم تحركاتها.
ورغم وجود شبه إجماعٍ على أنّ هذه الدعوات صادرة عن شخصياتٍ من تياراتٍ سياسية متناقضة وغير قادرة على تعبئة الشارع، فإنّ النيابة العمومية سارعت بفتح تحقيقٍ في ما وصفته بـ"الدعوات التحريضية عبر مواقع التواصل ضد بعض مؤسسات الدولة"، خاصّةً أنّ بعض المنشورات رافقتها دعوات صريحة للعنف والفوضى وإراقة الدماء.

اقرأ أيضاً: الرئيس وظل شقيقه: هل يعود الحكم العائلي إلى تونس؟
ولا يعتقد المحلل السياسي جمعي القاسمي أن تنجح هذه التحرّكات في تونس لعدّة اعتبارات، أولها أنّ الحكومة التي يطالبون بإسقاطها لم تتجاوز 100 يوم عملٍ بعد، ومن الإجحاف تقييمها بالفشل خلال هذه الفترة الوجيزة، كما أنّ الظرف الذي تمرّ به البلاد ينطبق على سائر دول العالم، إذ من الطبيعي أن يكون لوباء كورونا تداعيات اقتصادية سلبية، ستتعمّق لاحقاً، وهذا لا ينسحب فقط على تونس.
واعتبر القاسمي في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ هذا التململ الشعبي له مبرراته من حيث المبدأ باعتبار الأزمات التي عاشت على وقعها تونس منذ العام 2014، أمام فشل المنظومة التي يقودها الإسلاميون، والتي حكمت البلاد منذ الثورة عام 2011، لكنّ توقيته غير مناسبٍ.
يأتي ذلك في وقتٍ يعاني فيه البرلمان من تواصل تراجع نسب الثقة فيه وفي رئيسه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وفق آخر سبر للآراء، بعد أن ارتبطت صورته، عند عموم التونسيين، بشبهات فساد بعض النواب واستهتار بعضهم الآخر.
 تزايد الدعوات لحل البرلمان التونسي وتغيير النظام السياسي وتصحيح مسار الثورة

النهضة مرعوبة
حركة النهضة التي تحظى بأكبر عددٍ من مقاعد البرلمان (52 مقعداً من أصل 217) وتعتبر الحزب الأوّل في الحكومة، وصفت في أوّل رد فعل لها، هذه الدعوات بأنّها حملات مشبوهة تدعو إلى الفوضى وتستهدف مجلس نواب الشعب ورئيسه راشد الغنوشي (زعيم الحركة).

سليم بسباس: الدعوات لثورة جياع وحل البرلمان مرتبطة بأجندات انقلابية وغير مقبولة ولا تتلاءم مع الديمقراطية

ويبدو الهلع واضحاً في بياناتها؛ إذ قالت الحركة إنّ هذه الدعوات تسعى إلى إرباك المسار الديمقراطي التونسي وإضعاف مؤسسات الدولة، في ظل تحدياتٍ صحية واقتصادية استثنائية، وشدّدت على "ضرورة تجسيد معاني الوحدة الوطنية في جميع المستويات".
كما استنكرت الحركة ‎ما اعتبرته حملة التشويه والتحريض الممنهجة التي يتعرّضُ لها عدد من قياداتها، وفي صدارتهم رئيسها راشد الغنوشي، ومحاولة لبث الفتنة بين التونسيين عبر فضائيات وشبكات إعلامية أجنبية معروفة بعدائها للتجربة الديمقراطية التونسية، مشيرةً إلى أنّ هذه الحملة غير المسبوقة مؤشر جدي على انزعاج هذه الأطراف من نجاح تونس في الحفاظ على استقرارها، وسعيها المحموم والفاشل لإعادة إرباك تجربتنا الفتية وتشويه رموزها.
يأتي ذلك في وقتٍ اتّفق فيه عدد من المحللين للشأن التونسي على أنّ هذه الدعوات جاءت كرد فعلٍ طبيعي من الطبقة المتوسطة جراء حالة الفقر التي تعرض لها الشعب في ظل حكم الإسلاميين منذ عام 2011.
من جانبه، شدّد القيادي البارز في حركة النهضة سليم بسباس على أنّ هذه الدعوات مرتبطة بـ"أجنداتٍ انقلابيةٍ لمصالح خارجية"، لبعض الدول التي تعادي نجاح التجربة التونسية وتكنّ لها عداءً علنياً، مشيراً إلى أنّ بعض السلوكيات التي رافقت هذه الدعوات غير مقبولة ولا تتلاءم مع الديمقراطية.
وقال بسباس في تصريحه لـ"حفريات"، إنّ حركته لا ترفض طرح تغيير النظام السياسي للنقاش، وإنّها تؤيّد فكرة تغييره، لكن ليس عبر التظاهر والاحتجاج الذي لا يلتزم بالدستور وما جاء فيه من قوانين.
وغالباً ما تعتبر النهضة دعوات التظاهر وتغيير النظام ثورة مضادة مدعومة خارجياً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية