أمريكا تفاضل: دولة "القاعدة" أم "طالبان"؟

أمريكا تفاضل: دولة "القاعدة" أم "طالبان"؟


06/06/2021

منير أديب

لا شك في أن إعلان الولايات المتحدة الأميركية المفاجئ سحب قواتها من أفغانستان بعد عشرين عاماً يحمل عدة دلالات، يمكن فهمها في انعكاس ذلك على فكرة الأمن، وسوف تكون إحدى نتائجه إما تكوين دولة تكون حركة "طالبان" على رأسها أو تنظيم "القاعدة"، أو دولة تحكمها الحركة ويشارك فيها التنظيم.

كل التقارير الاستخبارية أكدت أن حركة "طالبان" لم تفك ارتباطها بتنظيم "قاعدة الجهاد" سواء مع الخروج الأميركي أم ما قبله على مدار العشرين عاماً الماضية، وهو ما سوف يؤدي إلى تحول أفغانستان منصة لتصدير الإرهاب الى كل دول العالم، من خلال مقاتلين أو حتى تصدير الإرهاب "المعولم" من خلال تنظيم "القاعدة" باعتباره تنظيماً عابراً للحدود والقارات، وهنا قد يكون الدعم للتنظيمات المتطرفة المحلية في عواصم العالم المختلفة.

في البدء لا بد من أن نحرر المصطلحات الخاصة بخروج الولايات المتحدة من أفغانستان، فهو في حقيقة الأمر لم يكن خروجاً وإنما انسحاباً، لأنه أولاً تم من طرف واحد وهو اميركا، وإن اتخذت من جلسات التفاوض مع حركة "طالبان" في العاصمة القطرية الدوحه على مدار العام الماضي عنواناً للإنسحاب، فهي لم تحقق شيئاً ملموساً من وراء هذا التفاوض، غير أنها قررت الانسحاب، ولكنها أرادت أن تحقق بعض المكاسب وأن تعطيه شكلاً مقبولاً أمام المجتمع الدولي.

حاربت الولايات المتحدة حركة "طالبان" على مدار عقدين كاملين، من بداية غزو أفغانستان في العام 2001 وحتى نهاية الوجود الأميركي في الذكرى العشرين لأحداث 11 أيلول (سبتمبر)، أي أن هذا الغزو مر عليه قرابة عشرين عاماً، ولم تحقق اميركا ما أرادته، وهو القضاء على حركة "طالبان" المتمردة، بل فوجئنا بها تتفاوض مع الحركة قبل الانسحاب، وتنقل وسائل الإعلام صوراً تجمع قادة عسكريين أميركيين مع قادة حركة "طالبان"، التي وصفتها بأنها حركة إرهابية، وأنفقت أميركا قرابة تريليون دولار للهدف السالف الذكر الذي لم يتحقق بطبيعة الحال، فضلاً عن الخسائر البشرية للقوات الأميركية.

خروج الولايات المتحدة الأميركية من أفغانستان بدعوى توقيع اتفاق "سلام" مع "طالبان" هو ظلم للسلام نفسه، فأي سلام تنشده أميركا مع حركه طالما صنفتها جماعة إرهابية، وتحركت بقواتها عبر آلاف الكيلومترات لإسقاط هيمنتها على السلطة، ثم اكتشفت بعد عشرين عاماً أنه يمكن تحقيق السلام معها، وهل هذا انسحاب حقيقي أم هزيمة؟

لم تفك "طالبان" ارتباطها بتنظيم "القاعدة" ولا بأي من التنظيمات المتطرفة، بحسب تأكيدات أجهزة الاستخبارات العالمية وما ينشره البنتاغون يوماً بعد الآخر، وهو ما يؤكد خطأ التقديرات الأميركية بشأن هذا الانسحاب المفاجئ، وتأثيره في فكرة الأمن في العالم، بخاصة بعد سقوط دولة "داعش" في 22 آذار (مارس) من العام 2019.

طيلة وجود القوات الأميركية في أفغانستان على مدار عقدين من الزمان و"طالبان" توفر حاضنة وحماية لتنظيم "القاعدة"، فقد سبق ورفضت تسليم زعيم "القاعدة"، أسامة بن لادن للقوات الأميركية، وهو كان مقيماً في أفغانستان بحجة أن أميركا فشلت في إثبات علاقته بأحداث 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001، وهو ما اضطر "طالبان" الموجودة في السلطة آنذاك لحماية بن لادن وفشلت القوات الأميركية في الوصول إليه أو حتى استهدافه إلا بعد مرور عقد كامل من الزمن، اذ قتلته في العام 2011، وهو ما يُعد هزيمة أخرى للقوات الأميركية وقرابة قوات 43 دولة أخرى كانت تُشارك الولايات المتحدة مواجهة خطر "القاعدة"!

منذ ذلك الوقت رفضت "طالبان" تسليم زعيم "القاعدة" ووفرت له حماية ما زال يتمتع بها التنظيم حتى الآن، حتى أن كل التقارير الاستخباريه أكدت، أن هناك تعاوناً أمنياً وعسكرياً بين كلٍ من التنظيم والحركة، فمقاتلو "القاعدة" كانوا يُشاركون مقاتلي "طالبان" الحرب على القوات الأميركية على مدار العقدين المنصرمين، وهذا ما يُعني أن حركة "طالبان" ملتزمة المبادئ الجوهرية التي تجمعها مع تنظيم "القاعدة"، وأن فك هذا الارتباط ليس له أساس من الصحة، وسوف يظل خطر "القاعدة" و"طالبان" يهدد العالم.

وهنا يمكن القول إن الولايات المتحدة سوف تدفع ضريبة خروجها من أفغانستان مضاعفة، فإذا كانت ترى أن وجودها في أفغانستان يعد بمثابة أطول حرب خاضتها قواتها خارج أراضيها، وكانت لهذه الحرب تكلفة مادية وبشرية بطبيعة الحال، وهنا أرادت أن تتخلص منها ومن عبئها، فهذا تقدير خاطئ طبعاً، فالتكلفة من وراء الانسحاب سوف تكون أكبر وأخطر على أميركا والعالم بأكمله، فـ"القاعدة" و"طالبان" يتأهبان لإقامة دولة سوف تكون ملامحها قريبة من دولة "داعش" التي عانى الأميركيون على مدار 5 سنوات كاملة من قيامها في 29 حزيران (يونيو) عام 2014 وحتى سقوطها في 22 آذار (مارس)  عام 2019، حتى أن خطر التنظيم ما زال باقياً وخلاياه ما زالت منتشره في كل مكان.

"طالبان" تنظيم براغماتي يبحث عن مصالحه، التزم بشكل موقت عدم مهاجمة القوات الأميركية أثناء انسحابها، لأنه يريد تحقيق هذا الانسحاب، حتى ينجح في ما بعد في المشاركة في دوائر الحكم والسياسه، ومن ثم الوصول إلى السلطة، سواء بصورة انقلابية أم من خلال صناديق الانتخابات، ولكنه يعتبر ذلك هدفاً وسوف يسعى الى تحقيقه، وتصديق الولايات المتحدة للحركة ليس في محله، ويؤكد هزيمتها، فهي عازمة على قرارها رغم الخسائر التي تُصيب العالم ودول المنطقة وتصب في مصلحة الإرهاب "المعولم" العابر الحدود والقارات.

كما أن الولايات المتحدة الأميركية شاركت في بناء ما سمي بـ "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) عندما قررت احتلال دولة العراق في العام 2003 رغم مخالفة ذلك لقرارات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، وهو ما ترتب عليه بناء تنظيمات دينية متطرفة هدفها تحرير العراق من الاحتلال الأميركي، بدأ ينشط تنظيم "القاعدة" الذي أرسل مقاتلية إلى بغداد، فظهر تنظيم "التوحيد والجهاد" ثم "الدولة الإسلامية في العراق"، وانتهى بـ "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، خرجت أميركا من العراق بينما تركت مخلفاتها وأخطر هذه المخلفات التنظيم الأكثر تطرفاً والذي بات نواة لـ"داعش" في ما بعد، وكانت هذه نواة الإرهاب العالمي نتيجة الاحتلال غير الشرعي للعراق.

الأمر يتكرر مره أخرى، وهنا يمكن أن تنشأ دولة إما لـ"القاعدة" وإما لـ"طالبان"، ولكن تقديرات المواقف جميعها تصب في هذا الاتجاه وتؤكده، وكأن الولايات المتحده تبحث عن بديل لدولة "داعش"، وهنا تبقى السياسة الأميركية الخاطئة في التعامل مع الإرهاب الخطر الأكبر الذي يتهدد العالم.

جهود مواجهة الإرهاب أصبحت محلية وإقليمية وبالتالي لا نلمس أثرها، أما الجهود الدولية ففي غير محلها، وغير ذات قيمة! بل بتحليل نتائجها نكتشف أنها باتت سبباً في نشأة التنظيمات الأكثر تطرفاً مثل "القاعدة" و"داعش"، فإذا كنّا نتحدث عن علاقة أميركا بنشأة "داعش" وفق سياسات خاطئة، فإن هذه العلاقة أدت إلى إنتاج "القاعدة"، فقد شكلت الاستخبارات الأميركية نواة هذا التنظيم لمواجهة الغزو الروسي لأفغانستان ودعمته بالمال والسلاح، وعندما هزمت روسيا في هذه الحرب على حلفية الغزو عام 1979، لم تفكر الولايات المتحدة في التعامل مع هؤلاء المقاتلين، والذين شكلوا تنظيم "قاعدة الجهاد"، معتبرين أن الجهاد لم ينتهِ بتحرير أفغانستان وأنه باقٍ إلى يوم الدين، وهو ما يعني بقاء هؤلاء المقاتلين وتطوير تنظيمهم وهو ما حدث بالفعل.

السياسات الأميركية هي الخطر الأكبر الذي أنتج التنظيمات المتطرفة التي مثلت وما زالت خطراً على العالم، أميركا افتقدت الاستراتيجية لمواجهة هذه التنظيمات، كما أنها افتقدت أي رؤية لهذه المواجهة حتى بعد تحقيق أهدافها السياسية، وما زال العالم يعاني من خطر السياسات الأميركية في التعامل مع هذه التنظيمات، وهو في حقيقة الأمر لا يقل خطراً عن التنظيمات الإرهابية ذاتها، فكلٍ منهما يدعم الآخر ويشكل خطراً على الأمن.

أميركا تأخذ قراراتها من دون استشارة الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط، وهم الأجدر  بمواجهة الإرهاب، وبات التعويل عليهم، وسط التخبط الذي تعيشه الإدارات الأميركية المتعاقبة، ولذلك سوف يتضخم خطر الإرهاب، وسوف تبقى جهود مواجهته محدودة، بخاصة أنها أخذت الطابع المحلي، وهو ما يفرض تحدياً أهم يستلزم عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة تشارك فيه كل الدول الكبرى، ويكون محوره الأساسي وضع استراتيجية عامة لمواجهة الإرهاب العابر الحدود والقارات، تراعي فيه خصوصية كل دولة وتكون ملزمة للجميع في الوقت نفسه، وتكون محور هذا الاستراتيجية دول تضع على كاهلها فكرة المواجهة مثل مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية باعتبار ما بذلته من جهود في هذا الصدد وخبراتها المتراكمة.

على الولايات المتحدة الأميركية أن تدرك أن سياستها الأخيرة بالانسحاب من أفغانستان سوف تدفع فاتورتها كل دول العالم، بل سوف يفاجأ هذا العالم بدولة لــ "طالبان" أو "القاعدة" بمنطق هذه السياسة، وهنا خرجت  أميركا من فكرة دعم هذه الإمارة المتوقعة والتي تبدو في الأفق، إلى المفاضلة بينهما، ولعلها اختارت "طالبان"، وباتت كل أمانيها أن تقف أمام تنظيم "القاعدة" ولا تسمح له بالوجود.

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية