إيران الحاضر الغائب في أزمات: كركوك والحدود مع الكويت ودير الزور

إيران الحاضر الغائب في أزمات: كركوك والحدود مع الكويت ودير الزور

إيران الحاضر الغائب في أزمات: كركوك والحدود مع الكويت ودير الزور


13/09/2023

التطورات التي شهدتها إيران وتأثيرها في سوريا والعراق، بالإضافة إلى الخليج العربي، تطرح تساؤلات حول حقيقة مواقف القيادة الإيرانية وسياساتها الخارجية، بما في ذلك مزاعم حول التهدئة في الإقليم، تم ترديدها وبتركيز عالٍ في الإعلام الإيراني وبعض الإعلام العربي، لا سيّما بعد اتفاق المصالحة مع المملكة العربية السعودية، الذي تم إنجازه بوساطة صينية، ويبدو أنّ مرد تلك التساؤلات شكوك عميقة وقناعات في أوساط عربية وإسلامية واسعة، ترى أنّ إيران ليست جادة بتنفيذ أيّ مصالحة مع جيرانها، بدلالة استمرار تهديدات الحرس الثوري الإيراني في المناطق التي لإيران يد فيها عبر "حكومات" ووكلاء وميليشيات مسلحة.

يواصل الحرس الثوري الإيراني تهديداته في المناطق التي لإيران يد فيها عبر وكلاء وميليشيات مسلحة

وقد شهدت المنطقة (3) تطورات خلال الأسبوعين الماضيين، في العراق وفي شرق سوريا؛ ففي العراق بعد أحداث كركوك في شمال العراق، التي شهدت صدامات مسلحة إثر خلافات بين حكومة بغداد المركزية وحكومة إقليم كردستان، طرحت وبصورة مفاجئة مجدداً قضية الخلافات الحدودية بين العراق والكويت في الجنوب، تلك الخلافات التي كانت سبباً في تدمير العراق وشنّ حربين عليه عام 1991 و 2003، وبالتزامن شهدت مناطق ما يُعرف بشرق الفرات في سوريا صدامات مسلحة بين المجلس العسكري لمدينة دير الزور المنضوي في إطار قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

ترى أوساط عربية وإسلامية واسعة أنّ إيران ليست جادة بتنفيذ أيّ مصالحة مع جيرانها، بدلالة استمرار تهديدات الحرس الثوري الإيراني في المناطق التي لإيران يد فيها عبر "حكومات" ووكلاء وميليشيات مسلحة

التطورات المذكورة، وبمرجعية الدور الإيراني فيها، ربما تبدو للوهلة الأولى معزولة عن بعضها بعضاً، لكنّ ربط هذه التطورات بسياقات حدوثها تؤكد أنّ للقيادة الإيرانية دوراً مباشراً فيها، وبما تحققه إثارتها وتضخيمها من أهداف تخدم الاستراتيجيات الإيرانية، ما بين التلويح بأوراق تملكها، وإرسال رسائل غير مشفرة بأنّها موجودة على الطاولة، ولديها القدرة على خلط الملفات والأوراق في الإقليم، ولا يستطيع أيّ طرف تجاوزها. ولتوضيح الدور الإيراني في هذه التطورات نتوقف عندها، على النحو التالي:

أوّلاً: أحداث كركوك

شهدت محافظة كركوك في شمال العراق، التي تضم خليطاً من مكونات الشعب العراقي، صدامات مسلحة بين مجاميع عربية وتركمانية مقابل مجاميع من أصول كردية، على خلفية رفض إعادة تسليم مبنى في كركوك للحزب الديمقراطي الكردستاني، شغلته القوات العراقية التابعة للحكومة المركزية في بغداد، وقد أسفرت الأحداث عن مقتل (4) أكراد وجرح أكثر من (15) مواطناً، وفقاً لبيانات رسمية عراقية.

الأهم في أحداث كركوك أنّها تتزامن مع اتفاق بين طهران وبغداد لإغلاق مقرات الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة المتواجدة في إقليم كردستان العراق

مصادر عديدة "كردية وعربية" تؤكد أنّ هناك مرجعية سياسية للأحداث تتمثل بالتنافس الحزبي قبيل انتخابات محلية ستُجرى أواخر العام الجاري، وأنّ المشاركين في الأحداث من قبل المكون العربي والتركماني والأكراد ينتمون لأحزاب، وتم تحريكهم من قبل أحزابهم، ورغم تطويق الأحداث بالتنسيق بين حكومة بغداد وحكومة الإقليم، إلا أنّها تبقى قابلة للاشتعال مجدداً، في ظل مرجعيات صراع اثنية، رغم كل ما يقال من خطابات دبلوماسية تؤكد على الانسجام بين سكان المحافظة، لكنّ الأهم في هذه الأحداث أنّها تتزامن مع اتفاق بين طهران وبغداد لإغلاق مقرات الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة المتواجدة في إقليم كردستان العراق، وقرب انتهاء المهلة التي حددتها إيران، والتي تنتهي في 23 أيلول (سبتمبر) الجاري، حيث تهدد إيران باستئناف ضرباتها الصاروخية لمناطق كردستان العراق، ومن المرجح أنّ أحداث كركوك جاءت رسالة إيرانية عبر حلفائها في بغداد للالتزام بتنفيذ الاتفاق مع طهران، بخصوص المعارضة الإيرانية الكردية.

ثانياً: أزمة الحدود الكويتية- العراقية

تتباكى قوى وفصائل تُعرف بالولائية في العراق على قرار محافظ البصرة بتسليم منازل كويتية على الشريط الحدودي مع الكويت، تنفيذاً لاتفاق بين الجانبين، وهو ما أثار أزمة من الواضح أنّها مفتعلة، تنبهت لها الحكومة العراقية وتعمل على تطويقها، وعلى أساس التزام العراق بقرار مجلس الأمن رقم (833) لعام 1993، والذي يستند إلى خرائط لجنة أقرتها الأمم المتحدة ورسمت الحدود البرية بين البلدين.

من المرجح أنّ أحداث كركوك جاءت رسالة إيرانية عبر حلفائها في بغداد للالتزام بتنفيذ الاتفاق مع طهران بخصوص المعارضة الإيرانية الكردية

وبالاستناد إلى التيار الأقرب لطهران الذي يقف خلف إثارة هذه القضية، في الوقت الذي تولى فيه موالون لإيران رئاسة الحكومة العراقية دون إثارة أيّ قضايا مرتبطة بخلافات حدودية، فإنّ هذه الإثارة غير معزولة عن سياق موازٍ مرتبط بإيران، وهو المزاعم الإيرانية بخصوص حقوق مفترضة في حقل (الدرة) الواقع في المياه الإقليمية المشتركة بين الكويت والمملكة العربية السعودية، وهو ما أرادته طهران من خلال إثارة خلافات حدودية بين العراق والكويت لرفع ورقة تهديد بوجه الكويت لتقديم تنازلات بخصوص حقل (الدرة)، وخلط الأوراق بالقول إنّ المنطقة كلها موضع خلافات ليس مع طهران فقط، بل ومع العراق أيضاً.

ثالثاً: صدامات دير الزور

رغم أنّ إعلام دمشق ومعه الإعلام الايراني، وإلى حدٍّ كبير الخطاب الرسمي التركي، حاول تثبيت أنّ ما يجري في مناطق دير الزور ما هو إلا نتيجة خلافات بين "الأكراد والعشائر العربية" في المنطقة، بسبب سيطرة القوات الكردية على المنطقة، إلّا أنّ كثيراً من المصادر المستقلة تؤكد أنّ تلك الصدامات جاءت في إطار مشروع تشرف عليه الإدارة الأمريكية بتوحيد الإدارة الكردية والعربية لمناطق ما يُعرف بشرق الفرات، وهو المشروع الذي يتردد الحديث عنه بإقامة كيان شرق الفرات يمتد من الحسكة شمالاً حتى الحدود مع الأردن جنوباً، وبما يضمن قطع طريق الدعم الإيراني الواصل بين طهران وبغداد مع دمشق وبيروت، وتؤكد رواية (قسد) أنّ الأحداث انطلقت بعد اعتقال رئيس المجلس العسكري في دير الزور التابع لها بتهم جنائية وقضايا فساد واختراقات استخباراتية من قبل دمشق واستخبارات الحرس الثوري في المنطقة.

...

يُذكر أنّ الأحداث تزامنت مع تصعيد إيراني شرق الفرات في إطار خلط الأوراق، مستفيداً من غطاء جوي وفرته القوات الروسية بعد تحول سوريا إلى ساحة صراع مع واشنطن بعد الحرب على أوكرانيا، وجدالات داخل العراق حول تواجد القوات الأمريكية في مناطق الحدود العراقية ـ السورية، وهو ما يشير إلى جهود إيرانية هدفها إفشال الخطة الأمريكية في شرق الفرات، لأنّ نجاح هذه الخطة سيشكّل ضربة للمشروع الإيراني بربط بيروت ودمشق مع بغداد وطهران، عبر طريق استراتيجي يؤمن لطهران إمدادات الأسلحة والذخائر لحلفائها وميليشياتها.

خلاصة

لا شكّ أنّ الأزمات الـ (3) السابقة، ومستوى التدخل والاستثمار الإيراني فيها، تشكّل نموذجاً لسياسات إيران في الإقليم، واستثمارها لأدوات في العراق وسوريا، وهي سياسات تبرر الشكوك العميقة بنوايا القيادة الإيرانية، لكنّ الملفت للنظر أنّه في الوقت الذي التقطت فيه طهران مقاربة الخطوة بخطوة التي طرحها العرب على النظام السوري، مقابل عودته إلى الجامعة العربية، وترجمتها في علاقاتها مع أمريكا، فإنّها لم تقدم على خطوات مماثلة مع الأطراف العربية، وتواصل التعامل مع دمشق وبغداد، بالإضافة إلى صنعاء وبيروت، من موقع التابعين لها، باستثمار عناوين الممانعة والمقاومة الإسلامية، ولعل ما ينبغي الإشارة إليه هنا أنّ الأزمات الـ (3) المذكورة تكشف حجم الاختراق الإيراني للعراق، ومركزية العراق في المشروع الإيراني بالمنطقة، بالرغم من ازدياد أصوات عراقية تطالب بإنهاء هيمنة طهران على العراق، وربما تطرح هذه الهيمنة تفسيراً لفشل المشاريع الاقتصادية الكبرى بين الحكومات العراقية المتعاقبة وبين جيران العراق.

لا شكّ أنّ الأزمات الـ (3) السابقة، ومستوى التدخل والاستثمار الإيراني فيها، تشكّل نموذجاً لسياسات إيران في الإقليم، واستثمارها لأدوات في العراق وسوريا، وهي سياسات تبرر الشكوك العميقة بنوايا القيادة الإيرانية

ورغم القدرة التي تمتلكها القيادة الإيرانية في بعض الدول العربية، فإنّ هذه "القدرة" أمام اختبارات صعبة اليوم في ظل؛ أوّلاً: عدم تحقيق القيادة الإيرانية لأيّ نجاحات، داخل إيران أو خارجها في العواصم العربية التي تسيطر عليها، تؤهلها لأن تكون نموذجاً يُحتذى في التنمية والرفاه، وثانياً: أنّ استثماراتها المذهبية والاثنية لتكون عنواناً في إدارة صراعاتها، هي ذاتها عناوين يمكن استثمارها من قبل خصوم إيران، إن كان على صعيد الأكراد السنّة في شمال غرب إيران، أو الأحواز العرب في جنوب غرب إيران، أو البلوش السنّة في جنوب شرق إيران، أو الطاجيك في وسط وشمال إيران.

مواضيع ذات صلة

كركوك: ورقة انتخابية أم نار تغذيها الانقسامات الإثنية؟

نفط كركوك يعود إلى الواجهة بعد العقوبات الأمريكية على إيران

ما الصورة التي يحملها العرب عن إيران؟

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية