استقالات إخوان ليبيا... كيف اختلف مشهد مصراتة عن الزاوية؟

استقالات إخوان ليبيا... كيف اختلف مشهد مصراتة عن الزاوية؟


26/10/2020

قبل شهرين، أعلن أعضاء تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في مدينة الزاوية (غرب طرابلس) عن استقالتهم بشكل جماعي من التنظيم، مقدّمين عبارات التضحية بالانتماءات الضيقة لصالح الوطن.

اقرأ أيضاً: الزخم الدولي في ليبيا وقره باغ يبدد أوهام الدور التركي

وقبل أيام، خرج بيان جديد يكاد يحمل العبارات نفسها، لكن ثمة الكثير من الاختلافات بين البيانين باختلافات في المشاهد وموازين القوى إبّان كل منهما؛ فالأوّل الذي صدر في مدينة الزاوية إثر انتصارات لحكومة الوفاق لم يكن صداها قد خمد بعد، وتحشيد على أشدّه، لا يمكن أن يُفسر على النحو ذاته بالنسبة إلى الآخر الذي خرج من مصراتة، في وقت يُحجم فيه المشروع الإسلاموي التركي ـ القطري داخل ليبيا، فيبدو كما لو كان قفزاً من مركب الإخوان الغارق.

وقد أعلن عناصر تنظيم الإخوان في مدينة مصراتة الليبية في 21 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري عن استقالة جماعية لعناصر التنظيم. وقال الأعضاء المستقيلون في البيان: إنّ قرارهم يعني حلّ التنظيم في مصراتة، وذلك على خلفية "تسويف قيادة الجماعة وتعطيلها لتنفيذ المراجعات والتصويب الذي توصل إليه أعضاء الجماعة في مؤتمرهم العاشر المنعقد عام 2015".

اقرأ أيضاً: أردوغان سلطان مهزوم في ليبيا

وأشاروا إلى أنّ قرارهم جاء بعد مناقشات ومشاورات، وأنّ "السياق الزمني الذي نشأت فيه الجماعة والتطور الزمني في البيئة والواقع يحتم إعادة قراءة المشهد والمراجعة والتصويب"، بحسب ما أورده موقع "ميدل إيست أون لاين".

 

فيما حمل البيان الأول قبل شهرين كلمات التهاني والإشارة إلى انتصارات الوفاق الميدانية بدعم الميليشيات المسلحة آنذاك، جاء البيان الثاني خالياً من أي إشادة لجهة ما

 

وأضافوا: إنّ "صواب الأمس قد لا يناسب متطلبات اليوم، فكان مؤتمر الجماعة العاشر عام 2015 الذي تم فيه إقرار تلك المراجعات بأغلبية مطلقة عنواناً لمرحلة جديدة كنا نتمناها ونحرص على ميلادها، غير أنّ تسويف قيادة الجماعة وتعطيلها تلك القرارات دعانا لاتخاذ موقف تجاه المماطلة".

مشهدان متباينان

وفيما حمل البيان الأول قبل شهرين كلمات التهاني وإعلان النصر وإبداء الاحتفاء به، في إشارة إلى انتصارات الوفاق الميدانية بدعم الميليشيات المسلحة آنذاك، جاء البيان الثاني خالياً من أي إشادة لجهة ما، بل جاء منتقداً الجماعة التي لم تراعِ ما تمّ الاتفاق عليه قبل أعوام من رغبة في التجديد.

اقرأ أيضاً: فرقاء ليبيا.. لقاءات هادئة وتفاؤل حذر: هل تنجح هذه المرة؟

وبين البيانين والمشهدين، يتضح أنّ الاستقالة الأولى، وإن كانت أكثر قابلية للتصنيف على أنها مراوغة، بمعنى فك الارتباط بين التقدم على الأرض والمشروع الإسلاموي الذي يتخوف منه الغرب، فإنّ الثانية تُعدّ ضربة للمشروع التركي ـ القطري، الذي يحتاج إلى الجماعة والإسلاميين لتسويقه، فيما الإسلاميون التقليديون يقفزون من السفينة، في وقت حرج للغاية بالنسبة إلى تركيا.

الجماعة وجدت نفسها في خضم مشروع ميليشيوي يختلف عن المشروع التنظيمي والفكري

والمراوغة التي يمكن أن تمنح تركيا الضوء الأخضر قبل شهرين، حين كانت لا تكف عن التهليل والتلويح، لن تُقبل عليها طوعاً في الوقت الذي تُهمّش فيه من المشهد، ويُحجَّم دورها بضغوط دولية عدة، ويضيق الخناق عليها بتعدد دوائر الحوار، ومن بين أبرز الفاعلين فيها غريمتها التقليدية مصر.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن عمر التربي مهندس الفوضى في ليبيا؟

وقد استضافت القاهرة حوارين منذ إعلان وقف إطلاق النار في ليبيا، في 21 آب (أغسطس) الماضي، أحدهما في الغردقة لبحث الشق العسكري، وكان قد مهّد لمناقشات جنيف في الفترة بين 21 إلى 24 تشرين (أكتوبر) الجاري وانتهت إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار وتثبيت الأول، كما استضافت حواراً في القاهرة خلال الشهر نفسه لمناقشة الشق الدستوري.

 

فاروق: الاستقالات من العناصر المحسوبة على الحزب تعكس تصدع الجماعة في ليبيا، ليس على مستوى التنظيم فحسب، بل على المستوى الفكري أيضاً

 

في غضون ذلك، يرى الخبير في الجماعات الإسلامية، عمرو فاروق، أنّ الاستقالات من العناصر المحسوبة على الحزب، تعكس تصدع الجماعة في ليبيا، ليس على مستوى التنظيم فحسب؛ بل على المستوى الفكري أيضاً.

وقال فاروق في تصريح لـ"حفريات": المشهد في مصراتة يحمل دلالة خاصة، إذ تُعد المدينة معقلاً للتنظيمات المسلحة، وتحتوي على كمٍّ كبير من السلاح، وكل من تركيا وقطر عملتا على تغذية الجانب المتطرف فيها، ما دفع بعض عناصر الجماعة إلى إجراء مراجعات.

اقرأ أيضاً: تركيا ممتعضة من مفاوضات جنيف ومحاولات لعرقلة المسار السياسي في ليبيا

وأوضح: عناصر الجماعة وجدوا أنفسهم في خضم مشروع ميليشيوي يختلف عن المشروع التنظيمي والفكري الذي تبنّوه في البداية، ما تسبب في ردة فكرية وتنظيمية، مسبباً انهياراً على المستوى الشعبي، حيث بات الليبيون يحمّلون الإسلاميين مسؤولية الانفلات الأمني في بلادهم ومسؤولية الميليشيات التي تُعد المشكلة الأكبر في ليبيا حالياً.

حلّ التنظيم في مصراتة فعل وازن ومؤثر

وأضاف: إنّ تلك الاستقالات تفقد الميليشيات الحواضن الشعبية التي تستند إليها، إذ إنها اعتمدت على تواجد الإسلاميين على الأرض في تلك المدن لتوفير الدعم، فيما يقفز الإسلاميون حالياً من ذلك المركب.

ولفت فاروق إلى أنّ ترتيبات المشهد الأخيرة تفكك المشهد بشكل كبير، وفي مقدمتها دخول فرنسا التي كانت لها اليد الطولى في استئناف المفاوضات بتحالفها مع دول الرباعي العربي لمقاطعة قطر (مصر والإمارات والسعودية والبحرين)، والعمل معاً على تحجيم النفوذ التركي والقطري في ليبيا. ويتابع: إنّ جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا سقطت مع أول اختبار حقيقي.

اقرأ أيضاً: قاعدة عقبة بن نافع.. "شوكة تركية" في قلب ليبيا

وفي السياق ذاته، اعتبر المحللون والمتابعون للشأن الليبي أنّ حلّ التنظيم في مصراتة فعل وازن ومؤثر، حتى لو كان من باب المناورة وإيهام الليبيين بوجود رغبة في الخروج من جلباب الغرياني. حيث تشير المعطيات بكلّ وضوح إلى تنافس محموم بين القيادات المحلية والقيادات المركزية للتنظيم لإعادة التموقع، سواء داخل الجماعة المهيمنة في غرب ليبيا أو في الساحة الليبية عموماً، بحسب ما أورده موقع "ميديا مونيتور".

الصفحة الرئيسية