الإرهاب الدولي في حقبة طالبان

الإرهاب الدولي في حقبة طالبان


16/09/2021

حسن أبو طالب

مع البداية الثانية لحقبة طالبان، سواء لأفغانستان أو لمحيطها الإقليمى المباشر، انتشرت موجة من التوقعات حول التحولات المرتقبة للتنظيمات الإرهابية، فى العديد من تحليلات مسئولى الاستخبارات فى واشنطن وبعض عواصم الغرب إضافة إلى موسكو، وأيضاً فى مقالات ودراسات الكثير من مراكز البحوث والدوريات الأكاديمية ذات الصيت فى الغرب وفى عالمنا العربى أيضاً.

هذا الكم الهائل من التوقعات يرجّح أن تتحول أفغانستان فى ظل حكم طالبان إلى دولة راعية للإرهاب، حيث توفر ملاذاً لبعض الجماعات المصنَّفة إرهابية عالمياً، من قبيل القاعدة أو جماعة حقانى، والتى تُعد بشكل أو بآخر جناحاً عسكرياً تابعاً لطالبان نفسها، لكن طالبان قد تجد نفسها فى خصومة كبرى مع فرع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المعروف بولاية خراسان، والذى يرى فى اتفاق طالبان مع الولايات المتحدة خيانة لقضية الجهاد ونشر الإسلام وفقاً لقناعات التنظيم عالمياً.

بعض التقارير الاستخبارية المسرّبة أمريكياً تتحدث أيضاً عن جماعات إرهابية صغيرة كانت منتشرة فى بعض مناطق أفغانستان فى العقد الماضى، ولكن القوات الأمريكية والدولية التى كانت موجودة منذ عقدين لم تستطع أن تقضى عليها، فضلاً عن أن تلك التنظيمات الصغيرة إما أنها كانت تنشأ تحت رعاية طالبان، أو أنها كانت تتحرك فى مناطق بعيدة عن سيطرة طالبان نفسها، ونظراً لأنها كانت تقوم بعمليات ضد القوات الأمريكية والجيش الأفغانى والحكومة السابقة، فكانت من الناحية العملية امتداداً لحرب طالبان ضد الحكومة والأمريكيين معاً.

على صعيد الأفكار فكل هذه التنظيمات، كبيرة أو صغيرة، تنطلق من تفسيرات سلفية وأصولية عنيفة، وترى نفسها معنية بنشر الإسلام عالمياً وإقامة سلطات وحكومات تطبق الشريعة وفقاً لقناعاتها السلفية، وفى الآن نفسه فهى تجاهد كل القوى والدول الخارجية التى تقف حائلاً دون تحقيق هذا الهدف الأسمى بالنسبة لها. وهنا يجتمع الهدفان الأساسيان وهما محاربة الداخل من أجل إسقاطه، ومحاربة الخارج من أجل تحييده كمرحلة أولى ثم استنزافه وإنهاكه كمرحلة ثانية، والانتصار عليه لاحقاً كمرحلة ثالثة وإلحاقه بالدولة الإسلامية الكبرى عند نشأتها.

على صعيد التطبيق والممارسة، توجد رؤيتان رئيسيتان، الأولى رؤية تتعلق بأسلمة المجتمع المحلى أولاً، ثم بناء الدولة أو السلطة الإسلامية كتعبير عن حاجة المجتمع بعد أسلمته وفق المفاهيم والتفسيرات التى تؤمن بها تلك الجماعات، وأبرز نماذج هذه الرؤية تنظيم القاعدة فيما بعد انهيارها كحركة مركزية يقودها بن لادن، بعد غزو الولايات المتحدة قبل عقدين لأفغانستان، ما حتّم عليها التحول إلى النمط الشبكى الذى يعطى للمجتمعات المحلية الأولوية فى ترسيخ وجود التنظيم وسيطرته، وكذلك طالبان التى تعتبر نفسها الآن معنية فقط بأسلمة أفغانستان وليس لديها طموح فى أن تحتوى أو تقود تنظيمات أخرى تستهدف العالم الخارجى.

وهناك جماعات أخرى تنتمى إلى الأسلوب ذاته، مثل بوكو حرام فى نيجيريا وحركة الشباب المسلم فى الصومال، والتنظيمات التى نشأت لفترة فى ليبيا لا سيما الغرب والجنوب، والجماعات المنتشرة فى الساحل والصحراء.

وهى جماعات كانت تنتقل من حيث الولاء ما بين القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» بعد ظهوره 2014، وحتى القضاء على دولته فى سوريا والعراق.

الرؤية الثانية فى التطبيق منسوبة إلى «داعش»، وجوهرها أن الانتظار حتى تتم أسلمة المجتمعات ثم بناء السلطة يمثل إهداراً للوقت، وأن الأولوية هى لبناء السلطة الإسلامية فى أى مكان يتم الاستيلاء عليه، وفرض نمط الأسلمة السلفية عليه بالقوة والإكراه، واستخدام كل أساليب القهر لإخضاع المجتمع للسلطة الإسلامية فى تلك الأرض، والتوسع إلى جوارها وصولاً إلى بناء الدولة الإسلامية الأم، ثم الانتشار عالمياً وبناء الخلافة.

هذان النمطان من التنظيمات الإرهابية موجودان قبل عودة طالبان إلى حكم أفغانستان، وسوف يستمران إلى ما بعدها. وحتى تنظيم الدولة (داعش)، ورغم هزيمة سلطته التى امتدت من الموصل فى العراق إلى الرقة فى سوريا لما يقرب من عامين وعدة أشهر، ما زالت لديه فروع تؤمن بالفكرة ذاتها فى مناطق أخرى، كتنظيم ولاية «خراسان» التى تعنى، وفق أدبيات التنظيم، أفغانستان ذاتها وأجزاء من باكستان وإيران وطاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان.

الجديد فى حقبة طالبان الأفغانية ليس وجود هذه التنظيمات أو اختفاءها، بل بأمرين أساسيين، الأول مدى تحول طالبان كسلطة حاكمة إلى مظلة لعدد من التنظيمات توفر لهم الحماية وتفتح لهم أبواب العمل فى مناطق مختلفة خارج أفغانستان.

والمؤكد أن علاقة طالبان بتنظيم القاعدة هى علاقة عضوية، منذ بيعة بن لادن ثم بيعة أيمن الظواهرى لزعيم طالبان، وهى البيعة التى تعنى ارتباطاً عضوياً وولاء بين الطرفين.

أما موضوع إفساح المجال للقاعدة للعمل فى الخارج، فهذا أمر غير مرغوب من طالبان فى الوقت الحاضر على الأقل، باعتبار أن العالم يراقب أفعالها، والحركة نفسها تريد الاعتراف الدولى كحكومة وسلطة.

الشىء الآخر أن القاعدة لم تعد تنظيماً مركزياً، بل شبكة من التنظيمات المنتشرة فى أكثر من بلد، ولا تُسأل طالبان عن أفعالهم أياً كانت.

ولذا تظل العلاقة بين طالبان وتنظيم «ولاية خراسان» هى العنوان الأبرز الذى ستدور حوله معركة بقاء التنظيم فى الأرض الأفغانية. إذ هناك خلاف أيديولوجى قد يحول دون التعاون بينهما، أو قبول «ولاية خراسان» الخضوع لحكومة طالبان.

على المستوى الدولى يبدو تأثير حقبة طالبان الرئيسى تأثيراً سيكولوجياً، أى تحولها إلى نموذج يُحتذى به فى استمرار الصراع والحرب أياً كانت الفترة الزمنية، وحتى تحقيق الهدف الأكبر، وهو إبعاد أى قوة أجنبية والاستيلاء على الحكم بالقوة.

وهو ما أشار إليه هبة الله خوند، زعيم طالبان، صراحة بعد أربعة أيام من الانسحاب الأمريكى. وهنا فالمواجهة مع هذه التنظيمات عليها أن تأخذ فى اعتبارها مسارين رئيسيين ومتكاملين، كالضغط المتتالى على طالبان لمنع تحويلها أفغانستان إلى ملاذ للحركات الإرهابية، والثانى العمل الجماعى على تجفيف كل منابع تلك التنظيمات، فكرياً ومالياً ودعائياً، فضلاً عن محاصرة عمليات التجنيد التى تقوم بها تلك الجماعات للشباب عبر شبكة الإنترنت، وإغلاق كل مواقعها الإلكترونية أولاً بأول.

وحتى اللحظة لا توجد مؤشرات جدية على أن العالم المُستهدف يدرك طبيعة التحولات التى ترتبط بحقبة طالبان الأفغانية، والتى تتطلب مواجهة جماعية جديدة وذكية وفعالة، لكنها ما زالت غائبة.

عن "الوطن"

الصفحة الرئيسية