الإمارات.. درس وأخلاق "الحضور"

الإمارات.. درس وأخلاق "الحضور"

الإمارات.. درس وأخلاق "الحضور"


02/05/2023

جمال الحربي

شيئا فشيئا، ولبنة تلو أخرى يتم البناء، وتتم ترجمة المفاهيم الأخلاقية لأيّ مجتمع حتى تكتمل صورته ويفهم العالم روحه ومضامين رسالته التي تترجم دوره الفاعل نحو الداخل والخارج.

كانت الإمارات نتيجة روح وأخلاق رجل عظيم، جاء في وقت كان العالم فيه منكبّا على كتابة وتنقيح دساتيره وقوانينه منذ الحرب العالمية الثانية التي أطلقت فوضى عالمية لم يكن من الممكن تجاوزها دون سن قوانين أخلاقية جديدة للعالم.

وكان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، قد رأى كل تلك التحولات التالية التي أعقبت الحرب المدمرة، لكن لم يرها بعيني جنرال منتصر، ولا بعيني زعيم طامع يريد توسعة أراضيه، كانت رؤيا مختلفة تماما عما هو سائد ودارج في عالم ذلك اليوم.

ولقد اعتلت الدهشة المحيط الخليجي، والإقليمي والعالمي لبرهة، حين خرج الشيخ زايد من تحت نخلة كان يستظل بها في واحات “ليوا” حيث كان يدير شؤون أسرته الكبيرة في أبوظبي، ليطرح مشروع الاتحاد الذي لم يكن يدور في خلد أيّ أحد حوله حينها.

رأى الشيخ زايد الأمم تتحد، والتحالفات تبنى وتتسع وتندمج في شتى المعمورة، وأدرك أن قوته ووجوده لن يتمّا دون أن ينسج هو ومن معه قصتهم، القصة التي انتهت بتأسيس الدولة، دولة آمنت بنفسها وبالدور الذي يمكنها القيام به في محيطها.

كان الجزء الملهم من القصة، هو دستور هذه الدولة، أو بالأصح فلنطلق عليه “دستور زايد”، الذي استمده من أخلاق واحته، ومن ضميره الإنساني الحادب على أهله وعلى جيرانه، الدستور الذي لن نلبث كثيرا حتى نرى إشراقاته في هذا الاتحاد الذي اتحد حول رؤية الشيخ زايد واعتصم بأخلاقه وأصالته لتكون مجدافا لرحلة الإبحار الطويلة التي سيتبلور فيها هذا الاتحاد إلى كيان ذي اعتبار، سيرى العالم قريبا إلى أي مدى سيسهم في مداواة جراح العالم وتسكين آلامه.

مضى الشيخ زايد بعد أن رفع خيمته بأعمدة صلبة متينة هي خلاصة “العقيدة” التي زرعها في وجدان أبنائه ومن حوله، العقيدة والأخلاق والمصير الذي يترجم رؤيته التي جعلت الإمارات تصبح ما هي عليه اليوم.

وفي أحدث مشهد للدولة التي أصبحت ملء السمع والبصر، وحديث العالم، بعد أن أصبح اسمها يحتل ويتصدر عناوين الأخبار في العالم، بفضل دورها الفاعل والإيجابي في الحدث العالمي الكبير، كان لا بد أن يظهر لها أعداء ومناوئون كما جرت العادة الأزلية، إذ لا يرجم الناس شجرة غير مثمرة.

وهكذا، وبسبب الأحداث العالمية الجسيمة والخطيرة، والتي نهضت قيادة الدولة ممثلة في رئيسها الشيخ محمد بن زايد، وريث ووصي رؤية زايد، والذي تجلت الدولة على يديه بعد أن تجاوزت طور البناء الداخلي إلى المشاركة والمساهمة عالميا، لترسيخ قدم الدولة في الجسم السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي للعالم، لتصبح بفضل تلك السياسة عضوا في نادي الكبار وجزءا من الطاولة المستديرة لهم في كل محفل.

بفضل هذا القائد الفذ الذي تشرّب مبادئ المؤسس، والذي بفضله انطلقت الدولة نحو مستقبل حدوده ما بين الأرض والفضاء، كان للإمارات حضورها البارز والإيجابي والقوي في العالم في شتى الأزمات والمحن والكوارث التي وقفت فيها الدولة منقذا ومنجدا، تجلي المتضررين وتؤوي المشردين وتسعف الجرحى وتداوي المرضى، فاتحة مطاراتها ومستشفياتها ومساكنها لضحايا الأزمات.

فوفرت جرعات الدواء لضحايا كورونا، وفتحت مطاراتها حين أغلق العالم مطاراته أمام اللاجئين في أفغانستان، وأغاثت الطلاب العرب في ووهان، وأطلقت الأسرى ونجدت المحاصرين في الحروب، وأخرجت ضحايا الزلازل من تحت الأنقاض ومن أغرقتهم الفيضانات.

كل ذلك، دون منّة، ولا ضجيج، ولا بحثا عن مدّاحين، ولا حفلات إعلامية تصحب تلك الإنجازات، بل عمل دؤوب لا يعرف الكلل ولا التوقف، لا يزداد مع الأيام إلا ازديادا ونموا. فاقترنت الأحداث الكبيرة والمصائب باسم الدولة التي أصبحت إسعافا للعالم وصيدلية لأزماته.

هذا السلوك الإنساني والحضاري الذي أصبح سمة وعنوان فخر لدولة الإمارات وأبنائها، كان له الأثر العظيم في صناعة صورة نمطية عظمى لإنسان الإمارات في العالم، فأصبح الإماراتي عنوانا للتسامح والتعايش، ففتح العالم لجواز سفره أبواب مطاراته، ورفع عنه القيود، وفتح هو للعالم أبواب وطنه ليشاركوه في نعيم إنجازاته ورخائه.

ولا غرو، أن نجد المنافقين وعديمي الضمير، ومواكب الفاشلين ومن يقف وراءهم ومن يموّلهم ويصفّق لهم، يحاولون في كل مناسبة أيا كانت في الأرض أو الفضاء، أن يرجموا الإمارات بحجارتهم الصدئة، دون أن يعرفوا أن الإماراتي المهموم والمشغول بالمستقبل والمشاركة في صناعة عالم أفضل لنفسه ولمحيطه وللعالم، لا يمكنه سماع صرخات اليأس وبكاء وعويل من توقفت بهم عجلة التاريخ، ومن ليس بوسعهم دخول نادي النجاح العالمي.

فالدولة وسكانها من مواطنين، وغيرهم ممن اتخذوها وطنا، لا ينظرون إلى الوراء، قدر ما ينظرون إلى مستقبل مشرق، يشاركون فيه العالم نجاحاته، ويداوون فيه جراحاته.

وقد أدرك العالم، أن ذلك النهج هو دستور وضمير هذه الدولة منذ تأسست، وهو ما أكده قائدها بكلمته التي أطلقها حين جثم الظلام على العالم وحكم اليأس القلوب، فقال “لا تشلون هم”.. الكلمة التي قيلت لتستظلّ بها الإمارات، لكنها أصبحت تظلّ العالم وتستجيب لصرخته.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية