الاحتلال الإسرائيلي جعل سلوان المقدسية "حدائق توراتية" للاستيلاء عليها

الاحتلال الإسرائيلي جعل سلوان المقدسية "حدائق توراتية" للاستيلاء عليها


07/07/2021

هجمة شرسة وحملة تصعيدية غير مسبوقة تنتهجها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحقّ عائلات بأكملها تسكن عدة أحياء ببلدة سلوان، الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك، لطرد سكانها واستهداف الوجود الفلسطيني في مدينة القدس.

 الاحتلال يسعى إلى تغيير معالم سلوان وهويتها العربية، في امتداد طبيعي لعملية التطهير العرقي التي تطال المقدسيين، والتي تستكملها الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينت، للاستمرار في تغوّلها الاستعماري وتنفيذ مخططاتها الاستيطانية بالمدينة المقدسة.

وتنظر المحاكم الإسرائيلية في قضية ملكية عقارات لما يقرب من 800 فرد يشكّلون 78 عائلة عربية في سلوان، والتي كانت تحت الحكم الأردني حتى عام 1967، في حين يعدها اليهود جزءاً من "حديقة الملك" المشار إليها في التوراة. 

متظاهرون فلسطينيون يسيرون في موكب جنائزي رمزي في حي سلوان في القدس المحتلة - (ا ف ب)

وفي عام 1974، أصدرت حكومة الاحتلال قانون الحدائق الوطنية، كواحد من القوانين التنظيمية التي يراد بها تسهيل تطبيق سياستها الاستعمارية في مدينة القدس المحتلة بالتحديد، وقد استغل الاحتلال القانون ليحدد أراضي ومساحات كبيرة من بلدة سلوان كـ "حدائق توراتية"، معرّضاً أهلها لخطر التهجير والهدم، منذ صدور القرار إلى يومنا هذا.

ووفقاً لتقرير لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، في 26 أيار (مايو) الماضي، تعمل منظمة "عطيرت كوهانيم" اليهودية على إخراج السكان العرب من المنطقة من خلال دعم دعاوى قضائية متفرقة عبر فترات زمنية مختلفة يرفعها مستوطنون، يستندون إلى أنّ أراضي بسلوان كانت مملوكة بشكل شرعي لصندوق استثمار يهودي نشط في المنطقة منذ أكثر من 100 عام. 

سلطات الاحتلال تجبر المقدسيين على هدم منازلهم بشكل ذاتي، وفي حال الرفض تقوم جرافات الاحتلال بهدم المنزل أو العقار مع تحمل صاحبه التكلفة المالية لهدمه

وتشير منظمة العفو الدولية، في تقرير لها في 25 أيار (مايو)، إلى أنّ القوانين الإسرائيلية تمكّن اليهود من الادعاء أمام المحاكم ومحاولة إثبات ملكيتهم لأصول من عقود مضت، في حين لا يسمح للسكان العرب بالحقّ ذاته، وتمنع الذين خرجوا من أراضيهم وممتلكاتهم بعد عام 1948 من العودة لبيوتهم. 

 ووفقاً لنتائج دراسة أعدها "مركز بتسيلم الإسرائيلي لحقوق الإنسان"، فقد قُسِّم حيّ بطن الهوى في سلوان إلى نحو 50 قسماً، تسعة منها نُقلت إلى "عطِيرِت كوهَنيم"، وخمسة أخرى يسكنها المستوطنون بشكل فعليّ، وحتى الآن، قدّمت جمعية "عطِيرِت كوهَنيم" دعاوى إخلاء ضدّ 81 أسرة، وفرضت بلدية الاحتلال في القدس على عائلتين فلسطينيّتين غرامات مالية، وأصدرت أوامر هدم لقسم من مسكن كلّ واحدة منهما، بحجّة دخول أراضٍ تملكها الجمعية الاستيطانية.

القوانين الإسرائيلية تمكّن اليهود من الادعاء أمام المحاكم ومحاولة إثبات ملكيتهم لأصول من عقود مضت

ووفقاً لمعطيات منظمتي "السلام الآن" و"عير عَميم" الإسرائيليتين، فقد حصلت قفزة من (2009 إلى 2016) بنسبة 70٪ في عدد المستوطنين الذين يعيشون في الأحياء الفلسطينية في البلدة القديمة في القدس، كذلك، حصلت زيادة بنسبة 39٪ في عدد من مجمّعات البناء الاستيطانية الجديدة لليهود في الأحياء الفلسطينية شرقيّ القدس.

اقرأ أيضاً: الخلافات السياسية الفلسطينية تؤخر عملية إعادة إعمار غزة؟

وخلال تلك الفترة، أُخليَ 68 منزلاً في حيّ الشيخ جراح وسلوان والحيّ الإسلامي من الأُسَر الفلسطينية، منها 55 منزلاً أخليت في السنوات القليلة الماضية، وفقاً لمعطيات الأمم المتحدة، بينما رفع المستوطنون دعاوى إخلاء ضدّ ما لا يقلّ عن 180 أسرة فلسطينية في جميع أنحاء القدس، وغالباً ما تستند هذه الدعاوى إلى ادّعاءات الملكية على المباني وفقدان المستأجرين الفلسطينيين مكانتهم كمستأجرين محميّين.

نكبة فلسطينية جديدة

بدوره، يقول عضو لجنة الدفاع عن أراضي بلدة سلوان والناشط المقدسي، فخري أبو دياب، في تصريح لـ "حفريات": إنّ "ما يحدث في أحياء مختلفة من بلدة سلوان هي نكبة فلسطينية جديدة على مدينة القدس بشكل عام وسلوان بشكل خاص، كون سلوان هي البلدة المقدسية الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك من الجهة الجنوبية الشرقية، إضافة إلى احتوائها على العديد من الكنوز الأثرية، والتي تظهر هويتها الحضارية والإسلامية".

فخري أبو دياب

وبيّن أبو دياب: "الاحتلال الإسرائيلي يصعّد من هجماته المستمرة ضدّ سكان البلدة التي تعدّ من الأكثر الأحياء السكنية كثافة، لطرد سكانها وتهجيرهم قسراً، للمضي قدماً في عملياته التهويدية تحت الأرض وفوقها في داخل المدينة المقدسة، لفرض وقائع جديدة على الأرض، وتزييف الحقائق لتحاكي أحقية الصهاينة في الاستيلاء والسيطرة عليها"، مشيراً إلى أنّ "البلدة تضمّ 78 بؤرة استيطانية يسكنها 2800 مستوطن إسرائيلي متطرف".

اقرأ أيضاً: حماس وإسرائيل ولُعبتهما الفاسدة: فلسطين تحتاج إلى انتخابات ديمقراطية

وأكد أبو دياب؛ أنّ "مساحة سلوان تقدَّر بـ 5640 دونماً، وتضمّ 12 حياً، من بينها 6 أحياء مهددة بالهدم الكلي من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وهي أحياء وادي حلوة، وبطن الهوى، ووادي الربابة، والبستان، وعين اللوزة، ووادي ياصول، وهي أحياء يستغلها الاحتلال لحفر أنفاق أسفلها، لزعزعة أساسات المسجد الأقصى المبارك، وكذلك لتنفيذ العديد من المشاريع التهويدية لإقامة حدائق توراتية ومشروع القطار الهوائي وغيرها من المشاريع الاستيطانية".

صراع أيديولوجي

وأوضح أنّ "الاحتلال يحاول إظهار للعالم أنّ ما يحدث بسلوان هو نزاع قانوني قضائي، في حين أنّ الأمر هو سياسي بحت، وهو صراع أيديولوجي على المدينة المقدسة، لتنفيذ أكبر حملة تطهير عرقي لسكانها، بهدف تغيير التركيبة السكانية والهوية العربية لمدينة القدس"، موضحاً أنّ "هناك أحياء في سلوان تمّ بناؤها قبل أكثر من 100 عام، أي قبل الاحتلال الإسرائيلي للقدس".

اقرأ أيضاً: بماذا يشعر فلسطينيو غزة بعد كلّ حرب؟

ولفت أن "بلدية الاحتلال قامت باستصدار 6800 أمر هدم لمنازل وعقارات المواطنين بحي سلوان، في حين يتهدّد 40% من منازل الحي الهدم بحجة البناء دون ترخيص، وهي ادعاءات كاذبة يقوم الاحتلال بترويجها لمحاصرة المسجد الأقصى ضمن مشروع ما يسمى "بالحوض المقدس"، الذي يمتد من حي الشيخ جراح وحتى بلدة سلوان".

رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهجير، ناصر الهدمي لـ"حفريات": بلدية الاحتلال تسعى لابتزاز المقدسيين، مستغلة بعض الثغرات لدى عدد من السكان الذين لا يمتلكون أوراقاً ثبوتية لبيوتهم

ووفق الناشط المقدسي؛ فإنّ "الصمت الدولي نحو ما يجري في حي سلوان والمدينة المقدسة، على الرغم من الوقفات التضامنية التي جرت مؤخراً في حي البستان من قبل دبلوماسيين وممثلي عن عدد من الدول الأوروبية، يبين الازدواجية التي تتبعها تلك الدول في التعامل مع القضية الفلسطينية، وهو ما يعطي الضوء الأخضر للاحتلال للتمادي في اعتداءاته بحقّ سكان مدينة القدس، في مخالفة واضحة للقانون الدولي".

هجمة شرسة

وحذّر رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهجير، ناصر الهدمي، من الهجمة الشرسة والكبيرة التي تتعرض لها أحياء واسعة من مدينة القدس، كحيّ الشيخ جراح وسلوان والعيسوية وغيرها، تحت إطار ما تسميه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم البيوت لعدم حصولها على تراخيص للبناء"، مشيراً إلى أنّ "السلطات الإسرائيلية جعلت حصول المقدسيين على رخص البناء عملية شبه مستحيلة، وينتظر المقدسيين أعواماً طويلة لتقوم بلدية الاحتلال بالنظر بالطلبات المقدمة، مع إرهاقهم بدفع المزيد من الأموال، وهي إجراءات تهدف بالدرجة الأولى لمنعهم من البناء على أراضيهم، لمصادرتها وتحويلها إلى بؤر استيطانية".

 ناصر الهدمي

ويضيف الهدمي، لـ "حفريات": "عمليات الهدم في سلوان وغيرها من الأحياء المقدسية سياسة ليست بالجديدة، حيث عمدت دولة الكيان لوضع هذه السياسات منذ اللحظة الأولى لاحتلال مدينة القدس، لتزوير الوقائع والحقائق على الأرض، من خلال إقامة العديد من الحدائق التوراتة، تحديداً في حيّ البستان المقدسي، وحفر العديد من الأنفاق تحت البلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك".

اقرأ أيضاً: دمرت إسرائيل منزله 4 مرات: فلسطيني تحوّل لضيف دائم على مدارس الأونروا

ولفت إلى أنّ "بلدية الاحتلال تسعى دوماً إلى ابتزاز السكان المقدسيين، مستغلة بذلك بعض الثغرات لدى عدد من السكان الذين لا يمتلكون أوراقاً ثبوتية لبيوتهم وعقاراتهم، وذلك لمصادرتها والاستيلاء عليها، بذريعة عدم وجود تراخيص للبناء"، مؤكداً أنّ "إحصائيات بلدية الاحتلال بالقدس توضح أنّ هناك ما بين 25 إلى 30 ألف وحدة سكنية تمّ بناؤها دون الحصول على تراخيص مسبقة".

هدم المنازل ذاتياً

وتابع الهدمي: "بلدية الاحتلال كان من بين خططها هدم ألف وحدة سكنية وعقار مقدسي خلال العام الواحد، إلا أنّها لم تستطع هدم أكثر من 100 عقار ومنزل، وهو ما دفع بسلطات الاحتلال لإجبار المقدسيين على هدم منازلهم بشكل ذاتي، وفي حال الرفض تقوم جرافات الاحتلال بهدم المنزل أو العقار مع تحمل صاحبه التكلفة المالية لهدمه، لذلك تدفع السلطات الإسرائيلية المقدسي لهدم منزله بيديه، للتأثير على الروح المعنوية لكافة سكان القدس".

اقرأ أيضاً: "الثورة الفلسطينية واليهود": استعادة لتاريخ الصراع

وبسؤال الهدمي عن إمكانية استغلال الاحتلال الإسرائيلي عمليات التسريب الأخيرة لبعض المنازل والعقارات سياسياً لحرف البوصلة عن الصراع الحقيقي للمقدسيين مع الاحتلال، بيّن أنّ "التسريبات التي تحدث هي حالات شاذّة ولا تعبّر عن عموم المجتمع المقدسي، وهي أفعال مرفوضة اجتماعياً ووطنياً وأخلاقياً، ويلجأ إليها الاحتلال بعد إغراق بعض السكان بالديون المالية الباهظة لبلدية الاحتلال، والذين يتمّ إجبارهم على دفع عدة ضرائب؛ كضريبة الأرنونة والدخل والقيمة المضافة، إضافة إلى إرهاقهم بالغرامات المالية والديون الربوية، التي من شأنها أنّ تزيد الضغوط النفسية، وتفاقم الأوضاع المادية لدى المقدسيين، وبالتالي استغلالهم من قبل الجمعيات الاستيطانية لتسريب عقاراتهم ومنازلهم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية