التعليم الديني الموازي يثير جدلاً متواصلاً في تونس

التعليم الديني الموازي يثير جدلاً متواصلاً في تونس


19/06/2022

خالد هدوي

يتواصل الجدل بشأن استمرار نشاط التعليم الديني الموازي في الأوساط التونسية، عبر الجمعيات والمعاهد وفروع التنظيمات الإسلامية والترويج لأفكار دينية متطرفة تتعارض مع الثقافة الدينية وقيم الدولة المدنية في البلاد، وسط دعوات المراقبين إلى ضرورة تدخّل الدولة، ومراجعة طرق إسناد التراخيص لممارسة نشاطها.

وأفاد حسام الحامي، المنسق الوطني لـ”ائتلاف صمود” أن “حوالي أربعة آلاف جمعية ومدرسة قرآنية ومعاهد شرعية وفروع لتنظيمات إسلامية على غرار الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لا تزال تواصل نشاطها في تونس في صمت، رغم التراجع الملحوظ للعمليات الإرهابية ولمظاهر تلك الأنشطة خاصة بعد الخامس والعشرين من يوليو”.

وقال الحامي في تصريح صحافي، على هامش ندوة وطنية نظمها “ائتلاف صمود” بالعاصمة تحت عنوان “التطرف والاستقطاب: الآثار الاجتماعية والمخاطر”، عن استغرابه من “عدم اتخاذ السلطة التنفيذية أيّ إجراء تجاه هذه المدارس والجمعيات القرآنية المنتشرة في كامل تراب الجمهورية وعدم التدقيق في مصادر تمويلاتها وطبيعة أنشطتها”.

وأكّد أن “30 مراقبا فقط يتبعون الوزارات المتدخلة يتولون مراقبة أنشطة هذه المدارس والمعاهد والجمعيات أو فروع التنظيمات الإسلامية”، داعيا إلى توحيد الجهة المانحة للتراخيص لمثل هذه الأنشطة على أن تتولى هذه المهمة وزارة واحدة وتحت قانون واضح محدد، مع ضرورة فرض مراقبة حقيقية وجدية على تلك الأنشطة”، مشيرا إلى أن “ائتلاف صمود” سيعمل بالتعاون مع المنظمات الوطنية والأحزاب السياسية على صياغة مقترحات للحد من التأثيرات الخطرة لهذه المظاهر.

بدوره، أفاد الباحث رضا التليلي، أنه يوجد بتونس ما يقارب 1800 كتّاب تابع لوزارة الشؤون الدينية، وحوالي 600 مدرسة قرآنية تتبع الرابطة التونسية للدفاع عن القرآن الكريم و300 جمعية قرآنية إسلامية، و600 مدرسة قرآنية تابعة لجمعيات خيرية، فضلا عن مدارس قرآنية عشوائية.
وقدر المتحدث أن عدد المستفيدين من هذه المدارس والمعاهد والجمعيات القرآنية غير المراقبة بالشكل المطلوب يصل إلى 55 ألف منخرط في تونس العاصمة فقط.

وأضاف التليلي “باستثناء الكتاتيب القرآنية الخاضعة لبرنامج تعليمي مقترح من قبل وزارة الشؤون الدينية، فإن بقية الانشطة لتعليم القرآن والدين لا تخضع لتراتيب بيداغوجية واضحة ولا تتم مراقبتها كما يجب”، مشيرا إلى أن “عملية المراقبة متشعبة ومشتتة بين عدة وزارات وهياكل ومنها ما يخضع للجمعيات مباشرة، أو هي موزعة بين وزارات التربية والشؤون الاجتماعية والمرأة والأسرة والشؤون الدينية والتكوين والتشغيل”.

وعرفت تونس خلال العشرية الماضية وضعا خطرا جدا في علاقة باستقطاب الأطفال والشباب عبر الجمعيات والمدارس الدينية، فضلا عن تنامي مخاطر التطرف والإرهاب والتكفير والسفر نحو بؤر التوتر.

وتنشط هذه الجمعيات تحت يافطة العمل الخيري، وتعمل على اختراق النسيج الاجتماعي وتقديم نفسها سندا للمواطنين.

وأكّد كريم شنيبة المتخصص في الحركات الدينية أن “التعليم القرآني في تونس هو المدرسة التقليدية التي استمرت إلى الاستقلال حيث تم إنشاء المدرسة العمومية مع الإبقاء على الكتاتيب كمؤسسات تعليمية لسنوات ما قبل الدراسة ومع ثورة 2011 أصبح التعليم القرآني منقسما إلى ثلاثة أقسام، وهي التعليم النظامي المتمثل في الكتاتيب، والتعليم شبه النظامي المتمثل في الرابطة التونسية للمحافظة على القرآن الكريم وهي تعمل تحت رقابة الدولة، والتعليم الحر المتمثل في عدد كبير من الجمعيات التي تعتني بتحفيظ القرآن وتشكل هذه الأخيرة نسيجا منتشرا في جميع المناطق تقريبا”.

وأضاف أن “ضعف إمكانية الرقابة والمتابعة من طرف الجهات الرسمية سواء للبرامج التعليمية أو للفئات العمرية من شأنه أن يوفر المناخ لوجود إخلالات وتجاوزات كبيرة منها:

اختلاط الفئات العمرية وعدم مراعاة الفصل حسب السن، وعدم مطابقة المادة المقدمة للتلاميذ مع المصرّح به، فضلا عن اعتماد أساتذة ومدرسين بمؤهلات شبه مجهولة وضرب الهوية الفقهية التونسية الزيتونية من خلال نشر مذاهب أخرى”.

وأشار شنيبة إلى “تقصير الجهات الرسمية في توفير الفضاءات والكفاءات للقيام بمهمة تعليم القرآن من أجل قطع الطريق على كل محاولات اختراق المجتمع وضرب وحدته الفقهية والمذهبية”.

وذكّر بأن “العديد من الجمعيات تمارس أنشطتها داخل الفضاءات العمومية مثل المساجد وبتراخيص من وزارة الشؤون الدينية”.

وطرحت ممارسة نشاط التعليم الديني الموازي مسألة مدى قدرة مؤسسات الدولة وهياكلها على مراقبة المضامين والمناهج المتبعة، فضلا عن الانتشار اللافت للمدارس القرآنية والدورات التكوينية في البلاد بعد ثورة يناير 2011.

وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت ” هناك التعليم الديني في تونس كما هو الشأن في فرنسا وغيرها من البلدان، لكن يجب أن تظل هذه المؤسسات تحت رقابة الدولة والأجهزة والأطر البيداغوجية والهياكل التي تمنح لها التأشيرة”، متسائلا “أين الدولة؟”، مؤكدا “أي مدرسة تمارس هذا النشاط ولم تتحصل على ترخيص رسمي من وزارة التربية والدولة يفترض أن تغلق”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الرقابة ليست فقط بيداغوجية، بل تشمل كذلك المضامين والمناهج، ولاحظنا أن هذه المدارس انتشرت بسرعة بعد 2011، في إطار أسلمة المجتمع أو الأدلجة الإسلامية للمجتمع، والغاية الأساسية كانت المراهنة على الأجيال الصاعدة لكسب معركة المستقبل أمام تراجع المنظومة التربوية للبلاد”.

وتابع ثابت “من الضروري أن ننتبه بأن التعليم ذا الصبغة الدينية ليس ممنوعا، بل يجب تقنينه، ولو تواصلت حالة الفوضى بهذا الصنف أو بصنف آخر من التعليم غير المراقب، يمكن أن ينتج وحوشا بشرية، ومن الضروري أن تكون المدارس في مستوى المواصفات المتفق عليها والصيغ القانونية والإدارية اللازمة”.

وأردف ” مدينة القيروان (وسط)، يمكن أن تتحوّل إلى جامعة للعلوم الإسلامية وقطب في العالم الإسلامي، وتدرّس الحضارة والفلسفة والفكر الإسلامي، وعلينا أن نفرض عملية التنوير في هذا المنهج، وضروري أن يكون هناك مجلس أعلى للتربية لمراقبة وتوجيه السياسات التربوية”.
وفي وقت سابق، أماطت قضيّة المدرسة القرآنية في منطقة الرقاب (جنوب - غرب) الغطاء عن وجود تعليم ديني يمارس خارج الأطر القانونيّة، وذلك في غياب تشريعات تنظّم تأسيس مدارس تعنى بالشأن الديني.

وتم إنشاء المدرسة كجمعية تربوية من أجل تنظيم دورات لتحفيظ القرآن، فيما أوضحت وزارة الداخلية في بيان لها، أن وحدات أمنية عثرت في المدرسة “على 42 شخصا تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاما و27 راشدا بين 18 و35 عاما، تبين أنهم يقيمون مختلطين بنفس المبيت في ظروف لا تستجيب لأدنى شروط الصحة والنظافة والسلامة وجميعهم منقطعون عن الدراسة”. كما أفادت بأنهم يتعرضون للعنف وسوء المعاملة ويتم استغلالهم في مجال العمل الزراعي، وأشغال البناء ويتم تلقينهم أفكارا وممارسات متشددة.

ويرى مراقبون أن تلك الأنشطة الجمعياتية والتربوية، وجدت بهدف تغيير نمط المجتمع وسلوكاته وفقا لأيديولوجيا معينة، وتخليصه من قيم الدولة المدنية التي تراهن على التعليم في أبعاده الاجتماعية والتربوية الشاملة.

وقال رئيس الائتلاف الوطني التونسي ووزير التربية الأسبق، ناجي جلول إن “الهدف من وجود تلك الجمعيات والمدارس هو أخونة المجتمع التونسي، وهي ظاهرة أيضا كانت موجودة قبل 2011، وهذه الجمعيات تتغطى بالدين، ولا يوجد لليوم نص واضح ينظّمها، كما أن لها ارتباطات خارجية مع عدد من البلدان”.

وأضاف لـ”العرب” أن “جمعيات المحافظة على القرآن الكريم تمّ اختراقها، والنسيج الجمعياتي في تونس عموما مخترق، وتم وضع كل الجمعيات الناشطة تحت يافطة النشاط الديني”.

وأكّد ناجي جلول أن “هذه الجمعيات التي تغلغلت في المجتمع نجحت نسبيا في أخونته”، داعيا إلى “ضرورة غلق هذه الجمعيات أو إعادة تأسيسها على قواعد صحيحة، لأن المجتمع المدني مخترق”.

وشهد عدد المدارس القرآنية ارتفاعا ملحوظا في فترة حكم الترويكا بزعامة حركة النهضة الإسلامية (من سنة 2011 إلى 2014) والتي اتسمت بضعف الرقابة، مما أتاح بث مواد تعليمية فيها تعتبر متطرفة للأطفال.

وأصبحت المدارس القرآنية تهدد نظام التعليم بالبلاد بشقيه العمومي والخاص، إذ أنها تلقن التلاميذ مواد غير خاضعة للرقابة في تجاوز علني للمناهج الرسمية لوزارة التعليم، كما أنها تروج للفكر المتطرف وتحرضهم على العنف مستفيدة من مناخ الحرية الذي تحقق بعد 2011.

عن "العرب" اللندنية

الصفحة الرئيسية