السقوط الحرّ لليرة التركية

السقوط الحرّ لليرة التركية


23/08/2020

ترجمة: محمد الدخاخني

إنّ المثل القائل: "لا يمكنك الاحتفاظ بكعكتك وتناولها في الآن نفسه" يتجلى بشكل واضح، حالياً، في الأزمة الناشئة للعملة التركية، والتي شهدت، حتى وقتنا هذا، خسارة الليرة بنسبة 19% مقابل الدولار الأمريكي، حيث تراجعت الليرة إلى 7.3660 للدولار الواحد، وهو ما يعني تراجعها دون أدنى مستوى وصلت إليه على الإطلاق، عند 7.3650 للدولار الواحد، والذي كانت قد سجلته الأسبوع السابق.

خلال التراجع الاقتصادي الأخير، أوائل 2019، عانى أردوغان أكبر هزيمة له في الانتخابات، عندما فقد حزبه السيطرة على البلديات الكبرى، بما في ذلك عاصمة البلاد، أنقرة، ومركزها التجاري، إسطنبول

رغم انخفاض عملات الأسواق الناشئة في كافة الأنحاء مع استقرار الدولار على خلفية البيانات القاتمة القادمة من الصين؛ فإنّ العملة التركية كانت الأسوأ أداء إلى حدّ بعيد؛ لأنّ الإجراءات غير الرسمية التي اقترحها البنك المركزي لتحقيق الاستقرار في الليرة أثبتت أنّها مؤقتة فقط.

وتنتاب المستثمرين حالة قلق من مخاطر ارتفاع التضخم؛ بل ومن حصول أزمة في ميزان المدفوعات، وتتزايد المخاوف أيضاً بشأن احتياطيات العملة المستنفدة والتدخلات المكلفة للعملات الأجنبية واتجاه الأتراك لشراء العملات الأجنبية.

الطريق إلى الجحيم

خلال هذا العام، حاول الرئيس، رجب طيب أردوغان، دعم النمو التركي المتعثر بسياسة اقتصادية ذات شقّين، تحاول الوصول إلى أسعار منخفضة وإلى عملة مستقرة، وحتى قبل انتشار مرض "كوفيد-19" على مستوى العالم، شرع البنك المركزي التركي في تسهيل الظروف النقدية من خلال برنامج لشراء الديون الحكومية.

وقد جاء البرنامج بعد أن أقال أردوغان رئيس البنك المركزي السابق، مراد جيتينكايا، في تموز (يوليو) من العام الماضي، الذي قاوم سياسة الرئيس التي استهدفت النموّ بأيّ ثمن، بدافع القلق من أنّ الاقتصاد قد يتعثّر أكثر من اللازم، في نهاية عام 2019.

وعندما بدأ الوباء العالمي يضرب تركيا بالكامل، في نيسان (أبريل)، قام البنك المركزي بتسريع جهوده للحفاظ على تدفق الائتمان عبر الاقتصاد من خلال خفض أسعار الفائدة، من 12% في نهاية العام الماضي إلى 8.25% في أيار (مايو).

اقرأ أيضاً: زيارة أردوغان للدوحة: المأزق الليبي وانهيار الليرة التركية والمخفي أعظم

ومع ذلك؛ فإنّ "النوايا الحسنة" للرئيس لإنقاذ القارب الاقتصادي غذت نوبة ائتمانية، شهدت ارتفاعاً في نمو القروض بنسبة 40% في الأشهر الثلاثة الماضية، والذي بلغ ذروته في أيار (مايو) عند 50%، وهو أسرع معدّل لنموّ القروض منذ عام 2008.

وقد أجّج انفجار الائتمان، بما في ذلك القروض الأرخص للأسر والشركات، التضخم المحلي الذي كان يقف بالفعل عند 11.76%، في تموز (يوليو)، عاماً بعد عام، وفي الوقت نفسه؛ ارتفعت الحاجة إلى العملات الأجنبية تماشياً مع ارتفاع الواردات، ما أدّى إلى زيادة ضعف العملة التركية.

اقرأ أيضاً: "الإيكونوميست": هكذا يتخبط أردوغان في إنقاذ الليرة التركية

علاوة على ذلك، تأتي عمليات بيع الليرة في الوقت الذي تكسب فيه البلاد دولارات ويوروات أقل، بسبب انخفاض كبير في السياحة، وتراجع الصادرات في خضمّ جائحة الفيروس.

تدخّل هائل

منذ ظهور أولى بوادر المتاعب على الليرة، في وقت سابق من هذا العام، قام البنك المركزي التركي بإنفاق مليارات الدولارات لوقف نزيف العملة؛ فوفق تقدير بنك الاستثمار الأمريكي، غولدمان ساكس، فإنّ البلاد أنفقت 65 مليار دولار (55.2 مليار يورو) هذا العام على إدارة عملتها، ونتيجة لذلك؛ انخفض إجمالي احتياطيات العملة الخاص بها بأكثر من الثلث هذا العام، أي إلى 49.2 مليار دولار، اعتباراً من 17 تموز (يوليو)، وهو يقف عند 89.5 مليار دولار، بما في ذلك الذهب.

ما يزيد الأمور سوءاً أنّ البنك المركزي لم يستخدم فقط احتياطياته الخاصة، بل استخدم الدولارات التي اقترضها من البنوك المحلية لشراء الليرة، ونتيجة لذلك؛ أصبح مديناً بالعملة الأجنبية للبنوك أكثر مما يمتلك الآن في خزائنه.

اقرأ أيضاً: أزمة الليرة التركية: كيف انعكست "مغامرات" أردوغان على اقتصاد أنقرة؟

ويعتقد تيموثي آش، كبير المحللين الإستراتيجيين السياديين الذين يغطون الأسواق الناشئة في بلوباي آسيت مانجمنت، أنّ العاملين في البنك المركزي لا يمكنهم فعل الكثير.

 وفي تصريح لوكالة "بلومبرغ" للأنباء، قال: "من الواضح أنّ التدخّل في أسعار الصرف قد فشل، وهم يتطلعون إلى الحفاظ على الاحتياطيات"، مضيفاً أنّ رفع أسعار الفائدة هو الخيار الوحيد المتبقي لتركيا.

رفع معدل الفائدة؟

ومع ذلك؛ فإنّ الرئيس أردوغان يكره رفع معدلات الفائدة، مثلما يكره الشيطان المياه المقدسة، ووفق نظرته غير التقليدية للاقتصاد؛ فإنّ المعدلات الأعلى لن تؤدي سوى إلى زيادة التضخم، كما أنّه يعتقد أنّ الزيادة اللاحقة في تكلفة الائتمان ستخفض النموّ الاقتصادي، والأهم من ذلك، إمكانية خلق فرص عمل.

خلال التراجع الاقتصادي الأخير، في أوائل عام 2019، عانى أردوغان أكبر هزيمة له في الانتخابات، عندما فقد حزبه السيطرة على البلديات الكبرى، بما في ذلك عاصمة البلاد، أنقرة، ومركزها التجاري، إسطنبول.

يتوقع المحللون أن تنخفض الليرة التركية بشكل أكبر، مما يجبر البنك المركزي في النهاية على رفع أسعار الفائدة إلى 10% بحلول نهاية العام وإلى 14% في عام 2021

ونظراً لانتشار "كوفيد-19"، تقترب البطالة التركية من أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقد؛ حيث من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 4% تقريباً في عام 2020، وهذا عادة ما يمثل حالة نموذجية لخفض معدلات الفائدة.

لكن، نظراً لأنّ الدين السيادي التركي يجعل المستثمرين يكسبون بالفعل أقلّ من معدل التضخم، فإنّ كلاً من أردوغان ورئيس البنك المركزي، الذي اختاره بعناية، يواجهان مأزقاً هائلاً.

وقال البنك المركزي التركي، الأسبوع الماضي، إنّه سيوقف التمويل الأرخص الذي سمح للمتعاملين الأساسيين بالاقتراض بمعدل أقل بكثير من معدل سياسته، ومع ذلك؛ فإنّ تراجع إجراءات السيولة لم يوفّر إلا دعماً مؤقتاً لليرة، وكان المستثمرون يأملون في رفع سعر الفائدة بقوة، كما كان الحال في عام 2018، عندما واجهت تركيا وضعاً مماثلاً.

ومع ذلك؛ فإنّ محللي بنك "غولدمان ساكس" متشككون بشأن الخطوة، وما إذا كانت كافية لكبح جماح سياسة أردوغان، التي غذّت الانهيار الائتماني، وفي مذكرة للمستثمرين؛ يتوقع المحللون أن تنخفض الليرة بشكل أكبر، مما يجبر البنك المركزي في النهاية على رفع أسعار الفائدة إلى 10% بحلول نهاية العام وإلى 14% في عام 2021.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

وي هيسلر، "دويتشه فيله"، 17 آب (أغسطس) 2020



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية