القاهرة - طهران... مصالحة ثنائيّة أم مقاربات إقليميّة؟

القاهرة - طهران... مصالحة ثنائيّة أم مقاربات إقليميّة؟

القاهرة - طهران... مصالحة ثنائيّة أم مقاربات إقليميّة؟


05/07/2023

عمرو فاروق

ثمة تفاهمات مصرية - إيرانية خلال المرحلة الراهنة حول تطبيع العلاقات على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي والأمني، عقب قطيعة منذ قيام الثورة الخمينية عام 1979، وقرار آية الله الخميني قطع العلاقات مع القاهرة، احتجاجاً على توقيع اتفاقية "كامب ديفيد"، فضلاً عن قرار الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات، استضافة شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي، وخفض التمثيل الدبلوماسي عام 1980.

تحسين الأجواء بين القاهرة وطهران، عبر وساطة عراقية عُمانية، وإعادة فتح المجال الجوي أخيراً أمام السياح الإيرانيين (وفق ما ذكرته وكالة تسنيم الإيرانية)، مع قصر تجوالهم على مناطق جنوب سيناء (شرق مصر)، ومناطق الأقصر وأسوان (جنوب مصر)، سبقهما عدد من المحادثات الاستكشافية المتبادلة على المستويين السياسي والتجاري، بالتوازي مع التفاهمات الأمنية والاستخبارية التي من المرجح تتويجها قريباً بعقد اجتماع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، خلال الأشهر المقبلة.

التقارب المصري الإيراني قائم تاريخياً على علاقة "الندية" والثقل السياسي، ويتوقف كذلك على محددات المصالح السياسية لكل منهما في إطار التحالفات والترابطات التي تصنع توازنات القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، ومحيط دول الخليج.

تعتمد الدولة الإيرانية في سياستها الراهنة على "دبلوماسية الجوار"، في محاولة لتحسين علاقاتها بجيرانها الإقليميين، ومن ثم طورت مسارات علاقاتها بالمملكة العربية السعودية والإمارات (الشريك الاستراتيجي للدولة المصرية)، بهدف تعزيز حضورها العسكري والسياسي في إطار تأسيس واقع جيوسياسي، في ظل تخوفها من تشكيل تحالف إقليمي مدعوم من تل أبيب، يفرض عليها المزيد من العزلة الشرق أوسطية، التي تفرضها عليها الولايات المتحدة.

المراجعات السياسية للقاهرة تجاه طهران مدفوعة بعوامل عدة، أهمها الحفاظ على الأمن القومي العربي والخليجي، من خلال تعزيز التعاون الإقليمي والاستراتيجي في مختلف القضايا الملحة المتعلقة بسوريا والعراق واليمن ولبنان، وكذلك دورها المحوري في جهود المصالحة بين فصائل المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن إشكاليات الحفاظ على أمنها القومي، من خلال حماية الممر المائي الحيوي لقناة السويس، وضمان المرور الآمن للسفن عبر مضيق باب المندب.

ضوابط صانع القرار السياسي المصري، في إطار عملية التفاهمات مع طهران، ترتكز أولاً على الحفاظ على الأمن القومي العربي والخليجي، كونه يمثل إحدى الثوابت الراسخة للسياسة المصرية، في ظل تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، بأن الأمن القومى العربي كل لا يتجزأ، وبأن القوات المسلحة ستتحرك إذا تعرض أمن الخليج لأي خطر أو تهديد مباشر.

على رأس الضوابط المتعلقة بالمقاربة المصرية -  الإيرانية، تراجع طهران عن محاولاتها الترويج لمشروعها الفكري والسياسي، وسعيها الدائم إلى إيجاد موضع قدم لها في قلب القاهرة من خلال المد الشيعي، في ظل الموانع الاجتماعية والثقافية والأمنية التي يتمتع بها الشارع المصري.

فك الارتباط بين طهران والجماعات المتطرفة يمثل ركناً أصيلاً في عملية التقارب مع القاهرة، لا سيما في ظل توظيف طهران تيارات الإسلام السياسي كأوراق ضغط على الأنظمة العربية على مدار العقود الماضية، مثل جماعة "الإخوان المسلمين"، وتنظيم "القاعدة"، و"حزب الله" في لبنان، وجماعة الحوثيين في اليمن، وقوات "الحشد الشعبي" في العراق، إلى جانب دعمها حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، بهدف التصعيد المسلح على الحدود المصرية الشرقية، وانتهاج استراتيجية المواجهة مع إسرائيل.

عدم صدور بيانات رسمية - حتى كتابة هذه السطور - من صانع القرار السياسي في القاهرة، يكرّس انعدام الثقة في موقف طهران ومدى جديتها في التزام الاتفاقيات التي تبرمها مع جيرانها، أو تقديمها ضمانات حقيقية في تنفيذ وعودها برفع غطائها المالي والسياسي عن جماعة "الإخوان"، وعن المؤسسات الإعلامية التي تُدار من داخل لندن لمهاجمة الدولة المصرية، أو تسليمها القيادات التكفيرية المختبئة داخل أراضيها، أمثال سيف العدل، الزعيم الحالي لتنظيم "القاعدة"، ومحمد شوقي الإسلامبولي (شقيق خالد الإسلامبولي) المدرج على قوائم الإرهاب، ومصطفى حامد، المكنى بـ"أبو الوليد المصري"، المدرج كذلك على قوائم الإرهاب الدولي. 

ترميم العلاقات من دون التطرق إلى كواليس الماضي، لن يحقق معادلة التوازن في المصالحة السياسية، إذ لم تنس القاهرة أن طهران لاعب أساسي ورئيسي في دعم جماعة "الإخوان" عقب سقوطها سياسياً في حزيران (يونيو) 2013، وفقاً لبيان الداخلية المصرية عن ضبط كميات كبيرة من السلاح والمتفجرات "إيرانية الصنع" في مزرعتين في البحيرة والإسكندرية تابعتين للجناح المسلح لـ"الإخوان".

ثورية الخميني ارتبطت بمفاهيم نظرية "الحاكمية" لدى كل من أبي الأعلى المودودي وسيد قطب، والتي بلورت في نهاية المطاف نظرية "ولاية الفقيه"، كما أن خامنئي عندما أصبح مرشداً للثورة الإيرانية عام 1989، ترجم كتاب "المستقبل لهذا الدين" إلى اللغة الفارسية، وكتب في مقدمة الترجمة أهمية الدور الذي أدّاه سيد قطب، ونعته بصفة "المفكّر المجاهد"، وأمر بتدريس نظرياته وأفكاره في مدارس الإعداد العقائدي لدى "الحرس الثوري".

في ظل "التحالفات الإقليمية المرنة"، ومن خلال "استراتيجية الانفتاح"، تحاول إيران تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية، في إطار تحييد دول المنطقة العربية والشرق الأوسط تجاه مواقفها وقراراتها واعتبارات أمنها القومي، لا سيما أن أجندة نظام الملالي قائمة على السيادة التوسعية والتمددية من خلال بناء الأذرع العسكرية، واتباع سياسة حروب الوكالة. 

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية