انكفاءة أردوغان من دعم حماس إلى مسايرة إسرائيل

انكفاءة أردوغان من دعم حماس إلى مسايرة إسرائيل

انكفاءة أردوغان من دعم حماس إلى مسايرة إسرائيل


17/10/2023

يجري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصالات مع قادة في المنطقة بشأن وقف التصعيد في غزة، لكن بانكفاءة في الموقف مقارنة بما كان يفعله في السابق من هجوم كلامي على إسرائيل ودعم لحماس، في ارتباط مباشر بتغير المصالح التركية ورهانات أردوغان.

يأتي هذا في وقت يقول فيه مراقبون إن أردوغان اليوم بات شبحا لأردوغان العدواني الذي كان يقلب الدنيا انتصارا لحماس وغزة، وإن الأمر يتعلق بتغير المصالح والحسابات والاصطفافات من قبل التصعيد الجديد في غزة.

وعلى عكس الضجيج السابق الذي كان أردوغان يثيره بانتقاده السياسات الإسرائيلية، صار خطابه الراهن هادئا، منذ اللقاء الذي جمع بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويمكن إدراج التغيير الذي طرأ على خطاب أردوغان في إطار التراجعات التي حدثت بعد الأزمة الاقتصادية الحادة التي عاشتها تركيا في السنوات الماضية بسبب مواقف أردوغان العدائية التي طالت المحيط الإقليمي وكلفت الاقتصاد التركي خسائر فادحة.

أردوغان اليوم بات شبحا لأردوغان العدواني الذي كان يقلب الدنيا انتصارا لحماس وغزة؛ فالمصالح تغيرت

ويسعى أردوغان تحت وطأة الأزمة الاقتصادية إلى تطويق الخسائر واستعادة العلاقات مع بلدان الإقليم دون شعارات ومزايدات، بما في ذلك مع إسرائيل التي تحتاج إليها تركيا على أكثر من واجهة.

وبالإضافة إلى المصالح الاقتصادية والعسكرية القديمة – الجديدة مع إسرائيل، يريد أردوغان إنشاء علاقة وطيدة مع نتنياهو وتحالفه اليميني من أجل تأمين موافقة إسرائيلية على السماح لتركيا بأن تلعب دورا مهما في نقل غاز شرق المتوسط عبر أراضيها، وليس عبر أيّ دولة أخرى، وهو ما أشار إليه أردوغان في أكثر من مناسبة.

وبعد لقائه مع نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة قال أردوغان “سنبدأ التنقيب عن الطاقة مع إسرائيل، وسنشرع في تشغيل خطوط نقل الطاقة ليس إلى تركيا فحسب بل إلى أوروبا أيضا”.

وعلى عكس السرعة في التقارب مع إسرائيل وفق علاقات تقوم على المصالح، ضاعف الرئيس التركي ابتعاده عن حماس وحركات الإسلام السياسي السنية التي راهن عليها لسنوات ضمن خطة لتثبيت نفوذ تركيا في الشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي. لكن تلك المرحلة انتهت بالنسبة إلى أردوغان.

وكان واضحا أن حماس، التي عادت إلى محور إيران وحزب الله وسوريا، تجنبت توجيه الانتقادات لاستدارة أردوغان نحو إسرائيل على عكس حملاتها على دول عربية كانت قد أقامت علاقات مع إسرائيل ضمن مسار السلام الذي تشهده المنطقة، وكان آخرها الانتقادات الموجهة إلى السعودية.

ويقول مراقبون إن أردوغان يتعامل مع الأزمة من المنظور البراغماتي نفسه الذي ظل يتعامل به مع كل القضايا الأخرى، بما فيها القضية الفلسطينية؛ فكلما كانت هناك منافع دعائية أو سياسية انبرى لها بحماس، وفي الوقت ذاته غالبا ما يتبنى موقفا مهادنا وتصالحيا مع الأطراف نفسها التي كان يخوض المواجهات الكلامية معها، حينما تستدعي ذلك الظروف الاقتصادية.

وقابل أردوغان الرد الإسرائيلي القاسي على هجوم حماس بتصريحات تقوم على التعميم وتساوي بين حماس وإسرائيل؛ مثل قوله “انطلاقا من مبدأ ‘لا خاسر في سلام عادل’، ندعو كافة الأطراف الفاعلة إلى تحمل مسؤوليتها لإحلال السلام”.

ولاحقا عرض أردوغان مقترح أن تتولى تركيا جهود وساطة لوقف إطلاق النار، وتجاهلته إسرائيل كليا.

وناقش وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في اتصال هاتفي مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إمكان الإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم الحركة في قطاع غزة، وفق ما افاد مكتبه الاثنين.

وقالت الخارجية التركية في بيان إن فيدان بحث هاتفيا مع هنية “آخر التطورات في فلسطين وإمكان الافراج عن المدنيين المحتجزين”.

وقالت الرئاسة التركية الثلاثاء إن أردوغان أبلغ رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، في اتصال هاتفي، بأنه يتعين على الدول الغربية الامتناع عن الخطوات الاستفزازية فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وأن على القوى الغربية ألا تتنكر للوعود التي لم يتم الوفاء بها لفلسطين وتفعل ما هو ضروري في هذا الشأن.

وفي حين تبدو إيران لاعبا أكبر، لجهة الدور الذي يُعتقد أنها تقوم به لدعم حركة حماس، أجرى أردوغان اتصالا هاتفيا مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي لبحث تطورات الوضع في قطاع غزة.

ويلاحظ متابعو السياسات التركية أن أردوغان يبدو في وضع من تخلى عن حماس التي كان يحرص على أن يُظهر دعمه لها، بالنظر إلى التقارب الفكري بين الحركة وحزب العدالة والتنمية الذي يقوده.

وذكرت وكالة الأناضول التركية أن الرئيسين بحثا الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والتوتر المتصاعد في المنطقة والخطوات الواجب اتخاذها من أجل التوصل إلى حل.

أوضاع إنسانية على شفى الانهيار

يذكر أن تركيا كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل في عام 1949. وعلى الرغم من تقلبات العلاقة بين الطرفين خلال سنوات حكم أردوغان ابتداء من عام 2003، ظلت العلاقات التجارية والدبلوماسية والعسكرية متينة بين الدولتين.

وبحسب وزير الخارجية التركي سجلت التبادلات التجارية بين تركيا وإسرائيل أكثر من 8 مليارات دولار في العام الماضي، ويتجاوز عدد السياح الإسرائيليين الذين يزورون تركيا 600 ألف سائح سنويا، وهو ما جعل السياحة الإسرائيلية تحتل المرتبة الرابعة بين الجنسيات الأكثر توافدا على تركيا.

ولكن ذلك كله لم يمنع أردوغان في ظروف سابقة من تبني خطاب ظاهره متشدد حيال إسرائيل وباطنه يميل إلى التعاون.

ولم يكشف الرئيس التركي عن خطة وساطة واضحة. وتحاشت وسائل الإعلام التركية الإشارة إلى أي علاقات سابقة لتركيا مع حركة حماس.

ويقول مراقبون إن أردوغان استسلم لفكرة أن حرب غزة تشكل ربحا سياسيا لإيران وخسارة تزداد حدة لمكانة تركيا في المنطقة، إلا أنها أقرب ما تكون إلى خسارة “مرغوب فيها”، لأن تكاليف التضامن مع حركة حماس وإثارة غضب إسرائيل ستكون باهظة عليه. ففي حين أن إيران لا تخسر شيئا من تبنيها مواقف حماسية تجاه حماس، فإن لأردوغان الكثير مما يمكن أن يخسره إذا بدا كأنه يقف في صف حماس، بينما تشعر إسرائيل بأن وجودها نفسه صار مهددا.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية