تظاهرات واعتقالات.. أزمة الليرة التركية تتفاقم والبنك المركزي ينتهج سياسات فاشلة

تظاهرات واعتقالات.. أزمة الليرة التركية تتفاقم والبنك المركزي ينتهج سياسات فاشلة


14/12/2021

سجلت الليرة التركية مستويات قياسية منخفضة جديدة مقابل الدولار، رغم تدخل المصرف المركزي في محاولة لوقف انهيار العملة المحلية.

وهوت الليرة التركية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 14.75 ليرة مقابل الدولار، لتسجل تراجعات تصل إلى 30% منذ أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مع تخفيض المركزي لأسعار الفائدة، رغم ارتفاع معدلات التضخم.

اقرأ أيضاً: ماذا تريد تركيا وروسيا مقابل الانسحاب من ليبيا؟

وأقدم البنك المركزي التركي (3) مرات هذا الشهر على بيع مبالغ كبيرة من رصيد احتياطي النقد الأجنبي، في محاولة لمنع ارتفاع العملات الأجنبية أمام الليرة.

وتدخل البنك المركزي في محاولة لكبح تدهور العملة المحلية (الليرة) أمام الدولار بأن طرح كميات من العملات الأجنبية للبيع في سوق الصرف، ويستعد على الأرجح لتخفيض جديد في سعر الفائدة؛ ممّا سيدفع الليرة مجدداً إلى هوّة سحيقة.

ويأتي تدخل البنك المركزي على حساب احتياطاته من النقد الأجنبي، فبعد أن طرح نحو (2.5) مليار دولار للبيع في سوق الصرف، اضطر مرة أخرى إلى طرح كميات جديدة من النقد الأجنبي للبيع تتراوح ما بين (1.5) و(2) مليار دولار.

 

الليرة التركية تهوي إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 14.75 ليرة مقابل الدولار، رغم بيع البنك المركزي التركي (3) مرات مبالغ من احتياطي النقد الأجنبي

 

وكان برات ألبيرق، وزير الخزانة والمالية السابق صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، قد اتبع النهج نفسه في محاولة منه لإبقاء سعر الدولار عند مستوى 6.85 ليرة، غير أنّ تلك المحاولات لم تؤتِ ثمارها، وتسببت في تراجع رصيد المركزي التركي من النقد الأجنبي، وكبّدت احتياطي النقد الأجنبي خسارة كبيرة بلغت نحو (128) مليار دولار، وفق ما أورده موقع "أحوال تركية".

وفي سياق يتعلق بانهيار الليرة وتأثيرها على معيشة المواطنين، تظاهر أكثر من (5) آلاف شخص أول من أمس في إسطنبول احتجاجاً على التضخم وتراجع القدرة الشرائية، في أول تجمّع كبير على خلفية الاضطرابات التي يمرّ بها الاقتصاد التركي منذ أسابيع، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية. 

 

تظاهر الآلاف في إسطنبول احتجاجاً على التضخم وتراجع القدرة الشرائية، وقوات الأمن تلقي القبض على (90) طالباً في أنقرة تظاهروا بسبب ارتفاع الإيجارات

 

وتجمّع المتظاهرون تلبية لدعوة النقابات الرئيسية واحتجاجاً على تدهور قيمة الليرة التركية ونسبة التضخم، وهتف المتظاهرون بشعارات تطالب باستقالة الحكومة.

في الوقت نفسه، أُلقي القبض على (90) طالباً على الأقل في أنقرة، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس"، عن مبادرة "لن نجد مأوى".

وكان الطلاب قد حاولوا التجمّع في العاصمة التركية، على الرغم من حظر التظاهر بأمر المحافظ، احتجاجاً على ارتفاع الإيجارات، وللمطالبة بإسكان بتكلفة معقولة منذ الصيف المنتهي.

 

التراجع الحاد في قيمة الليرة يؤدي إلى رفع أسعار الخبز (3) مرات خلال شهر واحد في المخابز الحكومية

 

وفي سياق متصل بمعاناة الأتراك، دفع التراجع الحاد في قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية إلى رفع أسعار الخبز (3) مرات خلال شهر واحد، في المخابز غير الحكومية.

وقبل نحو شهر، ارتفعت أسعار الخبز في إسطنبول من (2) ليرة إلى (2.5) ليرة، ثم ارتفع سعر الخبز زنة (350) جرام إلى (3) ليرات.

ومؤخراً رفع أصحاب المخابز سعر الخبز من (3) ليرات إلى (3.5) ليرة؛ نتيجة لارتفاع أسعار المدخلات في ظل تراجع الليرة.

 

طرأ على سعر أسطوانة الغاز زيادة تجاوزت 80%؛ ليصبح سعرها (215) ليرة و(50) قرشاً، بعد أن كان سعرها (120) ليرة

 

من جانبه، أوضح مالك أحد المخابز في منطقة كاديكوي، ويُدعى فيدات يلماز أنّ سعر الدقيق ارتفع هذا العام إلى (320) ليرة، بعدما كان يبلغ (106) ليرات العام الماضي، وفق صحيفة "زمان" التركية.

وأضاف يلماز أنّهم باتوا عاجزين عن الإنتاج، وأنّ الأمر بات خارجاً عن إرادتهم، مؤكداً أنّ المواطنين محقون في استنكارهم للأسعار والأوضاع الحالية.

وأوضح مالك أحد المخابز في منطقة أتاشهير، ويُدعى ألبر صانديكشتي أنّه إذا ما استمرّ الحال على هذا المنوال، فسيتقلص عدد أصحاب المخابز خلال فترة وجيزة.

 

بنك يو بي إس السويسري، أحد أضخم (3) بنوك أوروبية، يؤكد أنّه لن ينشر تقارير بشأن الليرة التركية بعد الآن

 

من جانبه، انتقد نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، أحمد أكين، الزيادات المتعاقبة في أسعار السلع والخدمات بتركيا في ظل ارتفاع معدلات التضخم والتراجع الحاد في قيمة الليرة.

وذكر أكين في تصريحات صحفية، نقلتها صحيفة "جمهورييت"، أنّ المواطن يتحمل داخل الأسواق والمحال التجارية تكلفة السياسات الاقتصادية الخاطئة للحكومة.

وأوضح أكين أنّ هذا العام شهد زيادات متعاقبة في أسعار السلع الغذائية الأساسية بأسرها، وأنّ أسعار السلع في المحال التجارية باتت تتغير بشكل يومي.

 

انعكس انهيار الليرة التركية بسرعة على مناطق نفوذ أنقرة في سوريا، وتراجعت قدرة السكان الشرائية، وارتفعت أسعار السلع، خصوصاً المستوردة من تركيا

 

وأضاف قائلاً: "في الأوّل من  كانون الثاني (يناير) هذا العام كان سعر أسطوانة الغاز زنة (12) كيلوغرام يبلغ (120) ليرة، غير أنّه اعتباراً من الأول من كانون الأول (ديسمبر) الجاري ارتفع سعرها إلى (215) ليرة و(50) قرشاً؛ ممّا يعكس زيادة تجاوزت 80%".

هذا، وذكر أكين أنّ الإحصاءات الرسمية تشير إلى معدلات تضخم حوالي 20% قائلاً: "إن كانت معدلات التضخم 20%، فلماذا هذه الزيادة الكبيرة في أسعار أسطوانة الغاز؟ فاتورة الكهرباء أيضاً شهدت زيادات متعاقبة خلال العام الجاري".

وعن الأوضاع والأزمة الاقتصادية في تركيا، قال الخبير الاقتصادي التركي إبراهيم قافاجي: "إنّه على الرغم من أنّ تركيا تقترب حالياً من الأرجنتين في الوضع الاقتصادي، فإنّ الخطوة التالية ستكون فنزويلا".

وانتقد الخبير تصريحات أردوغان، التي أعلن خلالها عن خوض حرب تحرير اقتصادية، متسائلاً عن السبب وراء انتظار الحكومة (19) عاماً لشنّ حرب تحرير اقتصادية، مؤكداً أنّ هناك الكثير من الأسئلة، ولكن لا توجد إجابات على الإطلاق.

وحول المواقف الدولية لأزمة الليرة التركية، أعلن بنك "يو بي إس" السويسري، أحد أضخم (3) بنوك أوروبية يعتمد عليها المستثمرون، أنّه لن ينشر تقارير بشأن الليرة التركية بعد الآن.

ودعا البنك المستثمرين إلى عدم الاكتراث للتقرير الاستشاري الخاص بالليرة الصادر مؤخراً.

جدير بالذكر أنّ المحلل الاستراتيجي لدى البنك، تيلمان كولب، كان قد نشر أحدث تقرير في نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أوضح خلاله أنّ السياسة المالية الحالية لتركيا غير كافية للتصدي للتضخم، وأنّ هذا الأمر جعل البنك لا يغفل احتمالية أن تسجل الليرة مزيداً من التراجع، وفق "إسوشيتد برس".

ويُعدّ بنك "يو بي إس" ثالث أضخم بنك أوروبي، حيث بلغت قيمته السوقية (61) مليار دولار اعتباراً من عام 2021، كما يصنفه مجلس الاستقرار المالي كبنك مهم.

وكان بنك Handelsbanken السويدي قد أعلن في أيار (مايو) الماضي إيقاف المقايضات المالية مع (50) دولة، من بينها تركيا، لتجنّب التورط في أعمال غسيل الأموال.

من جانبه، أعلن بنك "دويتشه" أنّ البنك المركزي التركي قد يضطر لرفع سعر الفائدة إلى 25% بنهاية الربع الأول من عام 2022 القادم؛ بسبب الدولرة والأداء الضعيف لليرة ومعدلات التضخم المرتفعة.

اقرأ أيضاً: الميليشيات التابعة لتركيا ترتكب جرائم وانتهاكات بحق السوريين.. هذه أبرزها

هذا، وبلغت علاوة مقايضة الائتمان الافتراضي لمدة (5) أعوام الخاصة بتركيا نحو (500) نقطة، بينما بلغت علاوة مقايضة الائتمان الافتراضي للبرازيل التي تندرج ضمن الفئة الاقتصادية عينها مع تركيا نحو (218) نقطة. وتقدّر فائدة السندات لمدة (5) أعوام الخاصة بتركيا حوالي 21.41%.   

ولم تتوقف الأزمة التركية عند الحدود التركية، حيث تجاوزتها لتؤثر سلباً على مناطق شرق سوريا المرتبطة بتركيا، فقد انعكس انهيار الليرة التركية بسرعة على مناطق نفوذ أنقرة لناحية تراجع قدرة السكان الشرائية وارتفاع أسعار السلع، خصوصاً المستوردة من تركيا.

وبحسب تقرير للأمم المتحدة في نهاية آب (أغسطس)، فإنّ "91% من السكان العاملين في شمال غرب سوريا هم من أسر تعيش فقراً مدقعاً؛ ممّا يؤشر إلى ضعف وضع الاقتصاد المحلي"، وفق ما أوردت شبكة الحرة.

وأوردت نشرة "سيريا ريبورت" الاقتصادية الإلكترونية أنّ المنطقة شهدت خلال الشهر الماضي "تصاعداً متسارعاً في سعر الخبز وسلع أخرى" وبلغت "القدرة الشرائية للسكان أدنى مستوياتها".

اقرأ أيضاً: لا شيء يقلق تركيا في ليبيا أكثر من مصالحها ومرتزقتها

وعمدت السلطات المحلية إلى خفض وزن كيس الخبز (4) مرّات منذ تشرين الأول  (أكتوبر)، من (650) إلى (450) غراماً، وفق المصدر ذاته، ورفعت أسعار المشتقات النفطية، وبينها أسطوانة الغاز المنزلي من (127) إلى (137) ليرة تركية، وكان سعر أسطوانة الغاز (86) ليرة تركية خلال أيلول (سبتمبر).

وانعكس تدهور قيمة الليرة التركية، وفق ما يوضح نائب رئيس غرفة التجارة والاقتصاد شمال حلب أحمد أبو عبيدة، لوكالة "فرانس برس"، على الحركة التجارية بمجملها "نتيجة التضخم وازدياد أسعار البضائع التركية عموماً" المعتمدة في المنطقة.

ويقدّر أبو عبيدة الذي يملك شركة مواد غذائية تستورد بضائعها من تركيا، انخفاض نسبة المبيعات "إلى النصف" خلال شهر، وتراجع عدد الزبائن إلى النصف أيضاً، بسبب انهيار الليرة التركية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية