تهم تغذية التطرف تلاحق المناهج التعليمية بمصر

مصر

تهم تغذية التطرف تلاحق المناهج التعليمية بمصر


28/11/2017

تلعب المدرسة دوراً رئيساً في زرع، أو تغذية اتجاهات الطلبة السياسية والاجتماعية والدينية والأخلاقية، وفي بناء منظومة القيم التي ترشد سلوكهم شباناً وبالغين.
ولا يمكن إنكار ما تعاني مصر اليوم في عملياتها التعليمية من غياب الرؤية الواضحة، والمحتوى، وبيئة التعلم الصحيحة الفاعلة، والمناهج غير السليمة، ولكن الأخطر في هذا المجال طبيعة المناهج التي تعمل على تغذية التطرف والإرهاب لدى الطلبة في المدارس.
تغذية التفرقة في المجتمع
ثمة تفريق داخل المدرسة المصرية، ما بين المسلمين والمسيحيين، ويتجلّى ذلك في حصة التربية الدينية، التي تفرض فيها كل المدارس، على مستوى الجمهورية، إخراج الأقباط من داخل الفصول ليتلقوا حصتهم الدينية في فناء المدرسة، دون المسلمين الذين يبقون في فصولهم، مما يتناقض مع مفهوم الوحدة الوطنية التي يفترض أن تعززها المدرسة.
ويساهم وجود مدرسين متطرفين في مصر، في غرس مفاهيم خاطئة داخل المدارس، مثل؛ حرمة تحية العلم الجمهوري، وغرس أفكار متطرفة، خاصة في أوقات الصلوات، التي يخرج فيها الطلاب لأداء الصلاة، دون رقابة من مديريات التربية والتعليم مطلقاً.

في حصة التربية الدينية يُخرَج الأقباط من داخل الفصول ليتلقوا حصتهم الدينية في فناء المدرسة

الأخطر في التعليم العام داخل مصر، في مراحله الابتدائية، والإعدادية، والثانوية، وتعليم ما قبل الجامعة بصفة عامة، هو تلك المدارس الدينية، التي تشرف عليها جمعيات دينية، مثل؛ الجمعية الشرعية، أو معهد الفرقان السلفي، وغيرها، في غرس التطرف والإرهاب والتفريق بين مكونات المجتمع؛ إذ تفرض بها مناهج تربوية خاصة، لا تخضع لإشراف الدولة.

مقررات تحرّض على التطرف
احتواء بعض المناهج الدراسية مقررات تحرض على التطرّف، وعدم تقبّل الآخر تشكل مشكلة "خطيرة" في مصر؛ إذ ما تزال بعض المقررات، خاصة التربية الدينية، تخرج تلاميذ مؤهلين لاستيعاب قصص عن عذاب القبر، ويأجوج ومأجوج، وعدم تهنئة الآخر بأعياد الكريسماس والفصح، واتهام الأقباط بتحريف كتابهم المقدس.
في بدايات العام 2017 نفت وزارة التربية والتعليم المصرية، استبدال مناهج التربية الدينية بكتاب اسمه "كتاب القيم والأخلاق"، وأصرت على وجود التربية الدينية، لكل من المسلمين والأقباط المسيحيين، التي توجد بها مشكلة حقيقية، وفق مراقبين وتربويين، في ربط القيم والأخلاق بالإسلام فقط، وجعل الدين الإسلامي المصدر الوحيد لها، وتكفير غير المسلمين، وتشبيه المسيحيين بالروم، وربط الهداية بالإسلام، والضلال بكل ما عداه، ووصف المسلمين أنّهم ليسوا جزءاً من العالم؛ بل في مواجهة معه.

يساهم وجود مدرسين متطرفين في مصر في غرس مفاهيم خاطئة داخل المدارس

رغم تغيير المناهج، وحذف بعض المقررات، أكثر من 20 مرة خلال السنوات السبع الأخيرة، فإنّ بقية المناهج، عدا التربية الدينية، بها مشكلات متعددة، خاصة اللغة العربية، وكتب المطالعة اللغوية، فباستثناء قصة القبطي التي ضربه ابن عمرو بن العاص لأنّه سبقه، فأنصفه الخليفة عمر، وقصة أديسون مخترع المصباح الكهربائي، وصورة لكنيسة في منهاج التربية الاجتماعية والوطنية للصف الأول، فإنّ "الآخر" في هذه الكتب، مستبعد تماماً.
وقد أعلنت وزارة التربية والتعليم العام الماضي، 2016، إجراء حذف لعدد من الدروس، طال درساً في مادة اللغة العربية عن القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي للصف الخامس الابتدائي، وستة فصول من قصة عقبة بن نافع للصف الأول الإعدادي، ودرساً بعنوان "نهاية الصقور" للصف الثالث الابتدائي، وهو الدرس الذي يعكس فكر تنظيم داعش؛ حيث تقوم العصافير في نهاية القصة بإضرام النار في أعدائها من الصقور، لكن قراءة أولية في الكتب الجديدة التي تقول صراحة لأطفال في السادسة والسابعة أن الكتب المقدسة لأتباع الأديان السماوية الأخرى "محرّفة"، وأن التعايش السلمي قيمة مطلوبة بين المسلمين حصراً، تؤشر على أنّ العقلية القديمة هي التي أنجزت الكتب الجديدة.

تغرس المناهج التربوية الخاصة بالمدارس الدينية التي لا تخضع لإشراف الدولة التطرف والإرهاب والتفريق المجتمعي

على سبيل المثال، فإنّه من بين 46 درساً في كتب اللغة العربية للصفوف الثلاثة، هناك 20 درساً اشتملت على محتوى ديني، ثمانية منها هي نصوص دينية بالكامل؛ أي بنصها والتدريبات والأنشطة الملحقة بها، في حين اشتمل 12 درساً على محتوى ديني، هو آيات أو أحاديث نبوية تتعلق بالقيم التي تطرحها الدروس، طُلب من الأطفال حفظها، ويقدم لكل درس في كتب العلوم بآية قرآنية يتعلق مضمونها بالحقيقة العلمية موضوع الدرس، وفي منهاج التربية الاجتماعية والوطنية، تُربط القيم التي تطرحها الدروس، ومنها الصدق والتسامح والعدالة والمساواة والأمانة واحترام الآخرين بآيات أو أحاديث نبوية أو قصص دينية، وينطبق الأمر ذاته على كتاب اللغة العربية.

"مأساة" التعليم الأزهري
ينقسم التعليم في مصر إلى تعليم عام، وخاص، وتعليم أزهري، والمأساة الحقيقية داخل المناهج التربوية، هي في التعليم الأزهري، الذي لا يخضع لوزارة التربية والتعليم؛ بل مباشرة للأزهر الشريف، وهو التعليم الذي يرى مختصون أنّه "لا يختلف كثيراً عن مناهج مدارس داعش، ويحرض على العنف والطائفية، والكراهية".
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الأزهر قرر مؤخراً الإبقاء على المتون مع الشرح بالنسبة للمرحلة الثانوية، وقسم المراحل التعليمية بحيث يتم التركيز على اللغة العربية في المرحلة الابتدائية، أما المرحلة الإعدادية فتم التركيز فيها على الشرح، أما المرحلة الثانوية فتم التركيز على المتون والشرح.
المشاكل كثيرة في المناهج الأزهرية، فمنها -على سبيل المثال لا الحصر- "أكل لحم الأسير"، وكذلك معاقبة الأسرى عند الإمام الشافعي، وأخذ "الغنائم" رغم أنّها كانت في الغزوات والحروب لدى العرب عبارة عن أغنام وخيول وأسلحة كالسيوف وغيرها!.

باستثناء بعض النصوص القليلة فإنّ "الآخر" مستبعد تماماً في الكتب المدرسية

وتم الإبقاء على شرح حديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله"، واستبدل درس "البغي" بمسمى "حكم الخروج على الحاكم"، في باب يسمى "الإفساد في الأرض"؛ إذ يرد فيها ما نصه "وللمضطر أكل آدمي ميت إذا لم يجد ميتة غيره أما إذا كان الميت مسلماً والمضطر كافراً فإنّه لا يجوز الأكل منه لشرف الإسلام".
وفي الصفحات من 255 إلى 257 من كتاب "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" الذي يدرسه طلاب الأزهر، فإنّه يحل أكل الإنسان لبعض جسمه وقت المجاعة، وللمسلم قتل مرتد وأكله، وقتل حربي، ولو صغيراً، أو امرأة وأكلهما؛ لأنهما غير معصومين!
في الكتاب نفسه يقول المؤلف "إن للمسلم كفايةً لشر الكافر أن يفقأ عينه، أو يقطع يديه ورجليه، وكذا لو أسره، أو قطع يديه أو رجليه".
وفي كتاب "الاختيار لتعليل المختار" المقرر على طلاب الأزهر أيضاً في صفحة 366 تحت عنوان "أحكام المرتد" يقول الكتاب: "وإذا ارتد المسلم يُحبس ويعرض عليه الإسلام، وتُكشف شُبهته، فإن أسلم وإلا قُتل، فإنّ قتله قاتل قبل العرض لا شيء عليه ويزول ملكه عن أمواله زوالاً مراعى، فإن أسلم عادت إلى حالها".
كما يقول في صفحة 340: "أما الأسارى (أي الأسرى) فيمشون إلى دار الإسلام، فإن عجزوا قتل الإمام الرجال وترك النساء والصبيان في أرض مضيعة حتى يموتوا جوعاً وعطشاً، لأننا لا نقتلهم للنهى".

قراءة أولية في محتوى الكتب المدرسية الجديدة خلال السنوات الماضة تؤشر على أنّ العقلية القديمة هي التي أنجزتها

وبالعودة إلى كتاب "الاختيار لتعليل المختار"، ثمة تنبيه للمسلمين في شأن البلاد التي يفتحونها بعدم قتل الحيات والعقارب، وذلك حتى يكثر نسلها فيكثر أذاها للكفار. وفي صفحة 338 وما بعدها من الكتاب ذاته: "وإذا فتح الإمام بلده عنوة، إن شاء قسمها بين الغانمين، وإن شاء أقر أهلها عليها، ووضع عليهم الجزية، وعلى أراضيهم الخراج، وإن شاء قتل الأسرى، أو استرقهم، أو تركهم ذمة للمسلمين، ولا يفادون بأسرى المسلمين، ولا بالمال إلا عند الحاجة".

ثمة نصوص "أزهرية" لا تكاد تختلف عن مناهج "داعش" في التحريض على العنف والطائفية والكراهية

أما منهج السنة الثالثة من الثانوية الأزهرية فيدعو لقتال "الكفار" بغير إنذار وبغير دعوتهم لدين الإسلام "لأن شيوع الإسلام قام مقام الدعوة إليه.. ، فان أبوا استعانوا بالله تعالى عليهم وحاربوهم، ونصبوا عليهم المجانيق، وأفسدوا زروعهم وأشجارهم وحرّقوهم ورموهم وإن تترسوا بالمسلمين".
وفي كتاب "الروض المربع في زاد المستقنع"، "دم المرأة وحياتها أرخص من دم الرجل وحياته، فدية المرأة نصف ذلك، ولا تغليظ إلا في الإبل".
وورد في موضع آخر من كتاب "الاختيار لتعليل المختار" وتحديداً في صفحة 171 منه: "ولا نفقة على من تم اغتصابها.. من غصبها غاصب فلا نفقة لها، ولو سُلّمت له مريضة فلا نفقة لها.."؛ أي إن المرأة التي يتم اغتصابها عنوة لا يصرف لها الزوج نفقة!
الأمثلة متعددة وأكثر من أن تحصى حول "الجمود" التاريخي الذي تعانيه هذه المناهج بما يعارض التطور البشري والاستقرار المجتمعي، وابتعادها عن جوهر النص الديني من قرآن وسنة إلى تأويلات فقهاء تم رفعها إلى مرتبة المقدس.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية