خبير في الجغرافيا السياسية: لبنان ساحة الصراع بين طهران وواشنطن حول الطاقة

خبير في الجغرافيا السياسية: لبنان ساحة الصراع بين طهران وواشنطن حول الطاقة


كاتب ومترجم جزائري
06/02/2022

ترجمة: مدني قصري

في منتصف كانون الثاني (يناير) 2022، كشفت القناة 12 الإسرائيلية وجود اتفاق سرّي بين لبنان وإسرائيل لاستيراد الغاز الإسرائيلي عبر بيروت. الأطراف المعنية تنفي وجود هذا الاتفاق، لكنّ هذا الحدث يظهر كيف أصبحت قضية الطاقة قضية نفوذ للقوى الإقليمية في لبنان، في سياق أزمة طاقة كبيرة ما تزال مستعرة في بلد الأرز.

لتحليل القضايا المتعلقة بالغاز في المنطقة، أجاب ديفيد أمسيلم؛ وهو دكتور في الجغرافيا السياسية، ومتخصص في قضايا الطاقة في الشرقَين الأدنى والأوسط، ومؤلف كتاب "حرب الطاقة... الوجه الخفي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، المنشور في إصدارات "Vendémiaire"، عن أسئلة موقع "Clés du Moyen-Orient" (مفاتيح الشرق الأوسط).

هنا نص الحوار:

يمرّ لبنان بأزمة طاقة جدّ خطيرة؛ العام الماضي، استورد حزب الله اللبناني زيت الوقود الإيراني لتزويد البلاد بالكهرباء. ردّاً على ذلك دعمت الولايات المتحدة استيراد الغاز من الأردن ومصر (وربما حتى من إسرائيل)، والذي من المتوقع أن يبدأ في نيسان (أبريل) المقبل؛ هل أصبحت الطاقة رهاناً لنفوذ سياسي بين الولايات المتحدة وإيران للتأثير على المشهد الداخلي اللبناني؟

لا بدّ من استيعاب هذه الأحداث على مدى فترة طويلة من الزمن، إنّه استمرار للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط التي بدأها دونالد ترامب في عهده، تريد واشنطن مواكبة لبنان مع الأردن ومصر وحتى إسرائيل، ما نزال في لحظة اتفاقات أبراهام التي تتمثل في بناء جبهة من الدول العربية السنّية لمواجهة إيران.

لبنان ليس مركزياً في هذه اللعبة الكبرى؛ فالبلاد قليلة السكان ومواردها محدودة ولا تشكل قوة عسكرية، ومع ذلك فإنّ الصراع بين إيران والولايات المتحدة موجود على الساحة الوطنية اللبنانية، لا سيما بسبب الانقسامات السياسية الداخلية في لبنان، ويركز هذا الصراع اليوم على قضايا الطاقة تحديداً.

قضية الطاقة إذاً أداةُ تأثير في سياق التنافس الجيوسياسي الأوسع بين الكتل الكبرى في المنطقة، تتمّ تعبئتها لخلق تحالفات وفرص للتقارب بين بعض الدول التي لا تقيم علاقات (مثل لبنان وإسرائيل).

هل هذه التقاربات رمزية قبل كلّ شيء؟ لم يُخرِج استيرادُ الوقود الإيراني، عام 2021، لبنانَ من أزمة الطاقة..

منذ سنوات عديدة ولبنان غارق في أزمة اقتصادية وأزمة طاقة خطيرة للغاية، تُضاف إلى ذلك أزمة سياسية، على الرغم من زياراته العديدة بعد الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، في 4 آب (أغسطس) 2020، لم ينجح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في إعادة تنظيم الحياة السياسية اللبنانية. تجلب قضية الطاقة في هذا السياق أزمات متعددة.

ربما قد تدفع الأزمةُ بلبنان إلى استيراد الغاز الإسرائيلي، ولو بشكل غير مباشر، فمن يضمن أنّ الغاز الذي سيبيعه المصريون والأردنيون إلى لبنان ليس مستورداً من إسرائيل؟

 لبنان، كما قلت، ليس لديه موارد، خصوماته مع الجارة الإسرائيلية تمنعه من استكشاف مجالها البحري في هدوء إلى الجنوب؛ لذلك يجب أن يستورد طاقته كلّها تقريباً؛ لذلك فإنّ مخرج لبنان من الأزمة يمرّ بالضرورة من خلال التعاون مع الدول الأجنبية.  يبدو أنّ لبنان يجب أن يواجه خيارَين: إما أن يلجأ إلى إسرائيل ومصر والأردن، كما تريد الولايات المتحدة، أو إلى سوريا وإيران، كما يريد حزب الله اللبناني.

في الوقت الحالي تضمّ الحكومة اللبنانية تشكيلات سياسية متعدّدة، بما في ذلك حزب الله. للخروج من أزمة الطاقة حشدت الحركة اللبنانية شركاءها التقليديين (سوريا وإيران)، لكنّ الإعلان عن استيراد الوقود الإيراني، عام 2021، كان قبل كلّ شيء رمزياً؛ فهو لم يُمكّن فعلياً من حلّ الأزمة في لبنان، خصوصاً لأنّ العقوبات الأمريكية التي تثقل كاهل طهران لا تسمح لإيران بتصدير نفطها بهدوء.

اقرأ أيضاً: لبنان مقبل على أيّام أسوأ...

من ناحيتهم، حشد الأمريكيون، على غرار حزب الله، حلفاءهم الإقليميين: مصر والأردن، وحتى إسرائيل، لكنهم يملكون من الوسائل أكثر بكثير من إيران للادّعاء بقدرتهم على حلّ الأزمة اللبنانية. في منتصف كانون الثاني (يناير)، أعلنت القناة "12 الإسرائيلية"؛ أنّ دولة الأرز وقّعت اتفاقية سريّة مع الدولة اليهودية لاستيراد الغاز الإسرائيلي، برعاية الولايات المتحدة، لكنّ كلّ جانب نفى وجود مثل هذا الاتفاق، من الصعب معرفة المزيد عن هذا الموضوع في الوقت الحالي، لكن في حال تأكيد هذا الاتفاق؛ فإنّه سيسمح باستيراد الغاز الإسرائيلي عبر قنوات مختلفة باتجاه لبنان، لإخراجه من أزمة الطاقة بشكل دائم، مع التقريب بين البلدين الجارين، اللذين ما يزالان رسمياً في حالة حرب، الهدف بالنسبة لواشنطن هو إبعاد لبنان عن النفوذ الإيراني.

اقرأ أيضاً: "حزب الله" لن يستطيع جعل لبنان إيران أخرى!

وتجدر الإشارة إلى أنّ دور سوريا في هذه المحاور ليس واضحاً تماماً، كما تشهد على ذلك الانقسامات على الساحة الأمريكية الداخلية فيما يتعلق بالسياسة تجاه نظام بشار الأسد. منذ عام 2020 فرض قانون قيصر نظام عقوبات على دمشق، لكن بشكل استثنائي، في إطار الاتفاق الموقّع مع لبنان لاستيراد الغاز المصري والأردني سيَعْبُر الغاز أراضي سوريا بموافقة واشنطن. لقد أثار هذا الخبر معارضة شديدة من قبل الجمهوريين، لأنّ العقوبات فُرضت في عهد ترامب، بهدف خنق النظام السوري وإضعاف حزب الله اللبناني؛ فعشية انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة تشهد المواقف توتراً حاداً، وقد بدأ الجمهوريون، الذين يتمتعون بموقع جيد في استطلاعات الرأي يحتلون الصدارة؛ لذلك فإنّ استيراد الغاز إلى لبنان ليس هدفه حلّ أزمة طاقة خطيرة فقط؛ فالمسألة أيضاً مسألة جدّ سياسية.

هل موقف واشنطن من سوريا علامة على تطبيع وشيك للعلاقات مع دمشق، وعلى تنامي عدم الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط؟

من المؤكد أنّ الولايات المتحدة قد انسحبت تدريجياً من المنطقة؛ لأنّ وجودها كلّفها غالياً، من الناحيتين البشرية والمالية، وترغب في إعادة توجيه سياستها نحو المحيط الهادئ، لكنّني لا أتحدث هنا عن عدم الاهتمام بالمنطقة، في السنوات الأخيرة وقّعت إسرائيل على اتفاقيات أبراهام، وبدأت في التمهيد للتقارب من الرياض، تحت رعاية الولايات المتحدة، فحتى هذا اليوم لا تتم التحركات الرئيسة في المنطقة دون الأمريكيين. وسواء تعلّق الأمر باستيراد الغاز إلى لبنان أو ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل وبلد الأرز تظلّ واشنطن وسيطاً أساسياً.

على وجه التحديد، فيما يخصّ ترسيم الحدود البحرية: شرعت إسرائيل ولبنان في مناقشات غير مباشرة، لكنّها توقفت في ربيع عام 2021، بسبب الخلافات حول خط هوف؛ كيف نفسّر توقف المفاوضات حتى هذا اليوم؟

لطالما اختلف الإسرائيليون واللبنانيون حول مسار حدودهما البحرية، لقد ظلوا لسنوات متّفقين على نقطة البداية، لكن ليس على نقطة الوصول في هذه الحدود، وشكّلت المنطقة المتنازع عليها نوعاً من المثلث بمساحة 860 كيلومتراً مربّعاً في الفضاء البحري.

اقرأ أيضاً: هل يعرقل سلاح حزب الله التقارب الخليجي اللبناني مجدداً؟

كانت المفاوضات غير المباشرة، التي بدأت في نهاية عام 2020، تهدف إلى التوصل إلى اتفاق حول ترسيم هذه الحدود، وكانت الولايات المتحدة تأمل في أن تحقق اتفاقاً بين اللبنانيين والإسرائيليين حول تقسيم على مستوى خط هوف الذي يقسم المنطقة المتنازع عليها إلى قسمين تقريباً (55٪ للبنان و45٪ لإسرائيل). تشهد هذه المفاوضات غير المسبوقة على إلحاحية قضية الطاقة بالنسبة إلى لبنان، المنغمس في أزمة، لكن في ربيع عام 2021 أصدر اللبنانيون فجأة مطالب جديدة، بناءً على دراسة بريطانية أجريت قبل بضع سنوات؛ لقد شككوا في نقطة الانطلاق لرسم حدودهم، وأكّدوا أنّه ينبغي دمج 860 كيلومتراً مربعاً بالكامل في المياه اللبنانية، وطالبوا بحوالي 1500 كيلومتراً مربعاً أخرى في المجال البحري لإسرائيل، لكن من منطقهم رفض الإسرائيليون التفاوض في ظلّ هذه القواعد الجديدة، لكنّ المفاوضات لم تتوقف توقفاً تماماً في الوقت الراهن.

لماذا أظهر لبنان فجأة أنه أكثر حزماً في مطالبه؟ يبدو أنّ الشركات الأجنبية التي تدرس المنطقة البحرية لديها قناعات جدّية بوجود حقل غاز كبير في المنطقة المتنازع عليها، سيكون الرهان بالنسبة للبنانيين هو استعادة هذه المنطقة حتى يتمكنوا من استغلال الحقول، لكنّ وجود هذا الغاز ما يزال غير مؤكد.

منذ ربيع عام 2021 توقفت المناقشات، لكنّ الوقت لا يلعب بالطريقة نفسها على كلّ جانب؛ فعلى الجانب الإسرائيلي تم اكتشاف الرواسب واستغلالها منذ عدة سنوات (من أهمها تمار وليفياثان)، وقد طوّر الإسرائيليون إستراتيجية طاقة حقيقية. أما على الجانب اللبناني، فعلى العكس، الوضع كان أكثر إلحاحاً واستعجالاً، هناك إلحاح، بالنسبة إلى لبنان؛ يظلّ اكتشاف الغاز واستغلاله ضرورة مطلقة، ومن المفارقات أنّ لبنان طوّر موقفاً مطلبياً أكثر حزماً من الإسرائيليين، بينما من مصلحته القصوى تسريع أنشطة الاستكشاف.

..خاصة أنّ إسرائيل مكتفية ذاتياً لسنوات قادمة من حيث الطاقة

البلد ليس مكتفياً من حيث النفط، لكن من حيث الغاز؛ فهو مكتفٍ ذاتياً فعلياً منذ اكتشاف الرواسب في البحر الأبيض المتوسط، وهذا الغاز ضروري لإنتاج الكهرباء في البلاد، لكن هذا لا يعني أنّ إسرائيل تتمتع بأمنٍ من حيث الطاقة، فالإسرائيليون يعتمدون على حقلَيهم، لفياتان وتمار، اللذين يشكّلان أهدافاً عسكرية محتملة.

الإعلان عن استيراد الوقود الإيراني، عام 2021، كان قبل كلّ شيء رمزياً؛ فهو لم يحلّ الأزمة في لبنان، خصوصاً لأنّ العقوبات الأمريكية لا تسمح لإيران بتصدير نفطها بهدوء

منذ إنشائها كانت الدولة اليهودية دائماً في حالة من الضغط بسبب الطاقة، وقد أمضى الإسرائيليون عقوداً في البحث عن الموارد الطبيعية لتزويد البلاد بالنفط (دون نجاح في عمليات البحث في الأراضي الإسرائيلية)، وغيّرت اكتشافات الغاز في البحر الأبيض المتوسط، ​​في العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، علاقتها بالطاقة، خاصة أنّ الوصول إلى النفط اليوم قد تمّ تحريره؛ فهو لم يعد مشكلة للدولة اليهودية التي تستطيع استيراده بسهولة، اكتشافات الغاز هذه نعمة لإسرائيل؛ لأنّها، في سياق الاحتباس الحراري، تحاول الحدّ من استخدام الفحم لإنتاج الكهرباء، والغاز مصدر أنظف لكوكب الأرض.

كيف يؤثر عدم الاتفاق حول ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان على عمليات البحث عن الغاز؟

في الوقت الحالي تمتنع الشركات الأجنبية عن الاستكشاف في هذه المنطقة؛ في كانون الأول (ديسمبر) الماضي جدّد لبنان الجولة الثانية لمنح امتيازات للتنقيب البحري في المياه المتنازع عليها، لكنّ وزير الطاقة الإسرائيلي احتج قائلاً إنّ اللبنانيين لا يمكنهم التنقيب في غياب اتفاق؛ لذلك لم يبدأ الكونسورتيوم بين "توتال" و"إيني" و"نوفاتك" سوى بالتنقيب في شمال لبنان، حيث لا يوجد نزاع جيوسياسي، لكن هناك أيضاً حيث لا وجود للغاز في الظاهر.

بالنسبة إلى إسرائيل يُعدّ بيع الغاز للبنان نعمة أيضاً، تبحث الدولة اليهودية عن منافذ لتصدير غازها، في وقت يتعرض فيه مشروع "EastMed" المفترَض لنقل الغاز الإسرائيلي إلى القارة الأوروبية لانتقادات، ويبدو أنّه أكثر طموحاً من أن يمكن تنفيذه.

بالضبط، بدأ الإسرائيليون في السنوات الأخيرة ببيع غازهم للمصريين والأردنيين، يمكن أن يشكّل اتفاق غير مباشر مع لبنان فرصةً جيّدة لإسرائيل؛ لأنّ بيروت تفتقر بشدة إلى الطاقة، والدولة اليهودية تمتلك القدر الذي تستطيع أن تعيد بيعه، خاصة أنّ النقل سهل، لأنّ الأنابيب موجودة بالفعل: خطّ الغاز العربي يربط مصر بلبنان، عبر الأردن وسوريا، وهنا فرع إضافي يربط بالفعل إسرائيل بمصر.

اقرأ أيضاً: ما هي رسائل حزب الله في كشف شبكات تجسس إسرائيلية في لبنان؟

في الوقت الحالي، لا يبدو استيراد الطاقة الإيرانية حلاً مستداماً طويل الأمد بالنسبة للبنان، وهذا بسبب العقوبات الغربية التي تثقل كاهل طهران، تستعدّ بيروت لاستيراد الغاز من الأردن ومصر، ربما قد تدفع الأزمةُ بالدولة، في نهاية المطاف، إلى استيراد الغاز الإسرائيلي، ولو بشكل غير مباشر، فمن يضمن أنّ الغاز الذي سيبيعه المصريون والأردنيون إلى لبنان ليس مستورداً من إسرائيل؟

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://www.lesclesdumoyenorient.com/Entretien-avec-David-Amsellem-Le-conflit-entre-l-Iran-et-les-Etats-Unis-se-3485.html




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية