داعش يسعى للتمايز عن التنظيمات الإسلامية الآفلة

داعش يسعى للتمايز عن التنظيمات الإسلامية الآفلة

داعش يسعى للتمايز عن التنظيمات الإسلامية الآفلة


14/02/2023

هشام النجار

قارن تنظيم داعش نفسه قبل أيام بجماعة الإخوان في مصر ومنح هذه المسألة جزءا كبيرا من تقييمه لتجربة تيار الإسلام السياسي في الحكم، وهدفه طرح نفسه كبديل مُنجِز عن جماعات يتهمها بالتخاذل والانحراف العقائدي في سياق مرتبط بالمرحلة الراهنة التي تشهد فشلا لمختلف الجماعات الإسلامية في تجربة الحكم.

وقد طرح داعش رؤية أخيرا، مفادها أن أحد الأسباب الرئيسية في فشل تجارب الإسلاميين في السلطة، بداية من تجربة الإخوان في المنطقة العربية وانتهاءً بالمأزق الذي تعاني منه حركة طالبان في أفغانستان، كونها محلية ولا تبدي اهتمامًا بإقامة الخلافة العابرة للحدود ولا تطبق المعايير الصارمة لتحكيم الشريعة وفقًا لتصورات هذا التنظيم.

ولم يجد داعش طريقة لترويج نفسه في مصر والمنطقة العربية مجددا سوى توجيه الانتقادات لجماعة الإخوان وحركة طالبان وأطلق عليهما وصف “الجماعات اللاإسلامية”، في مقابل إدعاء أنه التنظيم الأجدر بتمثيل الإسلام، والوحيد الواقف في ساحات الجهاد.

ورغم أن جميع التنظيمات بما فيها داعش تعاني من الهزائم والفشل، إلا أن الأخير يريد الإيحاء بأنه المنقذ الوحيد، والقادر بقوة السلاح على تحقيق الأهداف، وإعلان ما وصفه بـ”الجهاد” لمعالجة الكوارث التي نتجت عن اتباع الإخوان النهج السلمي والديمقراطية، وتخاذل طالبان عبر نموذج حكم محلي يتسول الاعتراف به من الولايات المتحدة والقوى الدولية.

وبدا داعش، عبر إصدار مرئي بثه على حساب مناصر له في تليغرام (الجمعة) بعنوان “ولا تتبعوا السبل”، حريصًا على ألا يُذكر اسمه بجانب مختلف التنظيمات المهزومة والفاشلة، وأن يظهر متمايزًا عنها كي لا يُحسب في عداد مجموعات الإسلام السياسي الآفلة في بعض المناطق، وتلك التي توشك على الأفول في أخرى.

وركز التنظيم في هذا الإصدار على مصر، كونه بات رسميًا ضمن التنظيمات التي ألحقت بها أجهزة الأمن المصرية هزيمة كبيرة، حيث أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي أن بلاده خالية من الإرهاب.

ويظن داعش أن محاولاته لاستعادة قوته في الشرق الأوسط، مستغلًا الأزمات الإنسانية والاقتصادية، لن تنجح إلا بغسل وتلميع سمعته المنهارة في مصر بعد هزائم تلقاها في سيناء، وفي ظل فشله المتكرر في إظهار التماسك عبر عمليات عكست يأسه وفضحت ضعف إمكانياته.

وأراد التنظيم المتطرف القول عبر إصداره الأخير إن إعلان هزيمته من قبل القادة والمسؤولين في مصر ليس نهائيًا ولن يستمر طويلا، فهذه مرحلة مؤقتة لأنه يملك القدرة على معاودة التجنيد مستفيدًا من التناقضات داخل الحالة الجهادية والآثار التي تركتها تجربة جماعة الإخوان الفاشلة.

وهذا الإصدار ليس الأول الذي تنشره مؤسسة مناصرة لداعش عن مصر (الدرع السني)، وجاء بعد نحو أسبوعين من نشر إصدار شبيه عن طريق مؤسسة “حرب وإعلام” التابعة لما يعرف بالإعلام المناصر للتنظيم، وتعيد تلك الإصدارات إنتاج ما نشره داعش سابقًا في شكل جديد، أي أنها لا تخرج عن الإطار العام للتنظيم.

ودعا داعش المصريين عبر قياديين ملثمين، ظهرا في الإصدار المرئي الذي بثه حساب مناصر له على تليغرام بعنوان “الدرع السني”، إلى اعتزال من خدعوهم بإمكانية تطبيق الشريعة عن طريق “صناديق الانتخابات”، زاعمًا أن الطريق الصحيح هو حمل “صناديق الذخيرة”.

وصور الإصدار المرئي قادة جماعة الإخوان في مصر وتونس كمتخاذلين ومتواطئين مع الغرب أو الأنظمة العلمانية أو المسيحيين، زاعمًا أن الخلاص مما أسماه بحكم “الطواغيت والمرتدين وهيمنة عبّاد الصليب لن يتحقق بالسلمية والمهادنة إنما بالبطش وقوة السلاح”.

وأكد خبراء في الحركات الإسلامية أن إصدار داعش يأتي في إطار الحرب النفسية وخطط التجنيد من داخل تيار الإسلام السياسي والتيار الجهادي الذي يعاني في مجمله من اليأس والإحباط، ويمثل مادة جاهزة للاستقطاب باتجاه التنظيمات التكفيرية المسلحة الأكثر تشددًا.

وأوضح الخبير في شؤون الحركات الجهادية أحمد سلطان أن تلك الإصدارات هدفها تثبيت من تبقى من عناصر داعش في سيناء بمصر والسعي لتجنيد مقاتلين جدد من أنصار التيار الإسلامي بعد فشل داعش المتكرر في تجنيد عناصر جديدة خلال الفترة الماضية.

وأضاف لـ”العرب” أن “الإصدار جاء في ظل فشل التنظيم بسيناء في تنفيذ هجمات إرهابية جديدة، منذ الهجوم الأخير الذي حدث في مدينة الإسماعيلية (قرب قناة السويس) قبل نحو شهرين، علاوة على كونه محاولة يائسة لحشد التأييد لفرعه في سيناء بعد الهزائم الكبرى التي تلقاها في الفترة الماضية وإجهاض خططه للتحرك خارج سيناء”.

وحضّ داعش على الخروج بالقوة على حكم الرئيس السيسي الذي وصفه بـ”المرتد” وقتال الأقباط والجيش والشرطة قائلًا “يا أهل الكنانة يا من جربتم ذل السلمية وهوان الديمقراطية، أما آن لسهامكم أن تنفذ في صدور المرتدين”.

وشجّع التنظيم على تنفيذ عمليات إرهابية على طريقة “الذئاب المنفردة” باستخدام الخناجر والسكاكين والآلات البدائية حال فقدان القدرة على حيازة سلاح ناري.

وختم إصداره بمقتطفات من كلمة قديمة للمتحدث الأسبق باسم التنظيم أبومحمد العدناني بعنوان “الداء والدواء” زعم خلالها أن تغيير الواقع وتحكيم الشريعة وإقامة الخلافة لا تتحقق بالثورات السلمية والانتخابات وإنما بقوة السلاح وإعلان الجهاد.

وقال الخبير في شؤون الحركات الإسلامية ماهر فرغلي إن “إصدار داعش حول مصر ورئيسها دون غيرها من الدول يأتي في سياق الهجمة المنظمة ضد الرئيس السيسي والتخطيط الدائم لوقف التنمية في الدولة”، مشددًا على أن ذلك يدل على ضعف التنظيمات التي افتقدت العنصر البشري المناصر لها.

ويراهن داعش، من أجل العودة مجددًا بعد هزائمه في مصر والشرق الأوسط، على استمرار قدرته على بعث أيديولوجيته المتطرفة عبر وسائل عديدة، في ظل ضعف وبطء مسار التوعية الفكرية والدينية.

ويرى التنظيم التكفيري أن الأزمات العالمية، خاصة المتعلقة بوباء كورونا وما ترتب على الحرب الروسية – الأوكرانية والأزمات الإقليمية، ولاسيما ما اتصل بكارثة الزلازل في كل من تركيا وسوريا، قد تمنح التنظيم قوة دفع مادية ومعنوية لاكتساب أرضية للتمدد وتجنيد عناصر جديدة.

ويبدو أن ما حققه التنظيم من نفوذ وحضور في ساحات بعيدة، من خلال فرعه في أفغانستان وباكستان (ولاية خراسان) وعدد من المناطق في غرب أفريقيا، يجعله يخطط لاستعادة حضوره ونفوذه في معاقله التقليدية القديمة داخل ساحات مثل سوريا والعراق ومصر وليبيا. وقد يتيح اكتساب نفوذ قوي في أفغانستان ومحيطها لداعش حرية نسبية في وضع مخططات تستهدف ساحات بعيدة، منها دول في الشرق الأوسط.

وثمة تكتيكات يتبعها التنظيم قد تمكنه من العودة، منها إصدار هويات جديدة، حيث رصدت وكالات استخباراتية مختلفة إصدار عدد كبير من إرهابيي داعش جوازات سفر أفغانية بتسهيلات من حكومة طالبان وعبر أجنحة نافذة في الحركة.

وقد وجد داعش في توظيف المتناقضات داخل الحالة الجهادية والآثار السلبية لسقوط الإخوان وتخبط حكم طالبان وسيلة أكثر جدوى للتجنيد والاستقطاب مقارنة بدعوته إلى حمل السلاح والخروج بالقوة ضد الأنظمة.

وأظهر التنظيم في إصداره الأخير انتهازية فجة، إذ أكد تسلسل الأحداث وجود تنسيق مسبق وتبادل مصالح بين كل من الإخوان وحماس من جهة، وداعش سيناء من جهة أخرى، بعد الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي في العام 2013، ونُسب إلى داعش عدد كبير من العمليات الإرهابية التي شُنت لمواجهة قوات الأمن والمدنيين في مصر بعد هذا العام.

ولُوحظت مضاعفة داعش سيناء لعملياته عقب عزل الإخوان عن السلطة مستهدفًا قوات الجيش والشرطة، في حين ظل يركز قبل هذا التاريخ (خلال الفترة بين 2012 و2013) على استهداف خطوط نقل الغاز الطبيعي التي تربط بين مصر وإسرائيل والأردن.

وسبق أن انضم العشرات من كتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، إلى داعش وصنعوا فارقًا في قوته العملياتية بما يمتلكونه من خبرات، وبروز مؤشرات تفيد بتواطؤ الحركة الفلسطينية مع داعش في بعض العمليات التي استهدفت الجيش المصري عام 2017.

ويتنصل داعش الآن من علاقاته القديمة بالإخوان وحماس للهرب من الهزيمة العامة لتيار الإسلام السياسي في المنطقة، مُلصقًا المسؤولية بهم زاعمًا اختلافه عنهم.

وما يعيق التنظيم عن تحقيق أهدافه إصرار مصر على تثبيت نصرها على الإرهاب بمختلف جماعاته ووضع هذا الملف على قائمة أولوياتها للحفاظ على مناخ الاستقرار والأمن كضامن رئيسي لمواصلة مشروع التنمية.

وفقد داعش سيناء غالبية قادته وعناصره وعجز عن تعويض خسائره، ما أدى إلى انهياره وتفككه في الساحة المصرية ومحيطها الإقليمي، حيث كان التنظيم موكلًا بالعمل في سيناء وفلسطين بالتنسيق مع خلاياه ومناصريه ومع قادته وناشطيه بتنظيمه المركزي.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية