ديدي في مواجهة النووي الإيراني: ماذا نعرف عن رئيس الموساد الجديد؟

ديدي في مواجهة النووي الإيراني: ماذا نعرف عن رئيس الموساد الجديد؟


27/05/2021

“سواء كان هناك عودة للاتفاق النووي أم لا سنفعل كل شيء لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي (..) هذه أولوياتك القصوى التي باستطاعتك تنفيذها كما عهدناك يا ديدي”.

بهذه الكلمات، وفي حفل محدود بمقر جهاز الموساد الإسرائيلي قبل يومين، شارك رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في مراسم تسلم ديفيد برنياع (56 عام)، لمهام منصبه الجديد كرئيس للجهاز بشكل رسمي مطلع الشهر القادم، وذلك بعد تصديق المدعي العام في إسرائيل على قرار التعيين ومن ثم الإفصاح عن هوية وسيرة برنياع، والذي كان نتنياهو قد أصدر قرار بتسميته كرئيساً جديداً للاستخبارات الإسرائيلية في ديسمبر الماضي دون سريان ذلك بشكل رسمي.

وكانت اللجنة القضائية المختصة بتعيين كبار المسؤولين في إسرائيل، قد أقرت لاحقاً تعيين برنياع في منصبه الجديد، وهو ما دعم تصديق المدعي العام الإسرائيلي من الناحية القانونية والسياسية، حيث نقلت صحيفة جيروزليم بوست قوله “بما أنه لا يبدو أنه سيكون هناك حكومة مطلع يونيو القادم وقت انتهاء فترة خدمة رئيس الموساد الحالي، فإنه لا مفر من التصديق على قرار تعيين برنياع”.

كان قرار نتنياهو، بتعيين “ديدي” -كما يُلقبه زملاؤه واصدقاؤه- قبل ما يربو عن 6 أشهر، قد أثار عاصفة من الجدل في الأوساط السياسية الإسرائيلية، وهو ما جعل المدعى العام هناك يجمد التصديق على هذا القرار لحين الانتهاء من تشكيل الحكومة الائتلافية حسب ما صرح به وقتها.

ويأتي التصديق على قرار نتنياهو وسط سياق مليء بالخلافات المتشعبة داخل الطبقة السياسية في إسرائيل، التي شهدت 4 انتخابات في عامين أخرها انتخابات غير حاسمة في مارس الماضي، وهو ما انعكس على قرار تعيين رئيس الموساد الجديد على مستويات سياسية وعسكرية/أمنية، حيث اعتراض زعماء كتل الائتلاف الحكومي وقتها على اتخاذ نتنياهو هذا القرار -أواخر العام الماضي- بشكل منفرد وخارج التفاهمات التي شُكلت على أساسها الحكومة قبل الأخيرة.

وطبقاً لتقرير لقناة “كان” الإسرائيلية أواخر العام الماضي، فإن وزير الدفاع ورئيس الأركان الأسبق، ورئيس الوزراء البديل حالياً، بيني جانتس، والذي كان قد عارض قرار نتنياهو وقتها وتسبب في تجميده،  قد أبدى ما وصفته القناة بـ”الامتعاض” من طريقة اتخاذ نتنياهو قراره بتعيين (د) -الاختصار المشير لبرنياع قبل الكشف عن هويته- وإدخال أمر هام كتعيين رئيس جديد لأهم جهاز أمني في إسرائيل في سياق الاستقطاب السياسي والتجاذبات الحزبية المزمنة. وذلك بخلاف ما نُقل عن جينتس في التقرير أن هذه الخطوة كانت بمثابة تأكيد لإيران حول مسؤولية إسرائيل عن سلسلة الهجمات الميدانية والسيبرانية التي استهدفت برنامجها النووي، وأهمها حادثة اغتيال العالم النووي، محسن فخري زاده، وقرار نتنياهو المبكر بتعيينه رئيساً للموساد بعد هذه الحادثة بأقل من شهر.

وفي وقت سابق أيضاً، اعتبرت النائبة في الكنيست عن حزب “هناك مستقبل”، كارين الحرار، أن قرار نتنياهو أتى لعرقلة فرصة رئيس حزبها والمكلف بتشكيل الحكومة مؤخراً، يائير لبيد، في إجراء ما أسمته بـ”تغيرات مطلوبة” في البنية العسكرية والأمنية في إسرائيل حسب أولويات أمنها وليس أولويات نتنياهو السياسية، نافية في الوقت ذاته أن يكون هناك أي تحفظات على شخص وكفاءة “ديدي”.

وعلاوة على ما سبق، فإنه تجدر الإشارة إلى أن التبكير بقرار التعيين قبل انتهاء فترة رئيس الموساد السابق، يوسي كوهين، بستة أشهر، قد فسره بعض المحللين الإسرائيليين بأنه يأتي في سياق تحضير الأخير لخوض غمار الحياة السياسية، لاسيما بعد الإنجاز الهام الذي قام به في سياق تطبيع العلاقات بين تل أبيب وعواصم عربية.

من هو رئيس الموساد الجديد؟

ديفيد جوزيف برنياع، متزوج ويعول أربعة أبناء أحدهم ضابط في الجيش الإسرائيلي. ولد في مارس 1965 لوالدين -ضابط ومُعلمة- من أصول ألمانية في مدينة عسقلان. نشأ وترعرع في مدينة ريشون لتصيون جنوب تل أبيب.

تلقي تعليم ديني في سن مبكرة، ثم تعليم عسكري في سن المراهقة وذلك بالتحاقه بالمدرسة العسكرية الداخلية بتل أبيب، والتي أعقبها فترة تجنيده الإلزامي في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1983، حيث خدم كأحد عناصر النخبة بوحدة إستطلاع هيئة الأركان العامة، “سايرت ماتكال”، والتي امتدت خدمته فيها سنة إضافية لمشاركته في أحد العمليات الاستخباراتية في هذا المرحلة المبكرة من حياته العملية.

عقب انتهاء خدمته العسكرية، انتقل لمدينة نيويورك بالولايات المتحدة حيث حصل هناك على درجة البكالوريوس في التخطيط من معهد نيويورك للتكنولوجيا، والماجستير في إدارة الاعمال من جامعة بْيس، وذلك بين عامي 1988 و1992.

يتقن العبرية واليديشية والعربية والألمانية والتركية والفارسية والإنجليزية، وإلمام جيد بلغات أوروبية أخرى.

وحسب صحيفة يديعوت احرنوت، فإن ديفيد تأثر بسيرة ومشوار والده المهني، الذي هاجر فلسطين مع أسرته وهو في الثالثة من عمره، وألتحق في سن مبكرة بأحد مدارس الـ”يشيفا” الدينية التابعه لأحد الأحزاب الدينية قبل النكبة، وانخرط في منظمة الـ”هاجاناه” الصهيونية في سن السادسة عشر، كأحد عناصر قواتها الخاصة الـ”بالماخ”، وبعد النكبة ألتحق بالقوات الجوية الإسرائيلية وتدرج فيها حتى رتبة مقدم، ثم اتجه بعدها للعمل في القطاع الخاص.

 ألتحق ديدي بالقطاع الخاص كمدير لأحد البنوك الاستثمارية بعد عودته من نيويورك، وتبع ذلك عدة أعمال خاصة كمحلل مالي ومدير تنفيذي لشركات رمادية، أي لها علاقة بالمؤسسات الأمنية في إسرائيل.

أنضم إلى الموساد (رسمياً) عام 1996 كضابط حالة، وتدرج في مختلف المناصب والمهام المتنوعة ما بين داخل إسرائيل وخارجها، وخاصة القارة الأوربية؛ حيث تولى الإشراف على العديد من العمليات الأمنية والاستخباراتية هناك وخاصة المتعلقة بتجنيد العملاء، وهو ما أهله لشغل منصب نائب رئيس وحدة “تسوميت” المتخصصة بهذا الأمر 2007، حيث يرجح وقتها عمله تحت إمرة يوسي كوهين الذي كان يترأس هذه الوحدة وقتها.

تولى بعد ذلك منصب مدير عمليات وحدة “كيشيت” في الموساد أيضاً، والمسؤولة عن التجسس المعلوماتي والتقني، ومراقبة الأنشطة الاقتصادية والعلمية للدول الصديقة والعدوة لإسرائيل في آن واحد. وحسب صحيفة يديعوت احرنوت، فإن برنياع ساهم بشكل كبير في تطوير أداء هذه الوحدة وخاصة فيما يتعلق بمجال القرصنة المعلوماتية والحروب السيبرانية وذلك في الفترة ما بين 2010 و2013.

وحسب صحيفة هآرتس، فأنه تولى رئاسة وحدة “تسوميت” أواخر 2013 وحتى 2019، بمهمة قصوى هي تجنيد عملاء من مختلف أنحاء العالم لتحقيق أولويات الموساد تجاه كل من إيران وحزب الله.

في 2019 تم تعيينه كنائب لرئيس الموساد ومديراً لإدارة العمليات، تحت إمرة يوسي كوهين من جديد، وهو ما اعتبر بعض المحللين الأمنيين في الصحافة الإسرائيلية رئاسة فعلية لنشاط الموساد الأساسي الذي شهد ذروة نشاطه المضاد لإيران، وذلك في الوقت الذي كان كوهين مضطلع بملف تطوير العلاقات العربية الإسرائيلية.

وذكرت صحيفتا هآرتس وجيروزليم بوست، أن عدد معتبر من المسؤولين الاستخباراتيين قد أثنوا على قرار نتنياهو باختيار برنياع كرئيس للموساد، واصفين إياه بأنه غير تقليدي وغير متحفظ وله طرق استثنائية ومبتكرة في التخطيط والتنفيذ وإدارة العمليات، وأنه سيعمل على تعزيز التعاون بين الموساد والوكالات الاستخباراتية الصديقة، لاسيما الاستخبارات المركزية الأميركية.

عن "مركز الإنذار المبكر"

الصفحة الرئيسية