غزة: جفت الزيتون حين يغدو مصدر رزق لعائلات أنهكها الحصار

غزة

غزة: جفت الزيتون حين يغدو مصدر رزق لعائلات أنهكها الحصار


10/11/2019

مع بدء موسم حصاد ثمار الزيتون، وعصر بذوره لاستخراج الزيت منه في كلّ عام، تلجأ بعض العائلات الغزية، التي أنهكها الحصار الإسرائيلي، في ظلّ ارتفاع معدلات البطالة لمستويات كبيرة، وقلة فرص العمل، إلى التهافت على معاصر الزيتون المنتشرة في قطاع غزة، للحصول على جفت الزيتون، وتجفيفه وبيعه، ليكون مصدر رزقهم الوحيد، بعدما كان الجفت، لأعوام عديدة، يشكّل عبئاً بيئياً داخل القطاع، ويتم التخلص منه وإلقاؤه داخل التربة، ما أدّى إلى تقليص مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وتلويث المياه الجوفية.

اقرأ أيضاً: الترميم يعيد الروح لمقام الخضر في غزة أثرياً وثقافياً
جفت الزيتون يتم استخراجه من بذور الزيتون بعد عصره، وهو مكون من أخشاب البذور وألياف اللبّ، ويمثّل بين 40 و50% من أصل وزن الثمرة؛ يوضع في مكابس خاصة ليتم تشكيله أسطوانياً، ومن ثمّ تجفيفه بعد تعريضه لأشعة الشمس المباشرة، وما إن يجفّ حتى يصبح جاهزاً ليكون مصدراً جديداً للطاقة البديلة، في ظلّ الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 13 عاماً، وانقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر لفترات طويلة.

ما إن يجفّ حتى يصبح جاهزاً ليكون مصدراً جديداً للطاقة البديلة

ويبدأ موسم جفت الزيتون، بين شهرَي أيلول (سبتمبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) من كلّ عام، بعد أن يتم جني محصول الزيتون وعصره؛ حيث يعدّ من أهم المواسم السنوية بالنسبة إلى سكان قطاع غزة، في ظلّ توفّر عدد كبير من الأشجار التي تتكفل في تغطية جزء كبير من حاجة السكان من الزيت والزيتون والجفت.

ويتميز جفت الزيتون بحرارته العالية، وهو مصدر بديل للطاقة رخيصة الثمن؛ حيث لا يتجاوز سعر الكيس الواحد (وزن 50 كيلوغراماً)، مبلغ 5 شواكل (1.5 دولار أمريكي)، في حين إنّ سعر إسطوانة الغاز (وزن 12 كيلوغراماً) في غزة يبلغ ثمنها 65 شيكل (20 دولاراً أمريكياً).

التقلبات المستمرة في أسعار المحروقات دفعت الفئات الشعبية وذوي الدخل المحدود في قطاع غزة للبحث عن بدائل أقل كلفة

ويعاني سكان قطاع غزة، البالغ عددهم قرابة المليون و900 ألف مواطن، من أزمة كهرباء خانقة؛ جراء عدم توفر كميات كافية لتشغيل محطة الطاقة الرئيسة في القطاع، الأمر الذي أثّر في جميع مناحي الحياة، ودفع السكان للبحث عن بدائل أخرى لحلّ المشكلة.
وسبق أن تسبّب إشعال الشموع والمولدات الكهربائية باندلاع حرائق داخل المنازل بغزة، أدّت إلى وقوع ضحايا بين ساكنيها، بفعل استخدام تلك الوسائل البدائية بهدف الإنارة والتدفئة جراء برودة الطقس.

ونتيجة لتزايد الاهتمام بجفت الزيتون نشرت إحدى الجامعات الفلسطينية ورقة علمية في مجلة "International Journal of Sustainable Energy" لبحث إمكانية إنتاج الطاقة من جفت الزيتون (olive cake) في المناطق الفلسطينية المُحتلة؛ حيث تشير الدراسة إلى أنّ كمية مخلفات إنتاج حوالي 100 ألف طنّ من زيت الزيتون في المناطق المحتلة، عام 2010، وصلت إلى أكثر من 28 ألف طن، وهي كمية قادرة على إنتاج حوالي 1.3% من مُجمل الطاقة التي تمّ استهلاكها في عام 2009 في الضفة والقطاع.

يعاني سكان قطاع غزة من أزمة كهرباء خانقة

ووفق الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2018، فإنّ معدّل البطالة بلغ حوالي 18% في الضفة الغربية، مقارنة بحوالي 19% عام 2017، في حين بلغ المعدل حوالي 52% في قطاع غزة، مقارنة بـ 44% عام 2017.

وتعتاش من جفت الزيتون عدة عائلات فلسطينية، تقوم ببيع الجفت بعد شرائه من معاصر الزيتون، والترويج له في الطرقات وأزقة المدن والمخيمات في قطاع غزة، ليكون مصدر دخل لهم، بالتالي؛ فهو يتيح فرص عمل جديدة لبعض العاطلين عن العمل، ويخفّف من نسب البطالة المرتفعة في فلسطين.
مصدر رزق
مع بداية شهر أيلول (سبتمبر) من كلّ عام، يبدأ المواطن يونس سالم (39 عاماً)، من حي الشجاعية، شرق قطاع غزة، بالتحضير لموسم جني الزيتون لتجهيز الأرض المجاورة لمنزله وتمهيدها لتخزين كميات كبيرة من الجفت.

ويستخدم سالم، الذي يعيل أسرته المكونة من 7 أفراد، عربة يجرها "حمار" لنقل أكياس الجفت، بعد أن يتم تعريضها لأشعة الشمس المباشرة، وتحويلها إلى أسطوانات خشبية جافة لبيعها داخل الأسواق.

اقرأ أيضاً: مرضى قطاع غزة لم تقتلهم إسرائيل بالرصاص بل بالمنع من العلاج
ويضيف في حديثه لـ "حفريات"، وقد توشّح وجهه ويداه بالسواد: "أذهب في صباح كلّ يوم إلى معاصر الزيتون في منطقة النصيرات وسط القطاع، لشراء "تراكتور" (شاحنة صغيرة) من الجفت بمبلغ 200 شيكل (60 دولاراً أمريكياً)، ومن ثم أقوم ببيع الكيس الواحد وزن 50 كيلوغراماً بمبلغ 4 شواكل (1.2 دولار أمريكي)".

وبيّن سالم؛ أنّ "ما يتمّ الحصول عليه من عائد مالي من بيع جفت الزيتون يفي بتوفير متطلبات عائلتي المعيشية في ظلّ ارتفاع معدلات البطالة ومستويات الفقر لمستويات كبيرة، وهو مصدر رزقي الوحيد الذي أعتاش منه".
الإقبال على بيع جفت الزيتون يزداد عاماً بعد عام

طلب متزايد
أما المواطن عيسي الشرافي، من بلدة بني سهيلا شرق خانيونس، فيقول: "ننتظر موسم عصر ثمار الزيتون كلّ عام لشراء كميات كبيرة من الجفت وتخزينها داخل المنزل، وذلك لأنّ الكمية التي يتم عرضها تذهب فوراً، حتى أصبحنا نتسابق على شرائه لنضمن تواجده طوال العام مع تزايد طلب بعض المواطنين وأصحاب المخابز التقليدية ومزارع الدواجن على شراء الجفت بشكل كبير، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء".

ويضيف الشرافي (45 عاماً)، الذي يعيل أسرته المكونة من 5 أفراد، لـ "حفريات": "الإقبال على بيع جفت الزيتون يزداد عاماً بعد عام، وخلال الموسم الحالي هناك إقبال جيد على شراء الجفت لاستخدامه في المواقد المنزلية، وكسماد للمحاصيل الزراعية، وهو مصدر رزقي الوحيد؛ فأنا عاطل عن العمل منذ عدة أعوام، وأنتظر الحصول على مساعدة مالية تقدّر بـ 1200 شيكل (350 دولاراً أمريكياً) كلّ أربعة شهور من المخصصات التي تصرفها وزارة الشؤون الاجتماعية للفقراء والمحتاجين والمرضى في قطاع غزة".

اقرأ أيضاً: الأدوات الخشنة على حدود غزة هل تعود للخدمة من جديد؟

وتابع: "جفت الزيتون كلّما كان جافاً ارتفع سعره قليلاً عن الجفت الرطب، الذي تنبعث منه أدخنة ضارة تؤثر على الصحة والبيئة"، مبيناً أنّ "الجفت المجفف جيداً يوفر للمواطنين بدائل آمنة للتدفئة عن الوسائل التي تحتاج إلى طاقة كهربائية، والتي تتطلب إرهاق كاهل السكان بالمزيد من المال".
بدائل قليلة التكلفة
بدوره، يقول ساهر أبو مغصيب، صاحب معصرة الجليل للزيتون، بمنطقة النصيرات وسط مدينة غزة، لـ "حفريات" إنّ "التقلبات المستمرة التي تشهدها أسعار المحروقات دفعت الفئات الشعبية وذوي الدخل المحدود في القطاع إلى البحث عن بدائل أقل كلفة لتأمين احتياجاتها من جفت الزيتون للاستخدامات المتنوعة، بعد أن كان يتمّ التخلص من الجفت، لأعوام عديدة، بحرقه ودفنه داخل التربة، ما كان يتسبّب بأضرار بيئية وصحية كبيرة".

ولفت إلى أنّ "عملية تصنيع جفت الزيتون تتم من خلال عدة مراحل؛ تبدأ بجمع الجفت وتعريضه لأشعة الشمس لمدة 14 يوماً حتى يجف بشكل تام، ولا يتسبب بانبعاثات ضارة عند احتراقه، ومن ثم يجري تصنيعه بوضعه داخل آلات متخصصة ليخرج في مرحلته النهائية على هيئة مكعبات أو أسطوانات من الجفت سريع الاشتعال، وذات الطاقة الحرارية القوية"، مبيناً أنّ "30 ألف طنّ من ثمار الزيتون تنتج ما يقارب 150 ألف طنّ من الجفت".

عملية تصنيع جفت الزيتون تتم من خلال عدة مراحل

مصدر نظيف للطاقة
وأفاد بأنّ "جفت الزيتون هو مصدر نظيف للطاقة وغير ملوث للبيئة، ويستخدم حديثاً لتدفئة مزارع الدواجن مع دخول فصل الشتاء؛ حيث اعتمد مربّو الدواجن سابقاً على أسطوانات الغاز في تدفئة مزارعهم، إلى أن وجدوا في جفت الزيتون مصدراً رخيصاً وعملياً، وأقل تكلفة، مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى".

احتواء جفت الزيتون على طاقة مرتفعة تصل إلى 17 ميجا جول لكلّ كيلو غرام واحد، يجعله صديقاً للبيئة

وتابع أبو مغصيب: "الطلب على جفت الزيتون في تزايد مستمر، وقد مكّنت هذه الصناعة أصحاب معاصر الزيتون من إنتاج سلعة تجارية جديدة بأسعار زهيدة، ووضع هذه الصناعة في صلب اهتماماتهم، بعد أن شهدت تجارته رواجاً كبيراً بداخل الأسواق، وازداد الإقبال عليه من قبل أصحاب المخابز الشعبية وبعض المواطنين والمزارعين لاستخدامه في عمليات التدفئة، وكسماد عضوي للمحاصيل الزراعية".
طاقة مرتفعة
ويرى المهندس الزراعي، نصر عبد الرحمن، في حديثه لـ "حفريات" أنّ السكان في قطاع غزة يعانون من الانقطاع المستمر في التيار الكهربائي، وبالتالي؛ عدم وجود وسائل تدفئة آمنة، "حتى لجأ البعض إلى قطع الأشجار من أجل بيع الأخشاب واستخدامها في عمليات التدفئة وعمليات طهي الطعام، ما أدّى إلى تقلّص مساحة الأراضي الزراعية".

ولفت إلى أنّ جفت الزيتون كان يشكّل عبئاً بيئياً كبيراً، "خاصة أنّ مخلفات عصر الزيتون غير قابلة للتحلل، ويتسبب تراكمها في أضرار بيئية كبيرة على الأراضي الزراعية والمياه الجوفية، إلى أن ازداد توجه السكان نحو استخدام الجفت بعد الأزمات المتتالية التي تعرض لها القطاع، والذي يتميز برخص ثمنه وتوفره بكثرة، مع وفرة معاصر الزيتون التي تنتشر في مختلف قطاع غزة، والتي تصل إلى ما يزيد عن 28 معصرة".

وتشير الدراسات، بحسب عبد الرحمن، إلى احتواء جفت الزيتون على طاقة مرتفعة تصل إلى 17 ميجا جول لكلّ كيلو غرام واحد، "وهو ما يشكّل مصدراً صديقاً للبيئة وخالياً من المواد والانبعاثات الضارة، وبديلاً آمناً عن الفحم النباتي"، مبيناً أنّ "100 ألف طنّ من الزيتون تنتج ما يقارب 30 ألف طنّ من الجفت، الذي في حاجة إلى إعادة تدويره ليصبح مصدراً نظيفاً للطاقة وسماداً وعلفاً للحيوانات".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية