فتنة "الكيزان".. الإخوان داء السودان العضال وسر أزمته

فتنة "الكيزان".. الإخوان داء السودان العضال وسر أزمته

فتنة "الكيزان".. الإخوان داء السودان العضال وسر أزمته


27/04/2023

طارق أبو السعد

لم يعد خافيا على أحد أن داء السودان هو تنظيم الإخوان، وأنه المرض الحقيقي الذي أصاب البلاد بالهزال الاقتصادي والتفكك وجرها نحو النزاع.

فتنظيم الإخوان الذي سيطر على مفاصل السياسة والاقتصاد في السودان طوال حكم دام ٣ عقود فشل في تحقيق أي تنمية، وهو المسؤول عن تحويل السودان لقاعدة للعمليات الإرهابية، بعد احتضانه تنظيمات مثل "القاعدة" و"الجهاد" ومئات العناصر الإرهابية والمتطرفين الأجانب.

كما كان يستقبل الفارين من أحكام القضاء من عناصر الإخوان المصريين، وهم الذين يشعلون نار الفتنة ويؤججون الحرب الأهلية بين أبناء وطنهم من أجل عودتهم للحكم أو للمشهد السياسي.

هذا المرض لا علاج له إلا بالاستئصال، وتركه سيؤدي إلى مضاعفات لا يمكن معالجتها، فهم جسد غريب تم زرعه بدهاء لدوام الفوضى والنزاعات في هذا البلد.

ولفهم خطورتهم ومعرفة كيف أفسدوا حياة السودانيين، ترصد "العين الإخبارية" تاريخهم في السودان، وكيف قفزوا على السلطة وخربوا اقتصاد البلاد.

الإخوان "جسد غريب"

لا يعرف على وجه الدقة متى بدأ تنظيم الإخوان في الانتشار بالسودان، فتاريخ الجماعة كتنظيم سوداني مختلط بتاريخ انضمام بعض الإخوان السودانيين للجماعة وهم في القاهرة.

فكثير من الطلاب السودانيين كانوا يتلقون تعليمهم الجامعي في مصر وعلى وجه الخصوص بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1945، وكانت الجماعة تعيش أزهى عصورها في الانتشار والحرية في عقد مؤتمراتها واجتماعاتها، وكان من الطبيعي أن يتعرف السودانيون على التنظيم.

والمؤكد أن البنا لم يهتم بالسودان إلا متأخرا، وكذا سلطات الاحتلال البريطاني في السودان لم توافق على تكوين التنظيم إلا متأخرا، ربما عندما اقترب رحيله عن السودان فسمحت أخيرا بافتتاح فرع له، وكان يعلم قبل غيره قدراته على تفكيك أواصر أي عمل نضالي أو توعوي، وأن هذا التنظيم ما تواجد في مكان إلا أثار القلاقل فيه".

وفي احتفال الإخوان في مصر عام 1948 بمناسبة مرور عشرين عاما على تأسيس الجماعة، ذكر مرشدها ومؤسسها حسن البنا أن عدد "شعب" الإخوان بلغ 50 شعبة بالسودان.

وربما كان يبالغ في إظهار قوة التنظيم، لكن المؤكد أن الإخوان كان له مكتب إداري يرأسه عوض عمر إمام، ثم قام البنا بتعيين "علي طالب الله" مراقبا عاما لإخوان السودان في عام 1948.

وكانت الاشتراكية من الأفكار الثورية الشبابية التي وجدت مجالا خصبا في السودان، إذ تلقف طلبة كلية جوردون التذكارية (جامعة الخرطوم لاحقا) أفكار العدالة الاجتماعية والنضال ضد المستعمر الإنجليزي، وانتشرت بين الصفوة بشكل مقلق للسلطات الحاكمة وقتها، فتم استدعاء الإخوان لتفتيت تلك الأفكار وأي تنظيمات بين شباب الجامعة.

ونجح الإخوان في تشتيت الطلبة تحت الدعاية الدينية، التي تُشكل جزءا كبيرا ومهما من وعي المجتمع السوداني المتدين.

ولأن الجماعة الأمّ في مصر، آنذاك، كانت غير قانوينة نظرا لحلها، سميت حركة الإخوان في الجامعة بـ"حركة التحرير الإسلامي" وتبنت فكرة "الاشتراكية الإسلامية" لتفتيت الحراك الثوري في الجامعة، وكان على رأسها محمد يوسف محمد وبابكر كرار.

الإخوان وإرث الخلافات

نشبت الخلافات مبكرا بين مكونات الإخوان في السودان، فمجموعة بابكر كرار ترى الاستمرار في نشر فكرة "الاشتراكية الإسلامية"، ومجموعة "علي طالب الله" المراقب العام المعين من قبل البنا ترى ضرورة الالتزام بخط الجماعة في القاهرة.

ومن ثم انعقد مؤتمر لحسم الخلافات والصراعات بينهما في أغسطس/آب 1954، وأطلق عليه "مؤتمر العيد"، وانتهى إلى التمسك باسم "الإخوان المسلمين" وخط القاهرة الفكري والدعوي، وتم انتخاب محمد خير عبدالقادر أمينا عاما للتنظيم.

أغضب القرار مجموعة بابكر كرار، التي انفصلت وسمت نفسها "الجماعة الإسلامية"، ثم في مرحلة لاحقة ستتحول إلى "الحزب الاشتراكي الإسلامي".

كما أغضب أيضا مجموعة "علي طالب الله" الذي تمسّك بشرعيته كمراقب للإخوان في السودان بتكليف من البنا، وقد تدخل المركز العام في "القاهرة" لحسم الخلافات التي تمت تسويته من خلال انتخاب واحد من أعضاء مجموعة طالب الله كمراقب عام لإخوان السودان.

وتم انتخاب الرشيد الطاهر بكر، المحامي الذي سيغادر التنظيم والعمل والحركة الإسلامية فيما بعد، ويحافظ على تاريخه النضالي من دسائس الإخوان ومؤامراته.

مرحلة "الكمون"

دخل تنظيم الإخوان في مرحلة "سبات" و"كمون" بعد إلقاء القبض على المراقب العام للإخوان "الرشيد الطاهر" بتهمة المشاركة في محاولة انقلابية ضد النظام العسكري للفريق إبراهيم عبود.

وقد حكم عليه بالسجن 5 سنوات، لكن التنظيم أعلن براءته من المحاولة وقرار الرشيد، الذي تم عزله من قيادته، ليدخل في سُبات عميق ويتحين الفرصة للعودة مرة ثانية.

مرحلة "حسن الترابي"

وبعد ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964 التي أطاحت بنظام الفريق إبراهيم عبود لمع نجم حسن الترابي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الخرطوم العائد لتوه من الدراسة في باريس، وتفتق ذهنه عن تكوين "جبهة إسلامية" يكون الإخوان جزءا منها ويتخفى تحت الاسم.

يأتي هذا نظرا لما لحق بالجماعة الأم في القاهرة من مشاكل أمنية بعد الخلافات مع الرئيس المصري الأسبق "جمال عبدالناصر"، فأسس "جبهة الميثاق الإسلامي"، وهي لم تكن غير واجهة لتحرك الإخوان في السودان.

نجح الترابي في توسيع عضوية الجبهة وتحويلها إلى "جماعة ضغط" وتصدر المشهد كثالث أبرز الأحزاب في السودان، بعد حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي.

وفي أبريل/نيسان 1969، انتخب المؤتمر العام للإخوان حسن الترابي أمينا عاما لها، مما أزعج الخط التربوي الذي لم يكن راضيا عن خط الترابي السياسي الجبهوي الذي يتوسع في قبول العضوية وينتهج خطا انتهازيا.

وعلى إثر ذلك، جمد محمد صالح عمر نفسه، الذي كان رئيس المكتب التنفيذي للإخوان حتى ذلك الوقت، ومعه جعفر الشيخ إدريس وعلي جاويش، لكن ظل التجميد كامنا نظرا لقيادة العقيد جعفر النميري انقلابا في 1969 ولم يرحب بالإسلاميين في البداية.

الإخوان والجبهة وجهان لعملة واحدة

وبعد محاولة الانقلاب على جعفر النميري عام 1977 حدثت مصالحة بينه وبين الترابي، الذي تمكن من الانتشار في المجتمع في هذه الفترة.

وفي عام 1979 حدثت المفاصلة بينه وبين رموز الإخوان حول اسم الحركة، وعندما تمسك الترابي باسم "جبهة الميثاق" انتهز الإخوان الفرصة وأعلنوا تعيين "الحبر يوسف نور الدائم"، أستاذ اللغة العربية بجامعة الخرطوم، في منصب المراقب العام للإخوان بالسودان.

ورغم هذا الانفصال التنظيمي إلا أنه يعد انفصالا شكليا، فكل أهداف الترابي و"جبهة الميثاق" أو "الجبهة القومية الإسلامية" فيما بعد هي ذاتها أهداف الإخوان، والفارق فقط في شخصية الترابي التي كانت تستفز بعض الإخوان التقليديين.

ولم يقتنع الشعب السوداني بهذا الانفصال، فكان يتعامل مع الترابي والإخوان كأنهم كتلة واحدة، وتمكن الترابي من فرض قوانين سبتمبر/أيلول 1983، التي تفرض تطبيق الحدود وتمكن من تأجيج الخلافات بين الجنوب السوداني وبين الخرطوم.

كما تمكن الترابي من توجيه الرأي العام ضد القوانين المدنية والدستور المدني، وفي النهاية أسهمت تحركاته في الإسراع بالاطاحة بجعفر النميري عام 1985، وكون ما عرف بـ "الجبهة القومية الإسلامية".

وشارك الترابي في الحكومات التي تلت الانقلاب، وتقلد منصب وزير العدل ووزير الخارجية، وحاول الدخول للبرلمان إلا أنه أخفق.

حكم "الكيزان" وتخريب السودان

في 30 يونيو/حزيران 1989 قام العميد عمر البشير بالانقلاب على الحكومة الديمقراطية، وأعلن في بيان الانقلاب الذي سماه (ثورة الإنقاذ الوطني) أن دافع الانقلاب هو "الفشل الاقتصادي لديمقراطية المهدي"، و"فشل الحكومة في إقامة علاقات مع أفريقيا الوسطى".

وألقى البشير القبض على كل القيادات السياسية، من بينهم الترابي في حركة خداع للقوى الإقليمية حتى لا تنكشف علاقة الترابي بالبشير، وأن الأخير يقود انقلابا إخوانيا بحتا.

وعلى يد الإخوان تحول السودان من دولة إقليمية لها دور بارز في تحريك الأحداث العربية والأفريقية إلى دولة ترعى الإرهاب، فقد سمح الترابي لكل الجماعات الإرهابية بالدخول إلى السودان وإقامة معسكرات تدريب، وسمح لهم بالتخطيط والمشاركة في عمليات إرهابية في العمق الأفريقي.

وعلى أيديهم أهدرت الثروات الطبيعية لصالح عصابات التنقيب عن الذهب، وضعفت القوة الشرائية للعملة السودانية، وانهار اقتصاد الدولة التي وصفت بأنها سلة غذاء العالم إلى أبعد مدى.

كما ضمرت مسارات البحث العلمي وضعف الناتج التعليمي، سواء الجامعي أو ما قبل الجامعي، بعد أن كان السودان يقدم للعالم أفضل المعلمين.

ولهذا فإن تنظيم الإخوان هو داء السودان منذ حصوله على الاستقلال، فقد أفشل كل حراك قومي أو وطني، وشتت أذهان الصفوة المثقفة عن التحول الحقيقي نحو بناء البنية التحتية للسودان لتحقيق التنمية الاقتصادية، وها هو يشعل نارا أهلية ليعود إلى المشهد ولو على جثة الوطن.

عن "العين" الإخبارية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية