في سنغافورة.. البحث عن الانتماء من العوامل المشتركة بين المتطرفين الشباب

في سنغافورة.. البحث عن الانتماء من العوامل المشتركة بين المتطرفين الشباب

في سنغافورة.. البحث عن الانتماء من العوامل المشتركة بين المتطرفين الشباب


05/04/2023

منير بن وبر

قال وزير الدولة للشؤون الداخلية في سنغافورة، محمد فيشال، إن الجماعات الإرهابية تستقطب المراهقين الشباب من خلال استغلال خصائص النمو العامة التي يمرون بها؛ مثل “البحث عن الشعور بالانتماء والهوية، وميلهم إلى البحث عن الإثارة والمجازفة”.

 وأكد فيشال أن هذه هي العوامل المشتركة بين ضحايا التطرف من المراهقين الشباب. وحسب آراء خبراء وتقارير، فإن الجماعات الإرهابية والمتطرفة تستهدف الشباب من خلال المحتوى والتواصل عبر الإنترنت؛ استغلالاً لمثل تلك الاحتياجات. 

وعلى الرغم من أن سنغافورة لم تسجل أي تأثيرات إرهابية خلال العقد الماضي على الأقل -وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي- فإن وزارة الأمن الداخلي أعلنت في فبراير، تعاملها مع ثلاث حالات لمراهقين متطرفين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً، تأثر تطرفهم، كما قالت، بمجموعات المناقشة والألعاب عبر الإنترنت. 

يُذكر أن وزارة الأمن الداخلي السنغافورية قد تعاملت مع 11 شخصاً آخر من المتطرفين، دون سن 21، منذ عام 2015، وهو تطور مقلق للوزارة.

غالباً ما يتم الخلط بين التطرف والإرهاب عبر استخدام المصطلحَين بشكل تبادلي، إلا أن التطرف -على عكس الإرهاب- لا ينطوي على العنف، وإنما يمكن اعتباره شكلاً فكرياً متطرفاً، دينياً مثلاً أو قومياً أو سياسياً، خارج عن الاتجاه السائد للمجتمع، وربما يسعى أصحابه لتغيير المجتمع، أو تغيير النظام الحاكم أو حتى الإطاحة به.

تكمن خطورة التطرف في أنه يمكن أن يكون مقدمة للإرهاب؛ وذلك عندما تتحول الأفكار المتطرفة إلى أفعال عنف. لهذا، من المهم التفريق بين التطرف والإرهاب لتبني السياسات الملائمة للتعامل معهما.

عوامل مشتركة

وفقاً لصحيفة “straits times”، فإن العامل المشترك بين الشباب المتطرفين المحتجزين لدى السلطات السنغافورية، بموجب قانون الأمن الداخلي، هو تعرضهم إلى محتوى متطرف على الإنترنت. وقد ناقش البرلمان مؤخراً وزير الشؤون الداخلية، محمد فيشال، حول العوامل المشتركة بين حالات المراهقين المتطرفين المحتجزين، كما تمت مناقشة جهود وزارته للتصدي بشكل استباقي لخطر التطرف.

بشكل عام، سواء في سنغافورة أو أية دولة أخرى؛ فإن مخاطر التطرف والتطرف العنيف محدقة بكل المجتمعات؛ خصوصاً مع الاستغلال المتزايد للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وحتى ألعاب الفيديو الجماعية التي تتيح الدردشة بين اللاعبين؛ والتي من بينها العديد من ألعاب العنف والحركة. 

غالباً ما يكون لدى الشباب الذين يقعون ضحية التطرف عوامل مشتركة؛ منها الشعور بعدم الرضا عن الوضع الراهن والرغبة في التغيير، والشعور بالغربة، والتهميش، أو عدم الانتماء أو الانسجام مع المجتمع من حولهم؛ وهو شعور قد يدفعهم للبحث عن متنفس لغضبهم أو إحباطهم. يُعد الشباب الذين يواجهون مشاعر من هذا النوع، أو يظهرونها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو الجماعية، هدفاً مغرياً للجماعات المتطرفة والإرهابية.

عادةً ما تجذب الجماعات المتطرفة والإرهابية الشباب الباحثين عن المغامرة أو الإثارة. تقدم تلك الجماعات بديلاً اجتماعياً يمنح الباحثين عن الانتماء شعوراً بالهدف والمعنى والأخوة؛ خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالضياع أو الاغتراب ويبحثون عن المجتمع والتواصل. إضافة إلى ذلك، قد يرى بعض الشباب في الجماعات المتطرفة والإرهابية فرصة للهروب من الحياة اليومية غير المرغوب فيها.

التجربة السنغافورية

لطالما اشتهرت سنغافورة بالازدهار الاقتصادي، والقوانين الصارمة، والمستوى العالي من الأمن، ناهيك بأنظمة الرعاية الصحية والتعليم الممتازة. وعلى الرغم من صحة الافتراض بأن بعض المجتمعات أكثر عرضة للتطرف من غيرها، نتيجة العوامل الاجتماعية والاقتصادية؛ فإن هذا لا يعني حصانة الدول الأكثر استقراراً وازدهاراً من الاستهداف ومخاطر التطرف والإرهاب.

تعود احتمالية عُرضة جميع المجتمعات لمخاطر التطرف -بما في ذلك المزدهرة اقتصادياً أو مستقرة سياسياً- إلى حقيقة أنه على الرغم من أن معظم الناس في المجتمع قد يكونون راضين عن حياتهم وغير مهتمين بتغيير الأمور؛ فإن هناك دائماً أقلية صغيرة غير راضية وتبحث عن التغيير. وهذا يجعلهم أهدافاً ناضجة للجماعات المتطرفة التي تعِد بتغيير الوضع الراهن. وليس بالضرورة أن يكون التغيير في الدولة ذاتها؛ بل يمكن أن يكون في أي مكان آخر إذا توفرت السياقات اللازمة. ولمواجهة ذلك، يجب أن تسعى الحكومات والمجتمعات لأن تكون مرنة في مواجهة تلك التحديات وقادرة على احتواء وهزيمة الأفكار المتطرفة.

استفادت سنغافورة من تجربتها التعليمية الناجحة وبنيتها التحتية المتطورة لتصميم برامج استباقية للتطرف؛ حيث تعمل الأجهزة الحكومية المعنية وذات الصلة على تبني جهود توعية تمهيدية لمكافحة التطرف. يتم إشراك وزارة التربية والتعليم والمدارس ومعاهد التعليم العالي في تلك الجهود؛ من خلال أنشطة تشمل النقاشات وورش العمل وإعادة التأهيل الديني والندوات الواقعية أو عبر الإنترنت. ووفقاً لما نقله موقع “straits times”؛ فقد تم تنظيم ما يقرب من 70 فعالية خلال عام 2022، شارك فيها أكثر من 2300 شخص.

كيف يمكن حماية مجتمع الشباب من التطرف؟

تختلف سُبل حماية الشباب من التطرف باختلاف الظروف والأسباب؛ وهذا ما يجعل دراسة التطرف بدقة في المجتمعات المختلفة ومشاركة النتائج أمراً بالغ الأهمية في الجهود العالمية لمكافحتها.

ومع ذلك، يمكن أن تشمل أبرز الاستراتيجيات الفعالة، الحوارات البناءة، وإشراك الشباب، ومعالجة الأسباب الجذرية؛ مثل الإقصاء الاجتماعي والتهميش والتمييز.

تتمثل إحدى الاستراتيجيات الفعالة في تقديم روايات بديلة ونماذج إيجابية للشباب الذين قد يكونون عرضة للتطرف، ومساعدتهم على رؤية واستكشاف مسارات أخرى في الحياة غير تلك التي تقدمها الجماعات المتطرفة. إضافة إلى ذلك، من المهم إشراك الشباب في الأنشطة والبرامج والنقاشات البناءة التي تعزز القيم الإيجابية؛ مثل التسامح والاحترام والاندماج، بما يمنحهم إحساساً بالهدف والانتماء. بشكل عام، لا غنى عن تدابير إنفاذ القانون والأمن الفعالة، والوسائل غير القسرية؛ مثل التعليم والتوعية، لحماية مجتمعاتنا من مخاطر التطرف. 

علاوة على كل ذلك، وكما تعلمنا التجربة السنغافورية والكثير من الدراسات والتقارير، لا بد من تضافر الجهود لجعل محتوى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أكثر أمناً، وتعزيز التواصل المباشر بين الشباب، ومساعدتهم على تطوير علاقات إيجابية مع الآخرين داخل وخارج عائلاتهم. ففي نهاية المطاف، لا يمكن التقليل من شأن التحديات التي تفرضها مرحلة المراهقة، والتي يبحث خلالها الشباب عن هويتهم ومكانتهم في العالم؛ لذلك من المهم مساعدتهم على تخطي تلك المصاعب من خلال مساعدتهم على تطوير شعور قوي بالهوية الذاتية عبر استكشاف اهتماماتهم ومواهبهم ومنحهم الفرصة لتجربة أشياء جديدة.

عن "كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية