قراءة في مستقبل "المرأة والحرية والحياة" الإيرانية

قراءة في مستقبل "المرأة والحرية والحياة" الإيرانية

قراءة في مستقبل "المرأة والحرية والحياة" الإيرانية


04/09/2023

كريم عبديان

مع اقترابنا من الذكرى السنوية لمقتل مهسا أميني في 16 سبتمبر (أيلول) 2022، الفتاة الكردية الإيرانية التي أشعل مقتلها حركة احتجاجية، أو انتفاضة عرفت باسم "المرأة والحرية والحياة" في إيران، من المناسب مناقشة حال الحركة وتقييم قوة وضعف النظام.

هذه الانتفاضة كانت واحدة من أهم الحركات الاجتماعية في تاريخ إيران المعاصر وتميزت بكونها لم تملك قيادة، كما كانت تعددية وسلمية ولامركزية وغير مخطط لها، لكنها في الوقت نفسه كانت هادفة.

الانتفاضة بدأت بطرح شعارات اجتماعية مثل حرية الحجاب، وحقوق المرأة ومناهضة التمييز، لكن سرعان ما أصبحت سياسية تطالب بنفي النظام بأسره وتدعو إلى إسقاطه.

وعلى رغم القمع وسقوط المئات من الضحايا لا تزال الحركة مستمرة، بأشكال مختلفة وبدرجات متفاوتة من الشدة، صحيح أنها لم تتحول إلى حركة جماهيرية واسعه، لكنها تميزت باحتضان عناصر من نخبة المجتمع، إذ شارك فيها جيل الشباب من النساء وطلاب الجامعات، والمهمشين والمضطهدين من الشعوب غير الفارسية كالأكراد والعرب والأتراك واللور.

قدمت هذه الحركة قيم جيل الشباب في تحدي الأيديولوجية الإسلامية التقليدية والدينية، والأبوية، والتمييزية، والسلطوية وأثارت إعجاب العالم واستقطبت دعمه.

بغض النظر عما آلت إليه الأمور بعد الانتفاضة يعتقد جميع المراقبين والعارفين بالشأن الإيراني أن هذه الحركة هي بداية النهاية لإسقاط النظام.

جسدت شعارات الانتفاضة مطالب النساء بعد قرن من الديكتاتورية في المجتمع الذكوري في إيران كما أنها أبرزت بالطبع التعطش لحياة طبيعية، مشفوعة بالحرية.

كان النهوض في وجه النظام نتيجة 44 عاماً من القمع والديكتاتورية وكان قادة النظام مثل الكل، مذهولين من حجم النشاط المعارض في شوارع البلاد، ولم يمض الكثير حتى حرك النظام ماكينة القمع وقتل 537 شخصاً على الأقل في أول شهرين، كما استنجد بكل ما يملك من قوى لقمع المحتجين.

الحراك في الخارج

الحركة حظيت بدعم الإيرانيين في المهجر ويبلغ عددهم أكثر من ثمانية ملايين شخص، فشارك مئات الآلاف في تظاهرات مناصرة للاحتجاجات في شتى مدن العالم منها برلين، وباريس، ولندن، ونيويورك، وتورنتو، وستوكهولم، وواشنطن، وبروكسل، وعواصم كبرى أخرى.

كعادته ألقى النظام باللوم على دول أجنبية وبدأ حملة مدروسة، وفي هذا الإطار أبرز هاجس الانفصال وأن تصبح إيران مثل سوريا ليروج بأن القوى الرئيسة للحركة هم انفصاليون من العرب، والأكراد، والأتراك، والبلوش وأنهم يعملون لتفكيك النظام وأوصال إيران كدولة.

بعد أن خرج النظام من صدمته الأولية، حاول البحث عن رؤوس وقيادة الانتفاضة، فاعتقل أكثر من 85 ألفاً في الداخل وبعد أن تبين له أن الحركة في الواقع أفقية وتفتقر إلى قيادة مركزية روج أن الحركة يقودها سجناء سياسيون من السجون، فشن هجوماً على سجن إيفين شمال طهران وأحرق أجزاء منه وقتل أربعة من السجناء خلال الفترة من 16 إلى 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

خلال الانتفاضة برزت أكثر توجهات الناشطين في الخارج فطرح القوميون الفرس والملكيون بقيادة رضا بهلوي نجل الشاه هاجس الحركات الانفصالية وسخرت جميع أجهزة التلفزيون الناطقة بالفارسية في الخارج إمكاناتها لهذا الخطاب إذ يديرها قوميون.

أنصار الشاه ضد النظام والمعارضين

من ضمن الأساليب التي اعتمدتها المنصات العائدة للقوميين شن حرب ضد خصومها السياسيين ونشر أكاذيب ضد من وصفوهم بالمسؤولين عن إسقاط نظام الشاه، كما قدموا عملاء "السافاك" (جهاز استخبارات الشاه السابق) على أنهم أبطال وواجهوا خصومهم بعنف في عديد من مدن العالم.

يحاول هؤلاء استغلال النشاط المعارض لمصادرته لصالحهم، وعلى رغم مطالبة الجميع للسيد رضا بهلوي بالدعوة إلى تظاهرة حتى في الخارج لتقييم عدد أنصاره، لكنه لم يفعل، إذ يبدو أنه لا يستطيع جلب حشد كبير.

وفي نهاية المطاف نجح النظام في بث خيبة الأمل بين صفوف المعارضة. من جانبه أظهر اليمين المتطرف سلوكيات عدوانية وعنيفة ومرعبة مثل رفع صور الرؤساء السابقين لـ"السافاك" منهم برويز ثابتي وقائمة أخرى من الجلادين ووزراء الشاه السابقين والموالين لبهلوي.

من الجدير بالذكر أنني كنت شاهداً على حجم المعاناة من جهاز الـ"سافاك" إذ تعرضت للتعذيب من قبل استخباراته ورئيسه برويز ثابتي Parviz Sabeti واثنين من مساعديه -معصومي وافطسي Masiumi وAftasi  لمدة عامين في سجن إيفين Evin بما في ذلك 11 شهراً في زنزانة انفراديه مساحتها متران في متر واحد، وما زلت أعاني من تجاويف في رأسي من ضربي على جدار الزنزانة، لقد كسروا قدمي اليسرى من ضربي بسلك كابل كهربائي سميك.

بعد عام ونصف في سجن إيفين، حصلت على زائر لمرة واحدة، جاء والدي المسن المريض من مسقط رأسي في عبادان على بعد أكثر من 700 كيلو متر لزيارتي، حضر اللقاء اثنان من عملاء الـ"سافاك"، وعندما بدأنا نتحدث باللغة العربية، بالطبع كعادتنا أوقفوا الزيارة وطالبوا بأن نتحدث الفارسية، قلت لهم إن والدي لا يتحدث الفارسية، لم يهتموا وأخرجوا والدي من سجن إيفين على رغم طلبي منهم بأن يسمحوا لشقيقي بالترجمة من خارج البوابة.

بعد مرور عام تقريباً على بدء الانتفاضة، نواجه ظهور اليمين المتطرف والراديكالي الإيراني، الذي كان غريباً على تلك الحركة وكان غائباً خلال العقود الأربعة الماضية من ساحة الحراك في الخارج.

 على سبيل المثال، أنا الذي كنت نشيطاً للغاية في العقود الأربعة الماضية للضغط على المجتمع الدولي ضد الجمهورية الإسلامية، نادراً ما رأيت أياً من هؤلاء النشطاء لا في التظاهرات التي تقام هنا وهناك ضد النظام ولا في مكاتب الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف ولا في برلمان الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

قوة الشعوب غير الفارسية

إذا ما أمعنا النظر في ما حل بالانتفاضة نجد أنها لم تؤد إلى إضرابات شاملة تشل النظام، عدا كردستان، حيث شهدت بعض مدنها إضرابات، إذ لم تستطع الطبقة الفقيرة التي شكلت أساس الاحتجاجات من إيجاد صلة مع نقابات تدير الحراك، كما أن الطبقة الوسطى لم تنضم بشكل واسع إلى الحراك وبالتوازي عمل النظام لقمعها.

حتى مع الدعم المستمر للأحزاب السياسية الكردية وفي بلوشستان، لم تستطع التظاهرات والإضرابات في مدن مختلفة إقناع "الطبقات الرمادية" وحتى الآباء في منتصف العمر بالحضور إلى الشوارع بأعداد كبيرة.

وكان من ضمن الأمور التي أدت إلى وقف الانتفاضة خطر اندلاع حرب أهلية مثلما حدث في سوريا في حال انهيار الحكومة، كما أن النظام انتهج خطاباً أمنياً في قمع الاحتجاجات بالعنف وأثار الخوف والهلع في صفوف المواطنين.

ومع انسحاب الناس ساد اليأس الساحة الإيرانية بخاصة أن سلوك جزء من المعارضة والإعلام في الخارج خيب آمال كثيرين في الداخل، في مثل هذه الظروف تسبب نشاط اليمين المتطرف في الخارج بتأجيج الوضع وأثار الخوف من عودة نظام الشاه.

أنفق هذا التيار بسخاء كثيراً من الأموال وعمل لطباعة الملايين من أعلام نظام الشاه وطباعة قمصان بصورة برويز ثابتي رئيس شعبة الأمن الداخلي في الـ"سافاك" وروجوا لحرب ضد ما سموه بـ"فتنة عام 1979" ووجهوا سهامهم ضد ثلاثي من معارضيهم وهم (الانفصاليون واليساريون ومجاهدو خلق). ومن خلال نشاطهم أثبتوا أنهم لا يعترفون بأي بديل سوى رضا بهلوي.

وفي ذروة نشاط الاحتجاجات ضد النظام روجوا أنهم يتفاوضون مع الحرس الثوري، وأن النظام على وشك السقوط وأنهم منهمكون بصياغة بيانات الثورة والاستيلاء على البلاد.

هذا النشاط واجه معارضة شديدة من قيادات سياسية غير فارسية منهم عرب الأهواز والأكراد والأتراك.

هذه الشعوب أكدت أنها لم تضح بشبابها من أجل استعادة نظام الشاه، وحظي هذا الخطاب بإشادة سجناء سياسيين بارزين، وأكد هؤلاء السجناء أنهم لم يتحملوا السجن والمصائب ليكونوا حصان طروادة لإعادة نظام بهلوي إلى السلطة. مثل هذه المشاعر أدت تدريجاً إلى خيبة أمل في الداخل والخارج وكذلك الحكومات الغربية.

يعلم غالبية الإيرانيين البالغين أن الأسباب الأساسية للتخلف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي تشهده إيران منذ 100 عام يعود إلى الأرستقراطية الفارسية والقومية المدعومة من الشراكة مع رجال الدين الشيعة، في حين أنهم يتخلون عن المسؤولية في أسباب هذا التخلف ويلومون العرب والمسلمين في ما يتعلق بالوضع الراهن.

وعلى رغم أن البلد غني بالنفط والغاز والموارد الطبيعية يعيش أكثر من 60 في المئة من الشعب تحت خط الفقر. في الواقع ما دام هنالك تطرف فارسي ضد الآخرين لم ولن تتقدم إيران، ومن الواضح أنه بعد 100 عام من السيطرة ليس لدى المروجين للقومية الفارسية على حساب الشعوب الأخرى شيئاً للتقدم والتطور.

هذا الخطاب يشكل عملة لها وجهان، القومية الفارسية ورجال الدين الشيعة.

وتعيش إيران حراكاً واعياً يخشاه أنصار القومية الفارسية، حيث إن ثلثي سكان البلد هم من غير الفرس ولهم مطالب تنتهك باستمرار مثل ما ورد في كتاب الباحثة في هارفارد بريندا شيفر تحت عنوان: إيران بلد عابر للقومية الفارسية (Brenda Schaffer، IRAN IS MORE THAN PERSIA)

توقعات بعد احتجاجات مهسا

نواجه اليوم نوعاً من "الجمود السياسي" الموقت، ويتيح الوضع الحالي فرصة للمراجعة من أجل الاستعداد بشكل أكبر للمرحلة التالية من الانتفاضة بشكل أوسع.

هناك عوامل كثيرة تغذي الطموح إلى التحول السلمي والانتقال إلى الديمقراطية مثل عدم المساواة في ميزان القوى، والتاريخ الطويل للاستبداد في إيران، وعجز الثقافة الديمقراطية، وزيادة الاستقطاب في الفضاء السياسي، والانقسامات العرقية المتعددة والفجوة بين الشعب والنظام.

على الصعيد الدولي، مع وجود الديمقراطيين في البيت الأبيض، من الصعب أن نشهد تطوراً ملحوظاً لصالح الشعب سوى دعمها للنظام الحالي. لقد تم اختراق الديمقراطيين بعمق من قبل اللوبي الإيراني، فقد تم الكشف عن أدوار السيد روبرت مالي في تسريب بعض أسرار الإدارة الأميركية إلى إيران.

لذلك، لا نتوقع دعم أميركا في العامين المقبلين وحتى الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني)، والأوروبيون أيضاً يتبعون مصالح اقتصادية ويحاولون السيطرة على أسواق لا يوجد فيها نشاط للولايات المتحدة.

داخلياً قرر النظام التخلي عن شعارات الخميني بعدم الانحياز إلى الشرق أو الغرب فيتوجه النظام شرقاً تماماً من خلال تزويده الصين وروسيا بجميع احتياجاته التجارية والعسكرية، ليضمن الحصول على صوتين من خمسة أصوات في الأمم المتحدة.

تكمن القوة المحتملة والمستعدة للتضحية في الشعوب المهمشة منهم العرب والأكراد والأتراك والبلوش والتركمان، إذ سيحددون مستقبل إيران. ولقد وصفها بنديكت أندرسون في كتاب "المجتمعات المتخيلة" Imagined communities"، أنهم متحدون على رغم أنهم قد لا يعرفون بعضهم بعضاً لأنهم يعانون التمييز من النظام.

بغض النظر عن نشاط أنصار النظام البهلوي في إيران، فإن المعارضة الفارسية منقسمة بين الفرس الملكيين واليسار الليبرالي الذي يعمل لإقامة نظام جمهوري موحد مثل فرنسا.

أما العرب والأكراد والأتراك البلوش والتركمان والبلوش والطالشيين والأقليات العرقية والدينية الأخرى ترغب بإقامة نظام جمهوري لا مركزي على أساس الفيدرالية من أجل الوصول إلى الحكم الذاتي وتقرير مصيرها في داخل مناطقها الجغرافية على أساس تحقيق ديمقراطية شبيهة بالبلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة وكندا وسويسرا وبلجيكا والهند، وإندونيسيا والبرازيل.

هذه الشعوب لديها إمكانات كامنة تسهل لها مهمة السيطرة على أقاليمها وحسم مستقبل البلد، وقد تعمل للتنسيق في ما بينها من أجل الوصول إلى الوحدة وتشكيل قيادة وصياغة استراتيجية للوصول إلى أهدافها.

وإذا ما تمكنت هذه الشعوب من المشاركة في انتفاضة موحدة تشمل جميع أقاليمها فهنالك حظوظ للانتصار خلافاً للحركة الخضراء في عام 2009، حين لم تتعد خارج طهران وتمكن النظام من قمعها بسهولة.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية