كيف تشكَّل الجيل الجديد من الشباب الغربي الداعم لفلسطين؟

كيف تشكَّل الجيل الجديد من الشباب الغربي الداعم لفلسطين؟

كيف تشكَّل الجيل الجديد من الشباب الغربي الداعم لفلسطين؟


21/11/2023

ترجمة وتحرير: محمد الدخاخني

في الأسابيع التي تلت الهجوم الذي شنّته حماس في 7 تشرين الأوّل (أكتوبر)، حرصتُ على التّحدّث إلى أصدقائي اليهود في المملكة المتّحدة وأمريكا، للتّأكّد من أنّني أسمع أصواتهم، وكذلك أصوات أصدقائي وزملائي في ماليزيا والخليج، وغالبيتهم السّاحقة من المسلمين أو العرب أو المسلمين العرب.

وقد تحدّثت منذ بضعة أيّام مع صديق يهوديّ كان يعرف شخصيّاً بعض الإسرائيليّين الذين قُتلوا في عمليّة 7 تشرين الأوّل (أكتوبر). سألته: ألا يشعر بالقلق إزاء الكيفيّة التي أصبح بها الرّأي العام العالميّ متصلّباً على نحو متزايد ضدّ إسرائيل بسبب إجراءاتها العقابيّة القاسية في غزّة، والتي أسفرت عن وفاة الآلاف من الأطفال الأبرياء؟

قال لي: «ليس لدينا بديل سوى القضاء على حماس. الشّعور المسيطر كالتّالي: النّاس يكرهوننا على أيّ حال. وإذا كرهونا بشكل أكبر بعد ذلك، فإنّه يمكننا التّعايش مع الأمر».

كان ذلك تصريحاً مثيراً للقلق على العديد من المستويات. لكن على أحد المستويات، أعتقد أنّه تصريح خاطئ. لأنّه إذا أصبحت إسرائيل معزولة بشكل شبه كامل بسبب الدّمار الذي تُلحقه بغزة، فإنّني أخشى أن تُخاطر بتقويض الأسس التي يعتمد عليها وجودها.

دعني أشرح. إذا نشأتَ في الغرب في السّبعينيّات والثّمانينيّات من القرن الماضي، مثلي، فإنّك كنت لترى دعماً واسع النّطاق تحظى به إسرائيل. نظر كثيرون إلى الإسرائيليّين باعتبارهم شعباً بطوليّاً مقداماً نفّذ عمليّات جريئة، مثل إنقاذ الرّهائن في مطار عنتيبي في عام 1976، ومارسَ نوعاً من «الاشتراكيّة النّاجحة» في وقت كانت فيه الدّيمقراطيّة الاجتماعيّة موضع إعجاب كبير في أوروبا. شعبٌ يمكنه، أيضاً، صنع السّلام، كما فعل مع مصر في اتّفاقيات كامب ديفيد عام 1978.

متظاهرون في فلوريدا، الولايات المتحدة، يتجمعون للتنديد بالإجراءات الإسرائيلية في غزة، بينما يتظاهر مؤيدو إسرائيل في الشارع

في المملكة المتّحدة، كان هناك عدد كبير من الشّخصيّات المشهورة في الحياة العامّة من اليهود - وليست هناك مماثلة، بالطّبع، بين أن يكون المرء يهوديّاً وأن يكون إسرائيليّاً - وحظى العديد منهم بمحبّة شديدة، مثل يهودي مينوهين، الذي كان أداءه لكونشيرتو بيتهوفن للكمان هو أوّل إسطوانة «إل بي» اشتريتها على الإطلاق. وشعر المسيحيّون الملتزمون ــ وكان عددهم في بريطانيا أكبر بكثير في ذلك الوقت ــ بأنّ الشّعب اليهوديّ ينحدر من قبائل قديمة، ذُكرت في الكتاب المقدّس، أُعيد إليها موطنها. ونادراً ما ذُكر أنّ هذا كان احتلالاً.

فُهِمَ الفلسطينيّون بشكل أقلّ

من ناحية أخرى، فُهِمَ الفلسطينيّون بشكل أقلّ، وربطهم السّياسيّون ووسائل الإعلام في الغرب بالإرهاب. وتردّدت في أذهان الكثيرين صُور الهجوم على دورة الألعاب الأولمبيّة في ميونيخ عام 1972 على يد منظّمة أيلول الأسود واختطاف جبهة التّحرير الفلسطينيّة للسّفينة أكيلي لاورو عام 1985. وفي هذه المرحلة أيضاً، أدركت أنّ الوضع أكثر تعقيداً. كانت عائلتي تعيش في الرّياض، وكان لمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة مكتب قريب منها. واتّضح لي أنّ هناك ممثّلين شرعيّين عن الشّعب الفلسطينيّ. ومع ذلك، أتذكّر أنّه عندما ذهبت لحضور محاضرة لعفيف صافية، المندوب الفلسطينيّ إلى المملكة المتّحدة، عندما كنت طالباً في عام 1990، انتباني شعور بأنّ ما أقوم به عمل تمرّديّ إلى حدّ ما.

 

لقد كانت إسرائيل إعلاناً رخيصاً للغاية للديمقراطية لفترة طويلة، ولا يمكن لنظامها أن يحظى بمُمثّل أسوأ من رئيس الوزراء التّحريضي بنيامين نتنياهو

 

كلّ شيء مختلف جدّاً اليوم. بالنّسبة إلى الشّباب الذين بدأوا للتّوّ في التّعرّف على فلسطين وإسرائيل، لن يظهر أيّ شيء بطولي ولو من بعيد في الصّور والتّقارير المُدمّرة التي تأتي من غزّة. لقد كانت إسرائيل إعلاناً رخيصاً للغاية للدّيمقراطية لفترة طويلة، ولا يمكن لنظامها أن يحظى بمُمثّل أسوأ من رئيس الوزراء التّحريضيّ بنيامين نتنياهو، الذي يطلب ما يقرب من 80 في المائة من مواطنيه استقالته، وفقاً لاستطلاع للرّأي أجري مؤخّراً. إنّ قيادة البلاد لا تريد سلاماً عن طريق التّفاوض، وفقاً لوزير الزّراعة آفي ديختر، الذي قال لقناة تلفزيونيّة: «نُطلِق الآن نكبة غزّة»، أو وفقاً لزعيم للمستوطنين تحدّثت معه صحيفة النّيويوركر وقال إنّ «حدود الوطن بالنّسبة إلى اليهود هي الفرات في الشّرق ونهر النّيل في الجنوب الغربيّ».

وفي الوقت نفسه، هناك الكثير من الأصوات الفلسطينيّة المتعاطفة التي تُسمع منذ 7 تشرين الأوّل (أكتوبر)، وأصوات أخرى مثل الفنان الكوميديّ المصريّ باسم يوسف، الذي حصدت المقابلتان اللتان أجراهما معه بيرس مورغان عشرات الملايين من المشاهدات على موقع يوتيوب. وعندما يشير يوسف إلى أنّ بعض الفلسطينيين يضعون مفاتيح حول أعناقهم – مفاتيح المنازل التي فقدوها في عام 1948 أثناء إنشاء دولة إسرائيل – فإنّ العديد من الشّباب سيفكّرون: «لماذا لا يكون لهم الحقّ في العودة إلى ديارهم؟». من النّاحية الأخلاقيّة، من الصّعب الاعتراض على هذا الحقّ؛ لكن اشتراعه من شأنه أن يُهدّد وجود دولة إسرائيل بشكلها الحاليّ.

تاريخان معقدان

هذا لا يعني أنّ تاريخي الشّعبين ليسا معقدين ومُختلف عليهما للغاية. وتجدر الإشارة إلى أنّ الانطباع السّاحق لدى هؤلاء الشّباب هو أنّ إسرائيل تلحق معاناة رهيبة بالفلسطينيّين، وهؤلاء الشّباب أنفسهم يسمعون الآن عن تجريد الفلسطينيّين من ممتلكاتهم أكثر بكثير ممّا سمعه جيلي.

كلّ شيء مختلف جدّاً اليوم بالنّسبة إلى الشّباب الذين بدأوا للتّوّ في التّعرّف على فلسطين وإسرائيل

وأعتقد أنّ القُرب الزّمني من الحرب العالميّة الثّانية والمحرقة من الأمور الحاسمة، أيضاً، في هذا الاختلاف في الإدراك والتّعاطف. ولا يقتصر الأمر على أنّ التّلفزيون في الغرب كان مليئاً بالأفلام والبرامج المتعلّقة بالحرب عندما كان جيلي يترعرع. لقد قاتل في هذه الحرب أجدادنا، وكان بعضهم من مُحرّري معسكرات الموت. ومأساة الشّعب اليهوديّ كانت ملموسة للغاية لأنّها ارتبطت بأشخاص عرفناهم بعمق وحدثت في وقت أمكننا استيعابه. وقد أعطى ذلك لإسرائيل دعماً حديديّاً، وأساساً لا يتزعزع مبنيّاً على يقين أخلاقيّ بأنّ هذا يجب ألا يحدث مرّة أخرى أبداً.

 

هناك قدر هائل من الدّعم القاطع الذي لا يمكن لإسرائيل أن تعتبره أمراً مفروغاً منه. وحقيقة أنّ تصرّفاتها الحالية تعمل على تنفير العالم منها

 

ولكن بالنّسبة إلى شباب اليوم، فإنّ الحرب بعيدة عنهم من النّاحية الزّمنيّة، كما كانت الحرب العالميّة الأولى بالنّسبة إلى أقراني حدثاً تاريخيّاً مثّل نهاية مريرة للقرن التّاسع عشر الطّويل. لا يعني ذلك أنّهم يعتقدون أنّ المحرقة غير مهمّة. لكن من غير المرجّح أن يكونوا قد نشأوا وهم يعرفون أشخاصاً تأثّروا بها، ولم تُتح لهم الفرصة لزيارة أحد النّاجين بانتظام، كما فعلتُ في العشرينيّات من عمري.

لذا، هناك قدر هائل من الدّعم القاطع الذي لا يمكن لإسرائيل أن تعتبره أمراً مفروغاً منه بعد الآن. وحقيقة أنّ تصرّفاتها الحالية تعمل على تنفير قسم كبير من العالم أمر مهمّ حقّاً.

نعلم أنّ سياسات نتنياهو قوّضت سلامة إسرائيل في الدّاخل قبل 7 تشرين الأوّل (أكتوبر). وما أخشاه هو أن يكون ردّ فعله الوحشيّ على حماس سبباً في تقويض سلامة إسرائيل واستمراريتها في الخارج أكثر من فعل أيّ شخص آخر.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

شولتو بيرنز، ذي ناشونال، 15 تشرين الثّاني (نوفمبر) 2023

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2023/11/15/western-support-israel/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية