كيف يمكن قراءة الدورين المصري والتركي في ليبيا؟

ليبيا

كيف يمكن قراءة الدورين المصري والتركي في ليبيا؟


17/07/2019

ماتزال التقارير تتوارد حول استمرار التدخل التركي في ليبيا، والذي يبدو أن يأخذ شكلاً أقرب إلى حرب بالوكالة، أو محاولة لاستنساخِ النموذج السوري، مع تساؤلات حول مصلحة أنقرة ودوافعها رغم البعد الجغرافي بين البلدين، وحساسية الوضع الليبي غير المستقر أصلاً والمتأزم داخلياً منذ أعوام.

اقرأ أيضاً: ليبيا... أطماع وأوجاع
في المقابل، بدأت مصر تلعب دوراً أكثر حيويةً في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بهذا الملف، بحكم المشترَك الجغرافي والتاريخي والأمني؛ فالقاهرة تعي أخطار التدخلات الخارجية في أرض جارتها، وتتطلع قدماً لتعزيز أمنها القومي من خلال قطع الطريق على محاولات نشر الفوضى واستغلالها من المجموعات الإرهابية عبر حدود يتجاوز طولها الألف كيلومتر. فما الذي تريده تركيا من ليبيا في مقابل الدور المصري؟

مصلحة الفوضى
تركيا في كل مكان.. هذه العبارة تأتي مشفوعة بتنقيب الأتراك عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، وقرب قبرص، إضافةً إلى خوذات الجيش التركي التي يمكن رؤيتها شمال سوريا، وكذلك الأسلحة التركية الموضوعة في أيدي الميليشيات داخل ليبيا، تحقيقاً لما يمكن تسميته "بالتوازن، حيث يعد هذا الأمر مرغوباً به من قبل تركيا؛ لأنه يضمن عدم تحقيق مصالح الطرف الآخر مقابل المصالح التي تدعمها تركيا، وبالتالي يبقى الانقسام قائماً"، وفق تقريرٍ لـ"دويتشة فيله" في 6 تموز (يوليو) الجاري.

التقارير تتوارد حول استمرار التدخل التركي في ليبيا بما يبدو أنّه أقرب إلى حرب بالوكالة

هذا الانقسام، عززته تركيا بما سمي بالدعم من خلال ثلاثة محاور "لوجستي سياسي، وعسكري تسليحي، وآخر عسكري نوعي" بحسب تقريرٍ نشره موقع "العين" الإخباري في 13 تموز (يوليو) الجاري. وينقسم هذا الدعم حسب هذه المستويات الثلاثة من أجل تحقيق مكاسب عديدة، أولها دعم "جماعات الإسلام السياسي أيديولوجياً وميليشياتها التي يقبع قادتها خارج ليبيا، ومنهم من هو موجود في تركيا. فيما يحاول المستوى الثاني تقديم دعمٍ بالأسلحة الخفيفة من أجل إبقاء الميليشيات قادرةً على إحداث الفوضى على الأرض، أما المستوى الثالث المتعلق ببعض الأسلحة النوعية (طائرات)، فهو لمنع أي إنهاءٍ للفوضى ودور الميليشيات التخريبي" لمصلحة الجيش الوطني الليبي بحسب المصدر ذاته. مما يعني أنّ أي إنهاءٍ لتدفق الأسلحة، أو للفوضى الميليشياوية الحاصلة في ليبيا خصوصاً حول العاصمة طرابلس، من شأنه إضعاف موقف تركيا ومصالحها على الأرض الليبية.
ويضيف التقرير أيضاً، أنّ الهدف التركي من كل هذا، يتمثل في "كعكة الثروات الليبية كالنفط والغاز ومشروعات إعادة الإعمار".

اقرأ أيضاً: أسلحة تركية إلى ليبيا: موازين قوى أم دمار جديد؟

في المقابل من الدور التركي، بدأ يظهر الدور المصري بوضوح على الساحة الليبية مؤخراً، وذلك من خلال دعوة القاهرة قبل أيام لمجلس النواب الليبي حتى يتجاوز تشظّيه، ويسعى للتوحد من أجل مبادرةٍ قادمة لنزع فتيل الصراع العسكري وتجميع الفرقاء على الأرض الليبية.

مصر التي تمتعت بعلاقاتٍ طبيعيةٍ طويلة الأمد مع ليبيا بحكم العروبة والجيرة والثقافة والتاريخ، تحاول تفعيل دورها "في مواجهة أي محاولاتٍ لتقسيم ليبيا جغرافياً واقتصادياً أو طائفياً، باعتبار هذه المسألة جزءاً من الأمن القومي المصري" وفق تقريرٍ لـ"اندبندنت عربية" في 13 تموز (يوليو) الجاري.

اقرأ أيضاً: لأهداف إيديولوجية واقتصادية، أردوغان يزيد من تدخله في ليبيا
ومن الواضح، أنّ لمصر رؤيةً في كيفية منع تقسيم ليبيا واستمرار الحرب فيها، وكبح المطامع الخارجية على أرضها، فما هي ملامح هذه الرؤية، وكيف يمكن قراءة الوضع التركي في ليبيا وفق هذه الرؤية؟ في ظل المقولة السائدة بأنّ مستقبل ليبيا لن يحسمه سوى السلاح.

تركيا تحاول إقصاء أي مصالح عربية مشتركة في ليبيا من خلال دعمها الميليشيات بالسلاح

الدور المصري

رغم الصعوبات التي تواجه مصر في لمّ شمل البرلمان الليبي كونه الجهة الشرعية (الممثلة لليبيين)، وكذلك الخلاف حول الجيش الوطني الليبي فيما إذا كان الجهة الوحيدة التي يمكنها توحيد البلاد بمعزلٍ عن التدخلات الخارجية، أم أنّه يمثل جهةً لا يتفق عليها كل الليبيين، غير أنّ المحاولات المصرية بدأت تتبلور بالفعل سياسياً ودبلوماسياً.

مصالح تركيا في ليبيا لا يمكن ضمانها إلا من خلال إبقاء حالة الانقسام

وفي هذا الشأن، قال الخبير في مركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور هاني سليمان، إنّ "الأمن الليبي يشكل أولويةً للأجندة المصرية السياسية، وذلك لأن محاور مشتركة بين البلدين كمكافحة الإرهاب ورفض التدخل الخارجي، وتقسيم ليبيا. تمثل جميعها العلاقة بين مصر وليبيا"، مضيفاً في تصريحه لـ "حفريات" أنّ "العلاقة تقع ضمن الشأن العربي الذي تدعمه مصر ويدعمه البرلمان المصري مؤخراً".
وحول زيارة أعضاء من البرلمان الليبي لنظيره المصري، أكد سليمان أنّ "الزيارة تشكل دعوةً مصرية إلى الليبيين من أجل الاستفادة من خبرة البرلمان المصري السياسية، وكتعزيزٍ لتاريخ العلاقات العريقة بين البلدين".

يرى سليمان أنّ تركيا تحاول تعويض خسارتها في مصر من خلال ليبيا

ويرى الباحث والمدير لتحرير مجلة "آفاق" السياسية أنّ "مصر تتمتع بالمصداقية في علاقاتها الخارجية مع الدول العربية، منطلقةً من فكرة المصالح العربية المشتركة، وذلك على عكس بعض الفاعلين الآخرين الذين ينظرون إلى مصالحهم الضيقة فقط بشأن ليبيا".

سليمان: تركيا تتحرك أيديولوجياً وعسكرياً في ليبيا برؤية ضيقة تتجاهل المصالح المشتركة

وتابع سليمان حد حديثه "تعد تركيا نموذجاً على هؤلاء الفاعلين في ليبيا، فهي لا تنتمي إلى الفضاء الليبي لا جغرافياً ولا تاريخياً، لكنها تستخدم مكوناً أيديولوجياً تاريخياً (العثمانية) لتبرير تدخلاتها التي يمكن فهمها في سياق تدخلاتٍ لدولٍ عديدة تحاول تجاوز أي تعاونٍ قومي عربي من أجل توسعاتها وحساباتها ومصالحها، وهذا لا يرتبط بتركيا فقط، بل وبإيران أيضاً، كدولةٍ أيديولوجيةٍ أخرى لها تطلعاتٌ توسعية واستغلالية".
وأوضح أنّ "التقارير التي تتحدث عن الدعم التركي لحكومة الوفاق في ليبيا، تكشف عن محاولةٍ تركية لتعويض خسارة أنقرة في سوريا نوعاً ما، وفي مصر بشكلٍ كبير، بعد فشل مشروعها في دعم جماعة الإخوان هناك، وتراجع فكرة نفوذها الذي كانت تريده في مصر".


يظل مشروع توحيد ليبيا مصلحة عربية خاصة للمعنيين به مباشرة من دول الجوار وعلى رأسها مصر، بما يقود إلى دولةٍ متماسكة، ومستقرةٍ أمنياً ضمن الفضاء العربي المشترك، بعيداً عن التدخلات الخارجية، سواء كانت من تركيا أو غيرها، وإغلاق أي مجال لتوسع نشاط الميليشيات الإرهابية، وإيقاف استمرار حالة الاقتتال والتشظي من خلال حلول تفضي إلى تسوية شاملة ترضي جميع مكونات الشعب الليبي، وهو ما يبدو أنّ الدولة المصرية جادة فيه.


انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية