لماذا تحضُر جريمة خاشقجي وتغيب جرائم الإخوان وإيران عن رادار بايدن؟

لماذا تحضُر جريمة خاشقجي وتغيب جرائم الإخوان وإيران عن رادار بايدن؟


11/03/2021

يتصدّر ملف حقوق الإنسان أجندة الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، غير أنّ المراقب يلحظ أنّ ثمة غياباً للتوازن والاتساق في توجهات وسياسات هذه الإدارة في هذا الملف حتى الآن.

 

يمكن ملاحظة المبالغة في تسييس جريمة مقتل خاشقجي لوضع السعودية في حال دفاع عن النفس ريثما يتمّ، ربما، تمرير صفقة نووية مع إيران، لا يتم فيها الاستماع لمخاوف وهواجس أهل المنطقة

 

وقد اعترض كثير من المحللين السعوديين وغيرهم على تركيز مبالغٍ فيه من قبل إدارة بايدن على جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، من دون أي ذكرٍ أو تركيز مماثل للجرائم المروعة التي ارتكبتها، مثلاً، حكومة ميانمار بحق أقلية الروهينجا، أو سلسلة الإعدامات البشعة التي تنفذها إيران بحق المعارضين السياسيين لديها، أو عمليات الاختطاف والقنص والتعذيب التي تمارسها الميليشيات الولائية في العراق المتحالفة مع إيران بحق المتظاهرين العراقيين والنشطاء والناشطات من المجتمع المدني العراقي؛ ممن يعترضون على التدخل الإيراني في العراق ونهب ثرواته وممارسة الفساد بدعم من قوى مسلحة خارج إطار القانون أو داخله ومحمية بالنفوذ الإيراني هناك.

لماذا لا تتوازن إدارة بايدن في تعاطيها مع ملف حقوق الإنسان وتشير إلى الجرائم التي يرتكبها تنظيم "الإخوان المسلمين" في مصر؟

ويجري التساؤل كذلك: لماذا لا تتوازن إدارة بايدن في تعاطيها مع ملف حقوق الإنسان وتشير إلى الجرائم التي يرتكبها تنظيم "الإخوان المسلمين" في مصر؟ لماذا لم تُثر حادثة اغتيال الباحث لقمان سليم في لبنان غضب واشنطن بالقدر ذاته لغضبها على جريمة مقتل خاشقجي؟ لماذا لا يحاسب بايدن قتلة هشام الهاشمي في العراق وروح الله زم في إيران؟

تضليل!

في هذا السياق، قال الكاتب السعودي طارق الحميد في صحيفة "الشرق الأوسط" أمس: "عندما تصف الإدارة الأمريكية الحالية الميليشيا الحوثية الإرهابية بأنها "ميلشيا شيعية مدعومة" من دون ذكر تبعيتها لإيران فإننا أمام تضليل، وللدقة فإننا أمام منهج أوباما، فهل الميليشيا الشيعية هذه مدعومة سعودياً أو إماراتياً أو من سويسرا؟! ما هذا العبث؟!". وأضاف: "عندما تصف واشنطن الميليشيا الشيعية الإيرانية بـ"ميليشيا شيعية مدعومة" فهذا مثل وصف أوباما للأزمة السورية بـ"الحرب الأهلية"، وقبل حمل السوريين السلاح، وذلك لرفع الحرج عن إدارته وقتها، وتجنب اتخاذ موقف من شأنه إغضاب إيران التي سعى أوباما لاتفاق نووي معها".

 

لماذا لا تتوازن إدارة بايدن في تعاطيها مع ملف حقوق الإنسان وتشير إلى الجرائم التي يرتكبها تنظيم "الإخوان المسلمين" في مصر؟

 

ويقول الحميد إنّ الدول العربية، كالسعودية ومصر والإمارات، انتفضت لنبذ الإسلام السياسي، وضد الإسلام السياسي السنّي، فكيف ستقبل بالإسلام السياسي الشيعي؟ ويتساءل: "كيف يُعقل أن يطالب البعض السعودية بالتعامل مع الحوثيين، ويطالبون مصر بالتعامل مع الإخوان المسلمين، بينما لا يطالب أحد إسرائيل، بل لا يجرؤ، بالتعامل مع "حماس" أو "حزب الله"؟ حسناً، ضغطتَ على السعودية ومصر، فهل تستطيع الضغط على إسرائيل للتعامل مع إيران النووية والإرهابية؟

الكاتب السعودي طارق الحميد: عندما تصف واشنطن الميليشيا الشيعية الإيرانية بـ"ميليشيا شيعية مدعومة" فهذا مثل وصف أوباما للأزمة السورية بـ"الحرب الأهلية"

ومن الواضح أنّ مثل هذه التعليقات، وغيرها كثير في الصحافة العربية، إنما تشير إلى التوظيف المبالغ فيه من جانب إدارة بايدن لجريمة مقتل جمال خاشقجي، في الوقت الذي يتم فيه التغاضي عن العنف الذي يمارسه الحوثيون والإخوان المسلمون وحزب الله والمليشيات الولائية في العراق.

اقرأ أيضاً: إدارة بايدن: عين مفتوحة على السعودية وأخرى مغمضة عن جرائم "الإخوان"

من جانبه، يقول الدكتور عصام عبد الفتاح في مقال نشرته صحيفة "المصري اليوم" أمس إنّ على بايدن الانتباه إلى "تلك السياسة الاستقطابية التي يستخدمها التنظيم الإخواني بشعاراته الدينية المختلفة في استلاب عقول الجماهير باسم الدين، فضلاً عما خلّفته حكومتهم السابقة في مصر من فوضى، وما فجّرته لدى المصريين من سخط شديد عليهم ونفور منهم، جعل الشعب المصري يخرج بالملايين إلى الشوارع مطالباً بالخلاص منهم".

 

لماذا لم تُثر حادثة اغتيال الباحث لقمان سليم في لبنان غضب واشنطن بالقدر ذاته لغضبها على جريمة مقتل خاشقجي؟ لماذا لا يحاسب بايدن قتلة هشام الهاشمي في العراق وروح الله زم في إيران؟

 

ويشير تقرير نشرته "وكالة الصحافة الفرنسية" إلى أنّ شريحة واسعة من المصريين رفضت سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على الحقائب الوزارية ومحاولتها الاستئثار بمؤسسات إدارة الدولة من خلال تعيين أنصارها في المناصب القيادية. فخرج الملايين مجدداً في حزيران (يونيو) 2013 إلى الشارع، هذه المرة للمطالبة بإسقاط الإخوان.

وتنقل "الفرنسية" عن الباحث في شؤون الحركات الإسلامية كمال حبيب قوله إنّ فترة حكم الإخوان المسلمين "هزّت صورة التنظيم على مستوى أعدائه وعلى مستوى الجماهير، وأثبتت أن ليس لديه القدرة على ذلك (الحكم)"، ويضيف "لم تكن هناك قدرة على الاجتهاد في الجماعة، فكان الاعتماد على المرجعيات القديمة لحسن البنّا وسيد قطب، وهذا التراث القديم لم يعد يجب على أسئلة الجيل الحديث"، على حدّ قوله.

ويقول الباحث اللبناني في سياسة الشرق الأوسط هادي وهاب في حديث إلى "الفرنسية": "عرّتهم (أي الإخوان) هذه التجربة؛ إذ إنّهم لم يقدّموا مشروعاً اقتصادياً أو سياسياً بديلاً، بل تبيّن أنهم كانوا فقط مهتمين بالوصول إلى السلطة".

الافتقار إلى الاتساق

ويبدو أنّ هناك اعتراضاً من جانب أهل المنطقة، وخاصة في دول الخليج العربية، على افتقار السياسة الخارجية الأمريكية في الأشهر الثلاثة الماضية من عهد بايدن إلى الاتساق المطلوب؛ إذْ يمكن ملاحظة المبالغة في تسييس جريمة مقتل خاشقجي من أجل وضع السعودية في حال دفاعٍ عن النفس ريثما يتمّ، ربما، تمرير صفقة نووية مع إيران، لا يتم فيها الاستماع لمخاوف وهواجس أهل المنطقة وقلقهم من البرنامج النووي الإيراني والصواريخ البالستية وقصيرة المدى وسلوك إيران الإقليمي المزعزع لأمن الدول العربية.

اقرأ أيضاً: لماذا تضغط الولايات المتحدة على السعودية؟ ما علاقة الإخوان وإيران؟

ثم إنّ اختلال التوازن في التعاطي مع ملف حقوق الإنسان، يظهر مثلاً في تغاضي إدارة بايدن بشكل كامل عن الجرائم المروعة التي نفذتها حركة "حسم" التي "تتهمها السلطات بأنها الذراع المسلح للإخوان المسلمين، وقد ظهرت عام 2014، وتبنت العديد من الاغتيالات في صفوف الشرطة المصرية"، كما أوردت "وكالة الصحافة الفرنسية"، وكل ما تقدّم يفتح المجال للاستفهام والاستغراب: لماذا يتم المبالغة في تسييس جريمة مقتل خاشقجي بينما لا تظهر جرائم الإخوان وعنفهم وجرائم حزب الله وغيرهم على رادار إدارة بايدن؟!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية