لماذا طمس الإخوان تاريخ شُعبة باريس ولندن؟

لماذا طمس الإخوان تاريخ شُعبة باريس ولندن؟
الإخوان المسلمون

لماذا طمس الإخوان تاريخ شُعبة باريس ولندن؟


31/08/2023

الارتباط ببريطانيا والغرب، تهمة لطالما طاردت الإخوان المسلمين منذ مرحلة مبكرة من تاريخهم، ورغم كلّ محاولاتهم طمس هذه العلاقة، إلا أنّها تأبى إلا أن تطلّ من بين ثنايا حكايات الجماعة كل فترة.

الارتباط ببريطانيا والغرب تهمة لطالما طاردت الإخوان المسلمين منذ مرحلة مبكرة من تاريخهم

ففي الخبر الذي نشره موقع ويكبيديا الإخوان جاء؛ أنّ مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية كتبت، تحت عنوان "الإنجليزية السيدة أمينة فلمنج في جمعية الإخوان المسلمين": "وصل إلى المكتب العام لجمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة من حضرة مندوب الجمعية، عبد المقصود حجاب أفندي، بإنجلترا؛ أنّ السيدة أمينة فلمنج الإنجليزية المسلمة أبحرت من البلاد الإنجليزية في طريقها إلى مصر على الباخرة "مرتون"، فخرج لاستقبالها في عرض البحر مندوبون من فرع الجمعية في بورسعيد، على رأسهم حضرات الإخوان: الشيخ محمد البنا، والسيد الصباحي، والأستاذ إبراهيم عبد الحافظ، والشيخ عزت، الذين رافقوها إلى الفندق الذي نزلت فيه.
وفي مساء الثلاثاء، 14 تموز (يوليو)؛ دعا الإخوان أعضاء فرع الجمعية ببورسعيد لفيفاً كبيراً من الأهالي إلى سماع كلمة السيدة الفاضلة عن الإسلام والظروف التي حببتها به".

ويتابع الموقع: "وفي مساء 30 ربيع الثاني؛ خفّ لاستقبالها في محطة القاهرة وفد من الجمعية أحسن استقبال، مردّدين هتاف الجمعية، وشعارها الخاص "الله أكبر ولله الحمد"، ثم رافقها المستقبلون في رتل كبير من السيارات إلى المسكن الذي استأجرته في شارع الشريفين، وقد كان وجهها يتهلل بآيات البشر والسرور للحفاوة العظيمة التي قوبلت بها من الإخوان المسلمين في حلّها وترحالها".
في هذا الجزء من الخبر، يمكن اكتشاف بعض المعلومات الخفيّة والدقيقة عن الإخوان المسلمين، في المرحلة المبكرة من التنظيم:
أولاً: كان لجمعية الإخوان المسلمين مندوب في لندن العام 1935!


لماذا لا يعرف الإخوان الكثير عن عبد المقصود حجاب مندوبهم في لندن في الثلاثينيات وعن دوره؟

ثانياً: هذا المندوب متابع، بشكل أو بآخر، لحركة الشخصيات العامة الإنجليزية، التي ستحضر إلى مصر، لهذا طلب استضافة السيدة أمينة فلمنج، وهي سيدة إنجليزية أعلنت إسلامها.
ثالثاً: يبدو أنّ المندوب كان ذا مكانة في الجماعة، حتى أنّه يطلب منهم استقبال هذه السيدة ورعاية جولاتها في القطر المصري، وأن يقوم وفد من إخوان بورسعيد باستقبالها في عرض البحر! والاستقبال في عرض البحر يحتاج إلى إذن واستئجار "لانش" يدخل إلى مكان السفينة، لينزل الضيفة بحقائبها في هذا "اللانش"، فهل كانت ميزانية شعبة الإخوان المسلمين في بورسعيد، أو في المركز العام بالقاهرة آنذاك، تتحمّل هذه التكاليف الباهظة؟
رابعاً: قام الإخوان باستقبال السيدة الإنجليزية في رتل كبير من السيارات، وهو أمر باهظ التكاليف، فهل كانت ميزانية الجماعة تتحمل هذه التكاليف أيضاً؟ ولا يصحّ هنا التبرير الإخواني الدائم بأنّ الإنفاق من جيوب الإخوان العامرة؛ لأنّ عدد الإخوان في هذا التوقيت كان قليلاً، ومعظمهم من العمّال البسطاء، وقليل منهم من الطلبة، ولم يكن قد انضم للجمعية ميسورو الحال والأثرياء بعد، الذي حصل لاحقاً.

في هذا الوقت كان الإخوان فقراء جداً، حتى أنّ المركز العام للإخوان المسلمين كان في السيدة زينب بالناصرية، وفي دار شبه متهالكة وشديدة التواضع، كما وصفها محمود عبد الحليم في كتابه "الإخوان المسلمون... أحداث صنعت التاريخ"، (ص 45)، فمن الذي أنفق إذاً على زيارة هذه الإنجليزية؟ سواء في بورسعيد أو في القاهرة؟!
خامساً: ثمّ مَن هذه السيدة الإنجليزية التي يحتفي بها الإخوان كلّ هذا الاحتفاء؟ وما تأثيرها في الثقافة الإسلامية؟ وما دورها؟ ولماذا كانت زيارتها مقتصرة على جمعية الإخوان المسلمين، وليس مع هيئات أخرى رسمية أو شبه رسمية؟

سادساً: اسم مندوب الإخوان المقيم في لندن؛ هو عبد المقصود حجاب أفندي، فمن هو هذا المندوب الغامض؟ ولماذا تخلو أدبيات الإخوان من ذكره؟ أو ذكر تفاصيل شعبة الإخوان في لندن؟ ألم يكن من المنطقي في حال وجود مندوب للإخوان في لندن أن يكون مدعاة للفخر؟ فلماذا يخفي الإخوان تاريخهم في لندن؟

 


ومن المعروف عن الإخوان الإسهاب في تفاصيل قيامهم بالدعوة في كلّ مكان تواجدوا فيه، من باب التأكيد على إسلامية دعوتهم، ألم يكن من المفترض أن تؤلّف كتب عن الحركة الإسلامية التي تمكّنت من نشر الإسلام في قلب الإمبراطورية العجوز، أم أنّ مهمّة حجاب أفندي لم تكن نشر الدعوة بقدر ما هي إيجاد صلة بينهم وبين الدوائر السياسية بلندن؟!
ثم لماذا لا يعرف الإخوان الكثير عن عبد المقصود حجاب مندوبهم في لندن؟ وعن دوره؟ ولماذا انقطعت أخباره؟ ولماذا لا نعرف هل أنشأ شعبة للإخوان أم لا؟ وهل أنشأ مركزاً إسلامياً للمسلمين في لندن أم لا؟ وإذا لم يكن أنشأ شعبة في لندن، فما المهمة التي كان يقوم بها هناك؟ لماذا يبدو الأمر وكأنّ هناك من يتعمّد هذا التاريخ وهذه المهمة وتلك الصلة؟

 

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون.. هل يحق لجماعة دعوية اللجوء إلى الانتهازية والمراوغة؟‎
الأمر الآخر الذي يزيد من غموض تاريخ الإخوان ولعلاقتهم بالغرب، ما جاء في كتاب توفيق الشاوي "مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي"؛ حيث اعترف أنّ بعثته كانت لدراسة القانون في أمريكا، ولكنّ مرشد الإخوان المسلمين، حسن البنا، قام بإصدار أوامره لتوفيق الشاوي، بتغيير التحاقه بالبعثة المصرية، لتكون إلى باريس بدلاً من أمريكا، وذلك بإيعاز من الإخواني الفضيل الورتلاني الجزائري، والسبب، كما ذكره الشاوي، (ص 15): "عندما كنت أستعدّ للسفر إلى باريس، عام 1946، في البعثة، أفهمني الشهيد حسن البنا أنّ قضية فلسطين، ستبقى هي مهمّتي الأولى؛ حيث إنّ المفتي الأكبر، الحاج أمين الحسيني، معتقل هناك، وتحت الإقامة الجبرية في باريس، وهدفنا هو مساعدته ليقوم بدوره في قيادة الجهاد الفلسطيني، الذي كان هو محور نشاط الإخوان في تلك الفترة، وفعلاً كان أهمّ ما قمت به في باريس في العام الأول من دراستي، عام 1946، هو ملازمة المفتي الأكبر، وتوثيق الصلة بينه وبين الإخوان، حتى تمكّن من الهرب إلى مصر، بفضل تعاون عدة أشخاص ليس هناك مجال لذكرهم"!

 


من اعترافات توفيق الشاوي؛ أنّ مهمّته في باريس كانت تهريب الحاج أمين الحسيني من فرنسا، وكانت قوات الحلفاء قد ألقت القبض عليه، بعد هزيمة هتلر في الحرب العالمية الثانية، ومعلوم أنّ الحسيني كان مؤيداً لهتلر والنازية، على أمل أن يلقى منهم دعماً للقضية الفلسطينية، ومن ثم عندما حلت الهزيمة بألمانيا، فرّ إلى فرنسا، وهناك أُلقي القبض عليه، وبقي في زنزانة ليلتين، إلى أن كشف عن شخصيته للسلطات الفرنسية، فجدّدت إقامته في منزل جنوب فرنسا، وقد اتصل توفيق الشاوي بالمفتي إلى أن تمكّن من تهريبه إلى القاهرة، عبر تزوير جواز سفر له، في عملية طويلة لم يشأ أن يذكر تفاصيلها.

 

اقرأ أيضاً: دعاة أم قضاة؟ .. الإخوان المسلمون وجدل الذات والموضوع
لكن، جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية نشرت في العدد الرابع، للعام الخامس، بتاريخ 11 تموز (يوليو) 1937، أسماء الشُّعب والمناطق للإخوان المسلمين، ومنها المنطقة العشرون المختصة بالغرب، وأنّ لهم شُعبة في باريس، يرأسها الأستاذ فهمي أحمد، مقرها 2 شارع آراس بباريس، وكما جاء في كتاب "أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين"، الكتاب الثاني، لجمعة أمين.

طمس أيّة معلومة عن شُعبتَي الإخوان في لندن وباريس سمة سائدة في تاريخ الإخوان وعلاقتهم بالغرب

فيكون التساؤل المنطقي: هل كان لهذه الشعبة أيّ دور في مساندة الإخوان هناك؟ وما الدور الدعوي الذي قامت به شعبة الإخوان في باريس؟ ومن هو الأستاذ فهمي أحمد؟ ولماذا يخفي الإخوان تاريخه و"نضاله"؟ وهل الشعبة استمرت في العمل في ظلّ حكومة فيشي الموالية لهتلر؟ مع العلم بأنّ التيار الاسمي المتمثل في الحاج أمين الحسيني كان موالياً لهتلر، وما دور المجموعة الإخوانية (في حال استمرارها في فرنسا) إلا ظلّ لحكومة فرنسا الحرة وشارل ديجول؟
أسئلة كثيرة تتفجر من بطون مذكرات الإخوان، وفي المقابل؛ غموض مريب من جانب الإخوان، كأنهم يتعمّدون طمس كلّ، وأيّة معلومة عن شعبتَي الإخوان في لندن وباريس، وهي السمة السائدة في تاريخ الإخوان وعلاقتهم بالغرب.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية