لماذا يعتبر بعض ساسة حزب العدالة أردوغان أكثر قداسة من النبي محمد؟

لماذا يعتبر بعض ساسة حزب العدالة أردوغان أكثر قداسة من النبي محمد؟


13/12/2020

عبد الناصر نهار

"حتى لو بُعث النبي محمد وشكّل حزباً سياسياً اليوم، فلن يحصل على أصوات أكثر من أردوغان!".

لعلّ هذه العبارة، التي فاقت في التجديف رسوم شارلي إيبدو الكاريكاتورية المُسيئة، والتي أدلى بها مؤخراً هولكي جيفيز أوغلو عضو حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا عبر التلفزيون الرسمي على الهواء مباشرة، تطرح تساؤلات عدّة عن دواعي هرولة الساسة الأتراك في أيّ حادثة توتر في العلاقات الدبلوماسية مع بلدٍ ما، للدفاع عن صورة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان كشخصية مُقدّسة لا يُمكن المساس بها، وكزعيم لا يُمكن له أبداً أن يُخطئ، بدلاً من الدفاع عن الفكرة نفسها.

في ذات السياق، كان مغردون قد نقلوا عن رئيس الشؤون الدينية التركية علي أرباش، فتوى تمّ حذفها والتنصّل منها لاحقاً إثر ردود فعل سلبية جاءت عكس التوقعات، تقول إنّ "تطاول العرب على الرئيس رجب طيب أردوغان وزوجته لا يختلف عن التطاول على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وزوجته عائشة رضي الله عنها".

يبدو أنّ أردوغان نجح في أن يغرس في نفوس ساسته من حزب العدالة، أهمية فكرة الحفاظ على صورته كزعيم، بينما هو بالمقابل يرسم لهم وللأتراك عموماً صورة وردّية عن نفوذه وعن اقتصاد بلاده المُتردّي، ولهذا فهم يهبّون للدفاع عن شخصه وذاته، وهذا الأمر بات يُدركه أيضاً خصوم الرئيس التركي الكُثر، فيكون هجوم أغلبهم شخصياً على أردوغان، ويضيع موضوع النقاش بالتالي حول ذلك.

وفي هذا الصدد لا يبدو بعيداً، نهج جماعة الإخوان المسلمين التي تدعمها تركيا في العالمين العربي والإسلامي، على نفس السياق مُستميتة هي الأخرى بالدفاع عن شخص أردوغان ضدّ أيّ انتقاد ولو كان بسيطاً، وذلك في إطار التبعية والولاء نحو تأسيس سلطة الإسلام السياسي والتفرّد بالزعامة الوهمية لمن يحلم بلقب "الخلافة الإسلامية".

ولم يكتفِ حزب العدالة والتنمية بالتضييق على الحريات الصحفية داخل تركيا، بل انتقل لمُهاجمة الإعلام العربي والأوروبي والدولي عموماً الذي دأب بدوره على فضح جنون العظمة التركي والأردوغاني.

ومن أجل ذلك، لا تتوانى حكومة حزب العدالة والتنمية عن رفع مئات الدعاوى القضائية ضدّ الصحافيين الأتراك والأجانب، داخل تركيا وخارجها، لمُجرّد توجيه أيّ انتقاد أو ملاحظة سلبية لسياسات أردوغان الداخلية والخارجية، بل إنّ مُجرّد الضغط على زر الإعجاب في الفيسبوك قد يُودي بصاحبه إلى غياهب السجون التركية.

وفي حين يُعتبر ذلك بمثابة إهانة شخصية لزعيم البلاد، يتم بالمقابل صرف مبالغ طائلة لتلميع صورة أردوغان في الغرب وتسويقه عبر جماعات ضغط وحملات إعلانية كمُنقذ تركيا الوحيد ومؤسسها الجديد، والرجل القوي الذي يُسانده الشعب.

في ذات السياق، ووفق فهم الرئيس التركي وساسته أنّ أيّ انتقاد يتم توجيهه هو شخصي بالتأكيد، حرّض أردوغان بنفسه علماء إسلاميين يتبعون حركة الإخوان في عدّة دول على مدى الأسابيع الماضية لمُهاجمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في شخصه وذاته، وذلك عقب إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية المُسيئة للنبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، مُحاولاً إعلان نفسه زعيمًا لحركة مزعومة للدفاع عن الإسلام، والتهرّب من أزمة اقتصادية خانقة تعيشها بلاده.

من هنا، جاءت جميع الردود التركية الرسمية، في إطار الخلاف الدبلوماسي الأخير مع إيران، للدفاع عن شخص أردوغان الذي تسبب بالأزمة بنفسه، ربما عن قصد أو جهل، إذ انبرت منظومة الرئاسة التركية وحزب العدالة لكيل الشتائم ضدّ ساسة طهران بطريقة تحرص فقط على "الصورة الأردوغانية".

وكانت قصيدة اقتبس الرئيس التركي بعض أبياتها خلال زيارته الخميس لأذربيجان، قد أثارت أزمة دبلوماسية بين إيران وتركيا.

وتشير قصيدة "آراس، آراس" إلى تقسيم منطقة استيطان الأذربيجانيين على طول نهر آراس، والذي يشكل اليوم الحدود الإيرانية الأذربيجانية. ورأت إيران في ذلك تعديا على حقوقها السيادية على محافظاتها الشمالية، إذ احتلّ الموضوع الصفحات الأولى للصحف الإيرانية التي كالت التهم والشتائم لأردوغان.

وعلى الفور هاجم رجال أردوغان، ما اعتبروه استخدام طهران "لغة مسيئة" ضدّ زعيم البلاد. وصعّدت أنقرة من موقفها بتصريح لرئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون قال فيه "ندين استخدام لغة مسيئة تجاه رئيسنا وبلدنا بسبب تلاوة قصيدة تم إخراج معناها عمدا من سياقه".

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قال من جهته في هذا الإطار إنّ خيبة الأمل التركية زادت من التصريحات الإيرانية شديدة اللهجة، وما اعتبره تحريضاً على الكراهية.

كما أدان رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، "التصرفات غير اللائقة" التي صدرت من مسؤولين إيرانيين تجاه أردوغان، وأعرب عن رفضه تلك التصرفات الإيرانية بحق الرئيس.

في ذات السياق، أدان المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي، عمر جليك، تصريحات بعض السياسيين الإيرانيين بحق رئيسه.

وقال جليك "السياسيون الإيرانيون أضاعوا البوصلة فخلطوا بين الرئيس أردوغان الذي يعتبر دائماً إيران دولة صديقة وشقيقة، وبين أعداء بلادهم". واستنكر جليك ما وصفه بـِ "الأسلوب القبيح" الذي استخدمه بعض السياسيين الإيرانيين بحق الرئيس التركي.

الريس والفوهرر


وفي حين خصّصت مجلة "الأهرام العربي" المصرية العام الماضي عدداً خاصاً هاجمت فيه الرئيس التركي ووصفته على الغلاف الأول للعدد بـِ "الشيطان"، دأبت الصحافة الفرنسية خلال السنوات الثلاث الأخيرة على تشبيه أردوغان في مناسبات كثيرة بـِ هتلر، ونعتته بالمُبيد وبالدكتاتور مراراً، في هجوم فسّره رجال الرئيس التركي بالشخصي فانبروا كعادتهم لشنّ حملة على الرئيسين المصري والفرنسي والصحافة في بلادهما.
واعتبر حزب العدالة التركي على لسان كبار مسؤوليه، أنّ تلك الصحافة تنشر "أخبارا كاذبة وغير أخلاقية وتفتقر للاحترام، بحق الرئيس أردوغان". وتابع "الرئيس لا يتأثر بمثل هذه الدعاية السوداء، ولن يتمكنوا من تشويه صورة وسمعة الرئيس التركي في العالمين العربي والإسلامي".
رغم ذلك، فقد أرادت "لو بوان" مؤخراً توضيح مُبرّراتها حول دواعي وصف الرئيس التركي بأنه هتلر الجديد، فيما يبدو أنّه ردّ على الهجوم الشخصي الذي شنّه أردوغان على نظيره الفرنسي، بينما لم يُبادله إيمانويل ماكرون الشتائم مُكتفياً بالدعوة للاحترام.

وعدّدت المجلة الفرنسية في هذا الصدد أوجه الشبه بين هتلر وأردوغان الذي قالت إنّه "الدبور المتوسطي الذي يدور من جبهة إلى أخرى سعياً للحرب". ومن أولى أوجه الشبه الكثيرة لدرجة التطابق بين الشخصيتين التركية والألمانية، وفقاً لـِ "لو بوان" رغبة كل من أدولف هتلر ورجب طيب أردوغان في التشبث بالسلطة، وكذلك الاسم الذي أطلقوه على أنفسهم: الزعيم أي الفوهرر لأحدهما، والريس للآخر.
وهناك أيضًا نفس الغطرسة، ونفس جنون العظمة، ونفس الرغبة في الغزو والعدوان، ونفس الهوس المحموم بإعادة بلدانهم إلى مجدها السابق، عندما كانت الجيوش العثمانية، على سبيل المثال، على أبواب فيينا.
وتابعت الأسبوعية الفرنسية تقول: هناك أيضاً نفس الرغبة والقدرة على قتل معارضيهم في كل مكان داخل وخارج بلدانهم، فضلاً عن اضطهاد وإبادة أقليات دينية وعرقية، كالأكراد والأرمن والمسيحيين في الحالة الأردوغانية، فـ "الريس" لا يُخفي نواياه حول إعادة الإمبراطورية العُثمانية، بحسب "لو بوان" التي حذّرت الجميع، الأرمن والأكراد واليونانيين والأوروبيين عموماً من خطر أردوغان، إذ لطالما أعلن جميع كبار المجرمين في التاريخ عن نواياهم كي نتعرف عليهم جيداً.
وكانت تركيا أعلنت أكتوبر الماضي، أنها ستتخذ إجراءات "قضائية ودبلوماسية" بعد نشر مجلة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة رسماً كاريكاتورياً لأردوغان.
وأدان كبار المسؤولين الأتراك الرسم المذكور، ووصفوه بأنه "محاولة مثيرة للاشمئزاز" منها "لنشر عنصريتها الثقافية وكراهيتها".

وبشكل عام، فإنّ الصحافة الفرنسية لا تتوقف عن مُهاجمة الرئيس التركي خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان واضطهاد الأكراد والتدخل في دول الجوار، وسعيه لتغلغل الإسلام السياسي في أوروبا، وإثارة التوترات مع كل من اليونان وقبرص في شرق المتوسط.

عن "أحوال" تركية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية