ليست زلّة لسان... هذا ما يفكر به بايدن

ليست زلّة لسان... هذا ما يفكر به بايدن


30/03/2022

سميح صعب

في ختام جولة أوروبية بغرض حشد الدعم لأوكرانيا في مواجهة الهجوم الروسي، تساءل الرئيس الأميركي جو بايدن خلال إلقائه خطاباً في وارسو السبت الماضي: "كيف يمكن لرجل كهذا أن يبقى في السلطة؟"، في إشارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي تسبّب بإرباك في واشنطن وكذلك في أوساط حلفائها، لأنه كان من شأن ذلك، نقل الصراع مع روسيا إلى مستوى خطير جداً يصعب معه العودة إلى الوراء.

كلام بايدن يعني صراحة دعوة إلى تغيير النظام في روسيا. وهذا يعني تغييراً جذرياً في قواعد اللعبة، ومن الممكن أن يقود إلى تأجيج النزاع ونقله إلى خارج أوكرانيا، وربما إلى صدام مباشر بين أكبر قوتين نوويتين في العالم. لذا، سارع البيت الأبيض إلى إيضاح كلام بايدن، والقول إنه لم يكن ينطوي على دعوة إلى إسقاط بوتين، وكذلك فعل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. وعندما سُئل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن رأيه في ما قاله بايدن، أجاب أن المطلوب الآن تجنب "التصعيد الكلامي" لأنه لا يمكن معالجة الحرب في أوكرانيا بحرب أخرى.

من المعروف عن بايدن أنه على نفور شخصي من بوتين، وكان وصفه بـ"القاتل" بعد شهرين من وصوله إلى البيت الأبيض، وتعمق هذا الشعور السلبي بعد دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، ووصفه أيضاً مراراً بـ"الديكتاتور القاتل" وبـ"الجزار" وبـ"مجرم حرب". لكن الدعوة إلى إسقاطه هي التي كانت تعني تحولاً كبيراً في السياسة الأميركية حيال روسيا. ومن هنا كانت مسارعة المسؤولين الأميركيين إلى الإيضاح.

ومعروف عن بايدن، حتى قبل تسلمه الرئاسة، زلات لسانه وتلعثمه أحياناً. وعندما كان يلقي خطاب حال الاتحاد في كانون الثاني (يناير) الماضي أمام الكونغرس، أشار إلى "الشعب الإيراني" عندما كان يقصد "الشعب الأوكراني". لكن زلة لسان بحجم الدعوة إلى تغيير النظام في روسيا، ترتب على الولايات المتحدة ربما الدخول في حربٍ ضد أقوى دولة نووية في العالم، ولن يكون في إمكان أحد التنبؤ بالنتائج الكارثية التي ستنجم عن هكذا سيناريو.

قد تكون زلة اللسان هي ما يفكر به بايدن فعلاً. لكن هل هذا أمر قابل للتنفيذ؟ لا شك في أن بايدن الذي يقول مسؤولون أميركيون أنه تأثر في وارسو بقصص اللاجئين الأوكرانيين الذين التقاهم، خرج عن النص المكتوب للكلمة التي كان يلقيها.

وفي الولايات المتحدة يتأثر الرئيس باستطلاعات الرأي وبما تبثه وسائل الإعلام المرئية وبما يكتبه المعلقون في الصحف الكبرى. وكل الإعلام الأميركي هذه الأيام يشن حملة شعواء على روسيا وقادتها ويشيطنهم، ويدعو البيت الأبيض إلى التشدد أكثر حيال الكرملين وعدم الاكتفاء فقط بإرسال الأسلحة "الفتاكة" إلى أوكرانيا، أو بدعم اقتصادها، ولا يعتبر أن العقوبات الاقتصادية وحدها كفيلة بردع روسيا، والمضي بها. كذلك هناك أعضاء في الكونغرس يذهبون في حماسهم أبعد من ذلك على غرار ليندسي غراهام الذي دعا علناً إلى اغتيال بوتين، وفرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا تلبية لدعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حتى ولو أدى ذلك إلى صدام مباشر مع روسيا.

وعندما كان غراهام يدعو في منتدى الدوحة العالمي إلى فرض حظر طيران فوق أوكرانيا، أتاه الرد من الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية جوزيب بوريل، الذي دعاه إلى عدم رسم خطوط حمر لا يمكن الوفاء بها.

ما يفكر به بايدن شيء، وما يمكن فعله على أرض الواقع من دون أن يقود ذلك إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، شيء آخر.

وهذا يجب أن يكون حافزاً لقادة أوروبا إلى التحرك بنشاط أكبر من أجل التوصل إلى حل واقعي، ليس من أجل أوكرانيا وروسيا، فقط، وإنما من أجل أوروبا عموماً كي لا تدفع مجدداً ثمناً كارثياً، في حال توسعت الحرب وتمددت إلى أنحاء أخرى من القارة وربما إلى بقية أنحاء العالم. لذلك هناك في أميركا بالذات من ينصح بايدن بعدم الارتجال والتقيد بنص الخطابات التي يلقيها... وإلا فإن زلة لسان أخرى قد تقذف بالكرة الأرضية إلى الجحيم!

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية