مصر: انتهى الإرهاب وبقي خطر "الإخوان"

مصر: انتهى الإرهاب وبقي خطر "الإخوان"

مصر: انتهى الإرهاب وبقي خطر "الإخوان"


22/02/2023

محمد صلاح

في زيارته لدولة الإمارات العرية المتحدة الأسبوع الماضي لحضور القمة العالمية للحكومات في دبي، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الإرهاب في بلاده صار ماضياً. وقال: "الدولة المصرية تمكنت من القضاء على الإرهاب، بعد دفع ثمن كبير من دم أبناء الشعب المصري". وأضاف باللهجة المصرية: "الإرهاب في مصر فشل، والحمد لله خلصنا منه ودفعنا ثمنه كبير دم أبنائنا وشعبنا وبفضل الله عدّا". وتابع: "كانت هناك مشكلة في الجهاز الإداري... مترهل ومتراجع، واتوظف مليون ونص أثناء ثورة يناير وكان ثلت العدد يشغل الجهاز الإداري، وفي العاصمة عملنا ماكينة كاملة وحكومة ذكية على أعلى مستوى وهناك فكر جديد".

اللافت أن السيسي في اللقاء نفسه لم يتناول خطر تنظيم جماعة "الإخوان المسلمين" الإرهابية، لكن فُهم من كلامه أن الصراع مع "الإخوان" قد يمتد لفترة طويلة. لم يكن الإرهاب في مصر من جانب قوى سياسية تعارض السيسي أو تختلف حول سياساته أو تسعى لطرح رؤى وبرامج مختلفة عما يطرحه الرجل، أو حتى دول وجهات خارجية لا ترتاح إلى أفكاره أو آرائه أو مواقفه، وإنما تنظيمات إرهابية حظيت بدعم خارجي وجهات ومؤسسات غربية عملت على مدى السنوات الأربع الماضية على إفشال الدولة المصرية وإسقاطها بكل السبل ومهما كانت التكلفة والنفقات، وزاد غضبها بفعل استمرار تماسك الدولة وصمود المصريين ونجاة مصر من مصير آلت إليه دول أخرى، لم يعد فيها ناس يقفون أمام لجان الاقتراع، وإنما يقفون طوابير للحصول على مأوى في خيام الإيواء.

اللافت أن المنصات الإعلامية الإخوانية كانت تروج لسؤال عن جدوى تمسك الجماعة بالنهج "السلمي" أمام نظام حكم لم يعر سلمية الجماعة اهتماماً بينما كان الجناح العسكري للتنظيم يقتل الناس ويفجر المنشآت. هذا على أساس أن عنف "الإخوان" في الشارع وحرق مؤسسات الدولة والاعتداء على المواطنين المعارضين للتنظيم وإلقاء الأطفال من فوق أسطح المنازل وإمداد "داعش" في سيناء بمخزون "الإخوان" البشري والهجمات على نقاط الشرطة وسياراتها وقتل من فيها، كان إرهاباً سلمياً، أو أن الناس صاروا بلا عقول ولا يدركون أن حكاية "السلمية" مجرد ستار تخفي خلفه الجماعة عملياتها الثأرية ضد كل جهة أو شخص حال دون تمكينها من الحكم.

عموماً ليس الأمر في حاجة لجهد كبير لإثبات صلة "الإخوان" بالعنف المسلح في مصر، التاريخ يعج بأنهار من المعلومات عن النشاط الإرهابي لـ"الإخوان" قبل ثورة تموز (يوليو) 1952 وقتل القاضي الخازندار ورئيس الوزراء محمود النقراشي مجرد نموذجين، ومحاولة اغتيال جمال عبد الناصر بعدها، نموذج آخر، وقيام الإخواني شكري مصطفى بتأسيس أول جماعة تكفيرية في مصر تحت اسم "جماعة المسلمين" التي عرفت باسم "التكفير والهجرة"، والتي قتلت وزير الأوقاف آنذاك الشيخ حسن الدهبي، نموذج أيضاً. أما عن صلة "الإخوان" بالعنف المسلح بعد ثورة الشعب المصري على حكم محمد مرسي وإطاحة التنظيم من قمة هرم السلطة في مصر، فالمعلومات مُعلنة ومعروفة ويتداولها البسطاء من الناس ناهيك بالمتخصصين... المصريون يعرفون أن قيادياً من "الإخوان" مقيماً خارج مصر هو مسؤول حركة "حسم" وهو من قادة "الإخوان" في محافظة الغربية، ومطلوب للأمن المصري بتهم الإرهاب وتولى مسؤولية التنظيم بعد قتل الأمن المصري مؤسس "اللجان النوعية" التابعة لـ"الإخوان" محمد كمال، والتي انبثقت منها جماعتا "حسم" و"لواء الثورة"، اللتان أدرجتا أخيراً على لوائح الإرهاب في بريطانيا وأميركا.

ويدركون أيضاً أن هناك علاقات تأسست بين خلايا "الإخوان" في العمق، وتنظيم "داعش" في سيناء، أفضت إلى التخطيط في عام 2018 إلى سلسلة هجمات استهدفت الكنائس. وليس سراً أن التنسيق بين "داعش" و"الإخوان" أنتج امتلاك خلايا العنف العشوائي التابعة لـ"الإخوان" قدرات تصنيع المتفجرات وتفخيخ السيارات، إذ كُشفت أوكار تابعة لـ"حسم" فيها سيارات مُفخخة. هذا التطور ظهر في استهداف "حسم" في عام 2017 للمرة الأولى حاملةَ جنودٍ بعبوة ناسفة متطورة الصنع على طريق الأوتوستراد جنوب القاهرة، في هجوم يُضاهي الهجمات التي ينفذها "داعش" في شمال سيناء.

من بين الحقائق أيضاً مقتل عناصر من "الإخوان" وسط خلايا "داعش" سواء في سيناء أو في العمق، مثلما حدث في استهداف معسكر لـ"داعش" في الجهة الشرقية من الإسماعيلية (شرق قناة السويس) منتصف العام 2017 وظهر أن من بين القتلى عنصرين من "الإخوان"، ناهيك بقيام "داعش" بالكشف في فيديو بثته مواقعه في عام 2018، انتماء عمر الديب نجل القيادي في جماعة "الإخوان" إبراهيم الديب، للتنظيم الإرهابي في سيناء، إضافة بالطبع الى دفاع "الإخوان" المستميت عن هجمات "حسم" الإرهابية واعتبارها "مقاومة مشروعة"، والنعي المستمر لقتلى خلايا "داعش" في العمق المصري خلال حملات الدهم، والادعاء الكاذب أن هؤلاء القتلى تم تصفيتهم بعد "اختفائهم قسراً".

المصريون يدركون أن وتيرة الإرهاب انخفضت فعلاً وأن العمليات على الأرض اختفت أو كادت لكنهم متنبهون الى أن تنظيم "الإخوان" ما زال يسعى الى تحقيق أهدافه بكل الوسائل التي يستطيع استخدامها، وأن توقف نشاط عناصر التنظيم داخل مصر يعود فقط الى حصارهم وعدم قدرتهم وعجزهم وليس لأن التنظيم تحول الى جماعة سياسية أو جمعية دينية، والحقيقة الراسخة أن المواجهة بين الدولة المصرية و"الإخوان" وصلت إلى مرحلة "كسر العظام" وعظام الدولة التأمت وصارت متماسكة، بينما الجماعة تعاني انكساراً وهزائم وكسوراً وهشاشة في عظامها...

الدولة القوية لا تتحاور مع جماعات إرهابية ولا المتعاطفين مع الإرهابيين، وإنما تواجههم وتكسر عظامهم... وهكذا تفعل مصر الآن... وستستمر.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية