هذه أصنامكم وهذا فأسي.. هل الدين علم لا يدركهُ إلا المتخصص؟

هذه أصنامكم وهذا فأسي.. هل الدين علم لا يدركهُ إلا المتخصص؟


19/08/2018

رجال الدين يريدون الدين "جيتو" لا يسكنه إلّاهم، مستعمرة معزولة بأبواب إلكترونية مصفّحة، وصفّارات إنذار، وأجراس تحذير تقرع وتصرخ عند اقتحام الغريب.

من يدخل إلى "الجيتو" دون عمامتهم ملعون، تقطع رأسه، من يحفر ثقباً في جدار المستعمرة يذاب جسده في حمض الكبريتيك، يصرّون على سجنه واعتقاله في صوبة معقمة لا يسقي نباتها إلا الشيخ، ولا يدخل بابها إلا الداعية، ممنوع لمس أزهارها إلا لأصحاب الفضيلة، محرَّم قطف ثمارها إلا للمطهرين حصرياً المبشرين بجنة مؤسسة الكهانة الدينية، يحولونه إلى تنظيم ماسوني مغلق، له شيفرة خاصة، ولغة سرّية، ومراسلات غامضة، وأعضاء أزليّون ضدّ الزمن.

حجتهم الجاهزة هي أنّ الدين تخصّص والبشر العادي الضعيف الهشّ ليس أهلاً للخوض فيه

الحجة الجاهزة لديهم هي؛ أنّ الدين تخصّص، وأنت أيها البشر العادي الضعيف الهشّ، لستَ أهلاً للخوض في محيطه الهادر، وفكّ خيوطه المعقدة، نحن الوكلاء "الحصريون" للدين، هذه الصرخة دوماً تطلق في وجوهنا، خاصة خلال مناقشات ومناظرات ما يطلق عليه "تجديد الخطاب الديني"، تتردّد دائماً في وجه من يحاول أن يناقش رجال الدين عبارة: "الدين علم زيه زي الطب والفيزيا والكيميا، وزي ما بتروح للدكتور المتخصص تكشف على ابنك، لازم تاخد دينك وتعرفه من الشيخ وبس". وأحياناً يخصص أكثر فيقول: "ويا ريت المتخصص ده يكون خريج الأزهر".

اقرأ أيضاً: صنع الله إبراهيم لـ"حفريات": رجال الدين لا يحلون المشكلات بل يفاقمونها

وهنا تثار أكبر علامات الاستفهام، التي ظلت قروناً لا تمسّ حتى أصبحت من البديهيات والمسلّمات والتابوهات، التي من الممنوع بل من المحظور الاقتراب منها، والتصوير واللّمس، أو حتى مجرد التفكير.

هل الدين، أو ما نسمّيه علوم الدين، هو علم حقاً؟ وهل ينتمي إلى عالم ومجال العلوم، وتتبع آلياته، وتخضع لطريقة نقده وإثباته وبراهينه؟ وهل ينتقص من قدر الدين أنّه ليس علماً؟ وبالعكس؛ هل يرفع من شأنه وتزداد قداسته بكونه علماً، أم أنّ للدين مجاله وللعلم مجاله المختلف؟ وهذا الاختلاف لا يعني بالضرورة أنّ هذا أفضل من ذاك!

نحتاج أولاً، للإجابة عن هذا السؤال، وحلّ تلك الإشكالية، أن نعرف بداية ما هو تعريف العلم؟ وهل مقارنة علم الحديث وعلم الرجال والجرح والتعديل بعلم الطب أو الفيزياء مقارنة صحيحة وفي محلها، أم الأمر فيه توصيف خاطئ ومغالطة منطقية؟

اقرأ أيضاً: زي رجال الدين.. المسافة بين الله والناس

وهل حتمية لجوء المريض إلى الطبيب المتخصص لعلاجه ووصف الدواء له هي نفسها حتمية ذهاب المواطن إلى الشيخ أو الداعية أو الكاهن لمعرفة دينه ووصف الفتوى المناسبة له؟ وهل لا بدّ من أن يضع كلّ منا رأيه وعقله جانباً معطلاً لا يجادل شيخه، ولا يحاول طرق أبواب جديدة لفهم الدين طبقاً لمتغيرات الزمن مثلما نعطله أثناء إجراء الجراحة التي لا يعرف تفاصيلها وتقنياتها إلا الجراح فقط؟

كلّ هذه الأسئلة، وغيرها، لا بدّ من طرحها والإجابة عنها وطرح النقاش حولها؛ لأنّها لن تحدث أية ثورة دينية أو فكرية أو حضارية عموماً، إلا إذا ضبطنا المصطلحات التي نتحدث عنها، وإلا عشنا في حوار الطرشان والعميان الذي نعيش فيه بامتياز منذ الفتنة الكبرى!

إذا زعمت أنّ التسبيح 33 مرة أفضل من مرة واحدة لا أستطيع تكذيبك لأنّ ما تقوله ليس علمياً

كثير منا ما يزال يخلط بين العلم بمعنى الـ "science"، والمعرفة بمعنى الـ "knowledge"، والفرق بينهما كبير؛ فتكديس المعلومات ليس هو العلم ، ومعرفة كلّ معلومات الكلمات المتقاطعة وكتب المسابقات ليس هو العلم، لكنّ العلم، خاصّة العلم التجريبي، الذي يندرج تحته الطب والفيزياء والكيمياء ... إلخ، والذي دائماً يقارنه شيوخنا بعلوم الدين للتدليل على وجوب احتكاره، هذا العلم تعريفه ببساطة هو ما لخّصه فيلسوف العلم " كارل بوبر" بقوله: "العلم هو ما يقبل التكذيب"، يعني العلم هو ما يقبل التفنيد والتحقق منه، وفرزه، ودحضه، وتخطيئه، يعني؛ عندما أقول عبارة مثل "شرم الشيخ بقعة عزيزة محبَّبة إلى نفسي"، هذه عبارة غير علمية أو لا تمتّ إلى العلم بصلة؛ فكيف سأثبت أو أكذب أو أفنّد هذا الحبّ، أو أقيس هذا الغرام!

تكديس المعلومات ومعرفة كلّ الكلمات المتقاطعة وكتب المسابقات ليس هو العلم

أمّا عندما أقول لك: "شرم الشيخ أرض فيها بترول"، حينها سنذهب أنا وأنت بالمجسّات وآلات الحفر، ونقف أمام هذا التحدّي العلمي، إما أن أكون أنا على صواب أو على خطأ، بالإثبات والأدلة، هنا أمكنك تكذيبي وتفنيد رأيي، وكذلك عندما تخبرني بأنّ من يقول "سبحان الله" ثلاثين مرة، أفضل ممّن يردّدها مرة واحدة، سأقول لك لا أستطيع تكذيبك، ولذلك ما تقوله ليس كلاماً علمياً، لكن ما دامت هذه قناعة تريحك نفسياً فلتكن، وعلى الرحب والسعة، لكن أرجوك لا تطلق على هذه العبارة كلمة "science"، العلم ملاحظة واستنتاج وتجربة وتأكّد من النتائج وقياساتها، ثم وضع نظرية تثبتها الحقائق كلّ يوم، وإن لم تثبتها، فيجب تعديلها أو تغييرها، أو تركها نهائياً، لتفسير آخر ومحاولات أخرى ...وهكذا.

اقرأ أيضاً: إيران تنتفض: "يا رجال الدين أعيدوا إلينا بلادنا"

بالطبع، سينفعل البعض معترضاً بالقول: "يعني بعد كلّ هذا المجهود الرهيب الذي بذله العلماء القدامى، وعلى رأسهم البخاري، جاي تقول إن ده مش علم، أمال ده نسميه إيه؟!"، لكي نعرف؛ لا بدّ من أن نعرف ما هي نوعية العلوم؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية