هكذا خسر أردوغان إسطنبول مرتين

تركيا

هكذا خسر أردوغان إسطنبول مرتين


24/06/2019

"سوف نكسب مجدداً، ولكن بابتسامةٍ على وجوهنا هذه المرة"، كانت تلك عبارة أكرم إمام أوغلو، مرشح انتخابات عمدة إسطنبول الذي لم يكن مشهوراً، ولا ينتمي إلى حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، لكنه الوحيد الذي نجح مرتين متتاليتين، ليصبح عمدة مدينة إسطنبول اليوم.

اقرأ أيضاً: انتخابات إسطنبول: أكرم إمام أوغلو يتحدى رجل أردوغان
تحققت مقولة مرشح المعارضة أوغلو، الواثق من شعبيته ونجاحه، بعد أن ألغيت الانتخابات التي فاز بها خلال شهر آذار (مارس) الماضي، وبفارق ثلاثة عشر ألف صوت عن خصمه، المحسوب على أردوغان، بن علي يلدريم، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عدّ الفوز نتيجة ما اعتبره "تجاوزات" تمت خلال تلك الانتخابات، مطالباً بإعادتها، لتتحول جولة الإعادة إلى تأكيد على أنّ للمعارضة صوتها وشعبيّتها، حتى لو كانت في معقل حزب "العدالة والتنمية"، فما هي التفاصيل؟

فوز مستحق
علت ابتسامة عريضة وجه إمام أوغلو  بعدما أعلنت وكالة "الأناضول" الرسمية، مساء أمس، عن النتائج شبه النهائية بحصوله على 4.698.782 صوت، بنسبة 54% مقابل حصول يلدريم على 3.921.201 صوت، بنسبة 45.09 %، مع فرز نحو 99.5% من صناديق الاقتراع.

فوز مرشح المعارضة أوغلو أضعف ما بدا حتى وقت قريب أنّها قبضةٌ حديدية على السلطة من قبل أردوغان وحزبه

ومنذ بداية عملية الاقتراع، صباح أمس، لانتخاب عمدة جديد لإسطنبول، وتوجّه ملايين الأتراك للتصويت في جولة الإعادة الأخيرة، بدا واضحاً أنّ الرئيس أردوغان وضع حزب "العدالة والتنمية" تحت المجهر بعد تكرار الانتخابات، فهو الذي قال "من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا" مما يعني أنّ فوز مرشح المعارضة أوغلو، أضعف ما بدا حتى وقت قريب أنّها قبضة حديدية على السلطة من قبل أردوغان وحزبه. وكان أردوغان نفسه، تولى منصب رئيس بلدية إسطنبول في التسعينيات.
ولم يحتج أوغلو، البالغ من العمر 49 عاماً، إلى الشهرة والقوة السياسية التي يتمتع بها خصمه، المدعوم من أردوغان، بن علي يلدريم (63 عاماً)، حتى يكسب جولة الإعادة بوضوح، فقد مثّل مرشح حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض عدة جوانب يفتقد إليها يلدريم وداعموه خلال الانتخابات الأخيرة.

 انتخاب أوغلو بداية جديدة يريدها سكان إسطنبول

ومما بدا جلياً للمراقبين أنّ أوغلو قدّم نفسه كرمزٍ للشباب، وللعقلانية والتعددية السياسية مقابل الاندفاع والحماس الأيديولوجيين، وقد أورد تقرير لـ "بي بي سي" بتاريخ 21 حزيران (يونيو) الجاري، أنّ أوغلو يقدم مثالاً على تركي مسلم يتمتع بروح حضارية، وعلى عكس "الخطاب الحماسي والصدامي لأردوغان، تحدث أوغلو أمام أنصار حزبه وكذلك أمام أنصار أردوغان... قائلاً إنّ العملية الانتخابية يجب أن تجري باحترام وتفاهم وبالحوار المتبادل، كما دعا أردوغان إلى الحرص، وتخفيف التوتر خدمة لمصلحة الوطن والمنطقة ... وتلافي إلحاق الضرر بسمعة تركيا دولياً".

قدم أوغلو نفسه كرمز للشباب وللعقلانية والتعددية السياسية مقابل الاندفاع والحماس الأيديولوجيين

وبدا أنّ أوغلو قاد حملته الانتخابية بتواضعٍ واقتدار، دون أي تشددٍ سياسي أو حزبي؛ إذ "كان يتوجه إلى الناخبين في الأحياء التي تعتبر معقل حزب العدالة والتنمية، ويتجول في شوارعها، ويتحدث إلى الناس في مسعى لكسب ود المواطنين العاديين". وفي المقابل، كان أردوغان يخوض الحملة الانتخابية شخصياً، ونيابة عن حزبه، لدرجة أنّه ألقى ثمانية خطابات أمام الناخبين في إسطنبول في آخر يوم من الحملة الانتخابية، رغم أنّه ليس المرشح، وفق تقرير "بي بي سي".
ومما سبق، يبدو أنّ أردوغان اعتمد على نفسه كشخص، وعلى السطوة السياسية لحزبه، وتعامل مع موضوع الانتخابات كمعركة محسومة، متناسياً أنّ النتائج تأتي بأسلوب ديموقراطي ومن خلال خط سياسي واضح يقدم برنامجاً للتغيير وليس للتكريس، وربما يعد هذا سبباً رئيسياً لخسارته الانتخابات؛ لأن بن علي يلدريم، يمثل أردوغان نفسه قبل كل شيء.
الخسارة لمن؟
آراء عديدة تم تناقلها إعلامياً على إثر فوز إمام أوغلو عمدة لإسطنبول، وأهمها أنّ نتيجة هذه الانتخابات تعد استفتاءً على أردوغان نفسه، ومن ثم على حزب العدالة والتنمية، فبالنسبة إلى الوضع الداخلي التركي، توجد مشاكل سياسية واقتصادية لها علاقة بسياسات الحزب الخارجية والداخلية تجاه سوريا ومصر وليبيا عربياً، وفي أوروبا خارجياً، وما يتكرر عن استئثار أردوغان بالسلطة؛ أي إنّ أردوغان لا يقبل الخسارة.

اقرأ أيضاً: معركة إسطنبول الثانية.. كيف أخرج أردوغان المارد؟
وكان الكاتب الصحفي التركي، مراد يتكين، صرح بقوله إنّ "أردوغان قلق للغاية الآن" مشيراً إلى أنّ تصدّعات حزب العدالة والتنمية سوف تتسع الآن. خصوصاً أنّ أوغلو الشاب يمثل بدايةً جديدة وأسلوباً سياسياً يختلف عن سياسات أردوغان وحزبه، بحسب التقرير السابق لـ "بي بي سي". ويبدو أنّ نجاح تيارٍ سياسيٍ جديد، يشكل كابوساً لمن لا يقبلون التغيير أو الخسارة في انتخاباتٍ ديموقراطية على حدٍ سواء.

دعم أردوغان ليلدريم انتهى بخسارة الانتخابات

وبالعودة إلى إمام أوغلو، فإنّ خطابه عقب نجاحه في الانتخابات، عكس بصورةٍ جلية رسالةً إلى حزب العدالة والتنمية، ربما تتحول إلى خطابٍ شعبيٍ عام في فترةٍ زمنيةٍ تالية؛ حيث "شكر المواطنين لحمايتهم تقاليد الديموقراطية"، وأضاف قائلاً: إنها بداية جديدة، وهي لا تشكل مجموعة أو حزباً واحداً، لكنها كل إسطنبول وكل تركيا، وسأعمل مع الجميع دون أي تمييز". وفق ما أوردته "دويتشة فيله" في تقرير نشر أمس.

اقرأ أيضاً: هزيمة إسطنبول.. 3 دلائل على نهاية نظام أردوغان
هذه الرسالة التي يطرحها أوغلو، ربما تصطدم مستقبلاً بحواجز  حزب العدالة والتنمية المتصدع، ابتداءً من أردوغان نفسه، وامتداداً إلى جميع ممثلي الحزب في مفاصل الدولة التركية، وفي حال تعامل معها الحزب على أنّها رسالة ربما تنهي سيطرته، فإنّ العالم سيشهد معركةً سياسيةً فريدةً مستقبلاً، بين إرادة الناس في التغيير والتعددية، وبين سياسة الحزب الواحد التي تمتطي الديموقراطية من أجل البقاء في السلطة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية