هل أخفق الدور التركي في رعاية المصالحة الفلسطينية؟

هل أخفق الدور التركي في رعاية المصالحة الفلسطينية؟


14/11/2020

مضى شهر ونصف الشهر على توقيع تفاهمات إسطنبول بين حركتَي؛ فتح وحماس، الذي تضمّن خطوات عملية لإنهاء الانقسام، وإجراء الانتخابات العامة في الضفة الغربية وقطاع غزّة، على قاعدة التمثّيل النسبيّ الكامل في غضون ستة أشهر، وكان من المقرّر أن يُصدر الرئيس محمود عباس مرسوماً بذلك؛ على أن تُجرى انتخابات المجلس التشريعي في الجولة الأولى، ثمّ انتخاب رئيس السلطة الفلسطينية، وتليها انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني.

العلاقة القوية بين تركيا وإسرائيل تتفوّق على حساب فلسطين، وذلك على عكس الرعاية المصرية أو السعودية للمصالحة، التي كانت تهدف لتوحيد الصفّ الفلسطيني

وكان آخر تصريح صدر عن حركة فتح بخصوص المصالحة، تضمّن اتهاماً لعدد من قيادات حماس بعرقلة التصديق على تفاهمات إسطنبول؛ لوجود مصالح خاصّة بهم تتعارض مع المصالحة وإنهاء الانقسام.

تفاهمات إسطنبول

وأجرت حركتا فتح وحماس عدّة لقاءات في القنصلية الفلسطينية في إسطنبول، برعاية تركية، لبحث ملفّ المصالحة، في الثلاثاء 22 أيلول (سبتمبر) الماضي، على مدار يومَين. وصرّح عضو المكتب السياسي لـ "حماس"، موسى أبو مرزوق، عن الاجتماع قائلاً: "يأتي امتداداً للقاءات والحوارات بين القوى الفلسطينية، لتطبيق مخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل، الذي انعقد في رام الله وبيروت، مطلع شهر أيلول (سبتمبر) هذا العام".

لقاء إسطنبول بين فتح وحماس

وكان اجتماع الأمناء، الذي عُقد في الثالث من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، قد توصّل إلى إنشاء قيادة وطنيّة ميدانيّة تمثّل جميع الفصائل، بغرض قيادة المقاومة والنضال الفلسطيني.

 كما توصل، كذلك، إلى تشكيل آلية لتحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام الداخلي المستمرّ، منذ عام 2007، وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتوحيد الشعب الفلسطيني داخلها، وفق رؤية مُتفق عليها خلال خمسة أسابيع.

وصدقت اللجنة المركزية لحركة فتح على تفاهمات إسطنبول، في 18 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بينما لم يصدر بيان بشأن التصديق من جانب حركة حماس، إلى الآن.

اقرأ أيضاً: قصة تتكرر.. تركيا تخطف فلسطينياً وحماس تكمم أفواه عائلته

وعقب تصديق حركة فتح؛ صرّح عضو اللجنة المركزية للحركة، روحي فتوح: "إنّنا في اللجنة المركزية للحركة وافقنا بالإجماع على التفاهمات التي جرى التوافق عليها في إسطنبول، وما نزال ننتظر موافقة المكتب السياسي لحماس، وأن تخاطب حماس الرئيس محمود عباس، لإصدار مراسيم من قبله بإجراء الانتخابات".

واتّهم فتوح قيادات من حركة حماس والفصائل في غزة بعرقلة التصديق على التفاهمات، وقال: إنّ "فكرة المصالحة لم تنضج عند البعض، خاصّة في غزة، وممكن أن يكون هناك متضرّر من المصالحة، وسيفقد الكثير إذا تحقّقت، ولدينا تحليل ربما يعيق البعض عملية المصالحة لمصالح شخصية".

الاتفاق المنقوص

وقام وفد من حركة حماس بزيارة إلى القاهرة، في 26 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لبحث ملفّ المصالحة، وطلب مساعدات طبية، وبحث القضايا المشتركة مع القاهرة.

اجتماع الأمناء العامّين للفصائل الفلسطينية

وأثارت الزيارة تساؤلات حول موقف القاهرة من تفاهمات إسطنبول، والدور التركي المتزايد في القضية الفلسطينية.

ولا يرى القيادي بحركة فتح، أسامة الفرا؛ أنّ القاهرة هي من عطّلت تطبيق تفاهمات إسطنبول، إنّما التفاهمات وُلدت شبه ميتة، بسبب الخلافات الحادّة بين فتح وحماس.

اقرأ أيضاً: في ذكرى وعد بلفور.. كواليس احتلال فلسطين

وحول هذه التفاهمات. يقول الفرا، لـ "حفريات": "اللقاء الذي جمع حركتَي فتح وحماس في إسطنبول، جاء محاولةً لإعطاء دور لتركيا في ملفّ المصالحة الفلسطينية، ومحاولة لترجمة التفاهمات التي خرج بها لقاء الأخ جبريل الرجوب، والأخ صالح العاروري، إلى نقاط يتمّ الاتفاق عليها، للشروع في تطبيق ذلك على الأرض، لطيّ صفحة الانقسام".

القياديّ بحركة فتح أسامة الفرا، لـ "حفريات": هناك تخوّف من انعكاس سلبيّ لفوز بايدن على ملفّ المصالحة الفلسطينيّة؛ لوجود حسابات متباينة لكلّ طرف

ويتابع الفرا، لـ "حفريات": "إلا أنّ لقاء إسطنبول خرج بالعناوين العامّة ذاتها، التي هي بالأساس محلّ اتفاق، فيما بقيت التفاصيل محلّ الخلاف تراوح مكانها، فعلى سبيل المثال؛ هناك توافق من الكلّ الفلسطيني على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، لكن تبقى التفاصيل المتعلقة بكيفية إجراء هذه الانتخابات ومواعيدها".

ومن بين القضايا العالقة؛ ملفات الأمن، والمعابر، والموظفين، وتوحيد المؤسسات، والبرنامج السياسي للحكومة، وإعادة بناء منظمة التحرير، ومسار المصالحة الفلسطينية، وذلك وفق دراسة للباحث الفلسطيني، في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية، عزام شعت.

اقرأ أيضاً: فلسطيني غاضب يوجه رسالة لأردوغان من أمام سفارة تركيا بتل أبيب

ويرى الفرا، أنّ "رؤية السلطة الفلسطينية مبنية على أساس إجراء الانتخابات التشريعية أولاً، فيما تتمسّك حركة حماس بأن يكون هناك تزامن بين الانتخابات التشريعية وانتخابات المجلس الوطني، ولعلّ هذا الخلاف هو الذي عطّل صدور المرسوم الرئاسي الخاص بالانتخابات.

ويضيف الفرا: "كذلك ما يتعلّق بمعالجة تداعيات الانقسام؛ فهل تسبق الانتخابات ذلك، أو بعضاً منه، كما تطالب حماس، أم يتمّ ترحيله للحكومة المشكّلة بعد إجراء الانتخابات".

وهناك أمور تعيق تنظيم الانتخابات لم يتم بحثها؛ مثل كيفية التعامل مع الموقف الإسرائيلي، واحتمال منع إسرائيل عملية التصويت في القدس، وكيفية التصويت في مناطق التواجد الفلسطيني بالخارج.

محدوديّة الدّور التركي

ويعود عدم بحث الملفات العالقة إلى ضعف الوساطة التركية، وعدم إلمامها بتفاصيل الملف الفلسطيني، وعدم قدرتها على جمع المكونات الفلسطينية كافة، إلى جانب توظيفها للقضية الفلسطينية في إدارة علاقاتها بإسرائيل.

لقاء سابق بين أردوغان وهنية

فالعلاقة القوية بين تركيا وإسرائيل تتفوق على حساب فلسطين، وذلك على عكس الرعاية المصرية أو السعودية للمصالحة، التي كانت تهدف توحيد الصفّ الفلسطيني، ودعم القضية الفلسطينية، إيماناً بالقضية وبالدور العربي المشترك.

وحول إمكانيات الوسيط التركي، يقول القيادي الفرا: "لا أعتقد أنّ الدّور التركيّ يمكن له أن يذهب بعيداً، لا سيما أنّ تركيا لا تمتلك المقوّمات التي تؤهّلها للعب دور محوريّ فيه، لا من الناحية الجغرافيّة، ولا من ناحية المتطلّبات الضرورية لإنجاح المصالحة".

اقرأ أيضاً: هل يقود وقف التمويل الخارجي إلى انهيار السلطة الفلسطينية؟

وفي إطار ذلك، يقول، عزام شعت إنّ "التفاهمات ما تزال ثنائية بين طرفَي الانقسام، وتغيب عنها الفصائل الفلسطينية، وقوى المجتمع المدني، بالتالي؛ تنعدم ميزة الضامن، ومعها ميزة الضغط من قِبل طرف ثالث أو أطراف متعددة".

وجاء توقيت لقاءات إسطنبول في وقت غير مناسب؛ حيث كان الصراع محتداً على من يفوز بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وهي الفترة التي تجعل جميع الأطراف تتريث، لحين التأكد من هوية الرئيس الأمريكي الجديد.

ويرتبط بذلك؛ أنّ الدفعة القوية التي جمعت فتح وحماس، ومن قبل الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في بيروت ورام الله، جاءت على خلفية صفقة القرن التي طرحها الرئيس ترامب، وتوقيع اتفاقيات سلام بين الإمارات والبحرين من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.

وفي سياق ذلك يقول الفرا: "لا شكّ في أنّ الانتخابات الأمريكية تلقي بظلالها على القضيّة الفلسطينيّة، لا سيما بعد السنوات العجاف في علاقة السلطة الفلسطينية بإدارة ترامب"، مؤكّداً؛ أنّ "فوز بايدن يمكن له أن يعيد أمريكا لدور الوسيط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".

اقرأ أيضاً: هل غيّرت فرنسا موقفها من الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ؟

ويردّ الفرا: "لكنّ كلّ ما نخشاه أن ينعكس فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية سلباً على ملفّ المصالحة الفلسطينية، لا سيما أنّ كلّ طرف من طرفَي الخلاف الفلسطيني له حساباته المتعلقة بنتائج الانتخابات".

توظيف القضية الفلسطينية

ومن المشكوك فيه التزام تركيا بدعم حقيقي للفلسطينيين؛ بسبب علاقاتها المتشابكة مع إسرائيل، ووجود مصالح ثنائية ضدّ خصوم آخرين، ومن ذلك سعي تركيا لإرضاء إسرائيل، لكسبها في شرق المتوسط، وتوقيع اتفاقيات ثنائيّة في مجال نقل الغاز إلى أوروبا.

إضافة إلى ذلك؛ العلاقات القوية بين إسرائيل وأذربيجان، وحاجة تركيا لمساعدة إسرائيل في تحقيق انتصار على القوات الأرمينية، التي تحظى بعلاقة قوية مع روسيا، ربما أثّر ذلك في الموقف التركي من المصالحة، أو كانت هناك نية مبيتة لعدم نجاح المصالحة.

القيادي بحركة فتح، أسامة الفرا

ويبدو أنّ تركيا حققت ما كانت ترغب فيه بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، وهو استغلال اللقاء الثنائي بين فتح وحماس، في إطار الحرب الإعلامية على الإمارات والبحرين، عقب توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل.

وبالنسبة إلى الأطراف الفلسطينية؛ فلا جديد في توجّه حماس نحو المحور القطري – التركي، نتيجة ارتباط حماس كتنظيم إخواني، برؤية الإخوان ككل للمنطقة، والعلاقات القطرية – التركية القوية بحماس.

ويرى الباحث الفلسطيني، عزام شعث؛ أنّ فتح اتجهت إلى إسطنبول، نتيجة الضغوط الأمريكية، والأزمة المالية والاقتصادية، وأملاً في تفاهم يتمّ بموجبه تجديد الشرعيات الفلسطينية، عبر الانتخابات، استجابةً لضغوط المانحين الدوليين.

وتهدّد العوامل السابقة تفاهمات إسطنبول بالإخفاق، وهو الاحتمال الذي أشار إليه  عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، روحي فتوح، في لقاء مع "تلفزيون فلسطين".

وفي عام 2007؛ سيطرت حركة حماس على قطاع غزة، وطردت حركة فتح، بعد اقتتال مسلّح، ليقع الانقسام الفلسطيني، وعقدت عدّة لقاءات للمصالحة الفلسطينية، تمخّض عنها اتفاقان لإنهاء الانقسام؛ هما: إعلان مكة 2007، واتفاق القاهرة 2017، لكن لم تنجح فتح وحماس في تجاوز الخلافات بينهما، وإتمام المصالحة.

الصفحة الرئيسية