هل الولايات المتحدة وإسرائيل تختلفان حقا حول حرب غزة؟

هل الولايات المتحدة وإسرائيل تختلفان حقا حول حرب غزة؟

هل الولايات المتحدة وإسرائيل تختلفان حقا حول حرب غزة؟


21/12/2023

طارق فهمي

على رغم أن مساحات الخلاف الكبير بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو  والرئيس الأميركي جو بايدن قلت وتهمشت بسبب حرب غزة، إلا أن كل الشواهد اللاحقة ومع مرور الوقت بدأ يظهر التباين في مواجهة ما يجري، انتقالاً إلى مساحات ممتدة من التجاذبات الحقيقية، التي تتعلق بمسار ما ستمضي إليه الأوضاع في القطاع والأولويات التي تحكم ما يجري في الوقت الراهن.

من مظاهر التقارب انتقال المسؤولين الأميركيين بمن فيهم بايدن وكبار مسؤولي البيت الأبيض إلى إسرائيل في الأسبوع الأول من الحرب وما تلاها من المواجهات في القطاع، تأكيداً على عمق العلاقات الإسرائيلية - الأميركية ودفاعاً عن أمن إسرائيل، وإقراراً بالدفاع عن نفسها وفق المنطق الأميركي الغربي.

خلافات متأرجحة

تعكس مجمل التصريحات الأميركية الراهنة تجاه إسرائيل أهدافاً عدة، أهمها أن إدارة البيت الأبيض في الأصل لها تحفظات حقيقية على تشكيل الحكومة الراهنة ومجلس الحرب الذي يدير العمليات من منطلق عسكري ليس أكثر، وليس لديه مقاربات سياسية،  فيما ظل نتنياهو يكرر لاءاته في مواجهة ما يجري.

الأمر الذي يشير إلى أن الخلاف الأميركي - الإسرائيلي مرتبط بهدف أميركي لافت،  وهو الانتقال من العمليات العسكرية الراهنة لبدء مسار سياسي أياً كان مقترحه مع رفض كامل لإنشاء منطقة آمنة في القطاع، أو تقطيع أوصاله إلى بلوكات أو كانتونات مع العمل معاً، وهو ما دفع الإدارة الأميركية لإعادة تنسيق الأمر في إطار المطالبة بتغيير مكونات الائتلاف الراهن وإعادة تنظيمه، وكذلك دخول المعارضة السياسية،  وتهدئة الرأي العام الإسرائيلي.

هذا المطلب الجديد هو أحد أهم أسباب الخلاف الرئيس بين الطرفين، إذ اعتبره نتنياهو تدخلاً في الشأن الإسرائيلي غير المقبول، وأنه مدعاة لكثير من التغيرات اللاحقة، فيما رأته مصادر المعارضة أنه يأتي في إطار التنسيق المشترك أميركياً وإسرائيلياً، بخاصة وأن هناك عدداً من الخبراء السياسيين والعسكريين يعملون إلى جوار أقرانهم من  الإسرائيليين، في إشارة مهمة إلى أن تل أبيب وواشنطن ينسقان في إطار الحوار الاستراتيجي، وفي مستوى العمليات والمهمات القتالية بل وتبادل المعلومات ومعاونة قادة الحرب في القطاع على القيام بأعمالهم.

إن ذلك فهم منه حجم التنسيق المشترك الذي يدفع بتمتع إسرائيل بوضع الدولة الحليف من خارج حلف "الناتو"، وهو ما يفسر إمدادات السلاح والكشف عن مسارح العمليات والدعم اللوجيستي والاستخباري بين الجانبين، إضافة إلى دور إسرائيل الرئيس في القوة المركزية الأميركية العاملة في نطاق الشرق الأوسط، التي تتمتع بها إسرائيل والدول العربية، ويتشاركان في بعض المهمات وفق ما تم من تغيير في الأولويات والمهمات العسكرية والاستراتيجية.

تحركات موجهة

ما يزال حجم الدعم الأميركي ومساراته تجاه إسرائيل يعمل في ظل وجود اعتراضات أميركية حول شخص الرئيس جو بايدن مرتبطة بعدم وجود رؤية سياسية أو أمنية أو استراتيجية باستثناء موقفه من حركة "حماس" واستمرار بقاء القوات الإسرائيلية لأطول مدة معينة في غزة، وكذلك رفض وجود للسلطة الفلسطينية في القطاع مجدداً.

ما زالت الولايات المتحدة تتعامل مع السلطة الفلسطينية، وتراهن على سلطة شرعية وممثلة للشعب الفلسطيني على رغم كل الإجراءات التعسفية التي قامت بها في الضفة الغربية والمتعلقة بوقف المساعدات الأميركية وغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وكذلك عدم فتح القنصلية الأميركية في شرق القدس، بل ورفضت دعم السلطة في الخارج.

وفي الأمم المتحدة لجأت واشنطن إلى "الفيتو" لعدم تمرير قرار من مجلس الأمن، كما أن المسؤولين الأميركيين، وعلى رأسهم مدير المخابرات المركزية ويليام بيرنز يقيمون اتصالات مباشرة مع قادة السلطة، ويعملون معاً من خلال اتصالات  موازية  مع الفريق الأمني والاستخباري الإسرائيلي.

مساحات متسعة

في هذه المساحة من التجاذبات الأميركية - الإسرائيلية فإن الواضح وجود خلافات حول حل الدولتين، وهو ما أكد عليه الأميركيون منذ إدارة الرئيس الأسبق بيل كيلنتون، وهو ما يرفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي سبق وأن اعترف في جامعة بار ايلان بوجود دولة ممكنة للفلسطينيين، ونزع سلاحها كأحد الشروط والمتطلبات الأمنية والاستراتيجية الموجودة والمطروحة إسرائيلياً، إلا أن نتنياهو خلال الأيام الأخيرة عاد ونفى قبوله بدولة فلسطينية بل واتفاق أوسلو.

في كل الأحوال تبدو مساحات التباعد بين واشنطن وتل أبيب كبيرة وإن كانت ليست بالتأثير السلبي، في ظل ما يطرح أميركياً وأوروبياً ولا يرتبط بطبيعة العلاقات الوطيدة بين الجانبين خصوصاً وأن بايدن لا يريد الصدام مع نتنياهو.

شريك متضامن

تباينات الرؤى الأميركية - الإسرائيلية منها ما يرتبط بتطورات أمنية وسياسية على سبيل المثال سعي الولايات المتحدة إلى تخفيف مساحات العنف الإسرائيلي تجاه المدنيين في غزة الذي يعرض الصدقية الأميركية للخطر، واتهام الإدارة الأميركية بأنها طرف متواطئ مع الحكومة الإسرائيلية وتحرضها على المضي في مخططها.

تبدو هناك نظرة في أن كل ما يصاغ ويطرح أميركياً مرتبط بخلافات شكلية وليست في مضمون أو منظومة العلاقات المتماسكة بين إسرائيل والولايات المتحدة، بما يعني أن الحكومة الإسرائيلية الراهنة لن تتجاوب مع الطرح الأميركي ولن تعجل بتغيير مكونات ائتلافها.

على المستوى الداخلي في إسرائيل فإن أعضاء مجلس الحرب يعملون في صالح ما يجري ولا حديث عن وجود معارضة حقيقية، وووفق أغلب استطلاعات الرأي فإنهم يؤيدون استمرار العمليات العسكرية وتأكيد استراتيجية الردع والعمل في مواجهة الفصائل الفلسطينية، بل وحسم الحرب لصالح إسرائيل على رغم الجمهور الرافض لها ومطالب بضرورة تبادل الأسرى.

الخلاصات الأخيرة

قد تتمدد الخلافات بين واشنطن وتل أبيب ولكنها لن تتصاعد بصورة يخشى منها على مستوى التنسيق الراهن عملياتياً وأمنياً واستراتيجياً، كما أن الخلافات بين جو بايدن ونتنياهو يمكن فهمها في إطار عدم وجود توافقات سابقة بين الشخصين،  وأن ما تم في  الحرب على غزة كان مرتبطاً بالحرص الأميركي على أمن إسرائيل وعدم تعرضها للخطر.

على رغم حال التباين في الكونغرس الأميركي حول طبيعة ما يجري في القطاع، إلا أن هناك إجماعاً في الدوائر الإسرائيلية بأن الإدارة الأميركية ستكون شريكاً في إعادة صياغة الأولويات الأمنية أو الاستخبارية في المنطقة، بحيث لا تراجع عن الدعم الكامل حتى في ظل بعض الانتقادات التي تعلنها واشنطن لاستهداف المدنيين.

الدور الأميركي سيكون مطروحاً لتأمين المصالح والأهداف الإسرائيلية ليس فقط في القطاع، وإنما أيضاً في نطاقها الاستراتيجي، وهو أمر محل اتفاق كامل بين الطرفين، كما أنه من غير المتوقع أن تقدم إسرائيل على إجراء تعديل حكومي إلا في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار.

عن "اندبندنت عربية"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية