هل تعتقد تركيا أن مناوراتها السياسية تنطلي على مصر؟

هل تعتقد تركيا أن مناوراتها السياسية تنطلي على مصر؟


20/09/2020

يمارس نائب رئيس حزب "العدالة والتنمية" ياسين أقطاي مناوراته السياسية بتصريحات على فترات متقطعة، تشي بضرورة التواصل بين القاهرة وأنقرة، وحتمية تجاوز الخلاف القائم بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.

ويميل البعض إلى تصوير الخلاف بين مصر وتركيا على أنّه قائم بين مؤسسة الرئاسة في كلا البلدين، بيد أنّ الحقائق على الأض تكشف ما هو أعمق من ذلك، استناداً إلى وقائع التاريخ ومعطيات الجغرافيا السياسية.

علاقات مصر وتركيا لم تعرف طريق الاستقرار منذ اندلاع ثورة 23 يوليو العام 1952

إذ إنّ علاقات مصر وتركيا لم تعرف طريق الاستقرار منذ اندلاع ثورة 23 يوليو العام 1952، إلا قليلاً، وذلك خلال فترات النزاع بين أنقرة ودمشق حول المياه والحدود، غير أنّ ثمّة متغيرات ضربت الأوضاع الإقليمية والدولية، منذ أن استقرّ أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" على رأس السلطة، وتهيئته كنموذج لحركات الإسلام السياسي، التي كانت في مرحلة كمون في سنوات ما قبل "الربيع العربي"، قبل أن تقوم بالانقضاض على السلطة في الشرق الأوسط بدعم من أردوغان.

اقرأ أيضاً: لماذا تصريحات تركيا "الناعمة" تجاه مصر "غير مقنِعة"؟

وذلك وضع حواجز عميقة في مسار العلاقات بين البلدين، بلغت ذروتها مع سقوط حكم الإخوان في مصر؛ حيث مهّدت فترة حكم الرئيس الإخواني الأسبق محمد مرسي من العام 2012 وحتى نهاية (حزيران) يونيو العام 2013 أرض الأحلام في عقل أردوغان، وباتت خيالات قيادة الشرق الأوسط أقرب من أيّ وقت مضى.

مصر وتركيا... صراع أم تنافس؟

يمكن القول إنّ الصراع، وليس التنافس، هو العنوان الدقيق الذي يعكس طبيعة الأجواء التي تتحرك فيها أدوات السياسة الخارجية لكلا البلدين، في مناطق التأثير المتبادلة بينهما، سواء كان ذلك في الداخل الليبي، أو على تخوم شرق المتوسط وخبيئة ثرواته المعدنية، وما يفرضه ذلك من معطيات جيوسياسية.

الصراع لا التنافس هو العنوان الدقيق لطبيعة الأجواء التي تتحرك فيها أدوات السياسة الخارجية لكلا البلدين

يتحرك نائب رئيس حزب "العدالة والتنمية"، الذي يرقب جيداً عمق التورط التركي في عدد من القضايا الإقليمية داخل سوريا والعراق وليبيا، نحو تخفيف ذاك الضغط الدولي على بلاده، بإطلاق التصريحات التي تبدو إيجابية تجاه القاهرة، بيد أنّ حقيقة الخلاف السياسي بينهما يبدو استراتيجياً، نتيجة الانخراط المباشر للسياسة الخارجية التركية في الشرق الأوسط، والتحركات التي ترمي إلى السيطرة الإقليمية، ومن خلال ذلك يدرك جيداً أنّ القاهرة بما تحوزه من معطيات التاريخ والجغرافيا، هي من يملك القدرة على مواجهة أنقرة سياسياً، والتصدي لمغامرات أردوغان العسكرية.

اقرأ أيضاً: تركيا ترغب في التقارب مع مصر... وهذا عرضها

على خلفية ذلك، تأتي القراءة الدقيقة والكاشفة لتصريحات أقطاي، والمسؤولين الأتراك، في ضوء الوضع السياسي الذي تواجهه تركيا، والموقف الإقليمي والدولي الذي وضع أردوغان فيه نفسه، خاصة الموقف الفرنسي، فضلاً عن موقف كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، رغم محاولات أردوغان التحرك على هامش التناقضات فيما بينهما، غير أنّ ذلك لم يمنع الصدام معهما في ملفات عديدة.

سياسة الخطوط الحمراء لمواجهة أطماع أردوغان

تنظر القاهرة نحو أنقرة باعتبارها الحاضنة المركزية لفلول الإخوان المسلمين الهاربة، حيث منحتهم الأخيرة منصّات إعلامية، يمارسون من خلالها التحريض ضد مصر، بهدف تهديد استقرار الأوضاع، وتقويض السلم والأمن الاجتماعي، ولا تنتظر القاهرة من النظام التركي أن يتخلى عن ذلك الدعم في المدى المنظور، نتيجة تمدد أفق الصراع فيما بين البلدين، على طول جغرافية المنطقة، خاصة فيما يتصل بالصراع في ليبيا وشرق المتوسط.

يدرك الرئيس التركي، الذي يطمع في موارد ليبيا، ويرغب في استغلال ثرواتها النفطية، والسيطرة على عقود إعادة الإعمار، أنّ القاهرة لن تسمح له بتمرير أطماعه في طرابلس، وستبني جداراً صلباً يحول دون تمرير تصوراته بسهولة، فيما يتعلق بسيناريوهات الاستغلال الاقتصادي والجيوسياسي في العمق الليبي، وخاصة بعد ما وقّعت القاهرة اتفاقاً لتقسيم الحدود البحرية مع اليونان، لتضغط بورقة سياسية جديدة، وتفرض توازنات بعينها على الموقف السياسي.

القاهرة تضع رؤيتها الاستراتيجية بوضوح أمام أنقرة كما تحدّد مسار التهدئة بعيداً عن التصريحات السياسية

يمتدّ الصراع بين القاهرة وأنقرة عبر الشأن الداخلي والإقليمي في عدد من الملفات، وتأتي ورقة الإخوان المسلمين باعتبارها رأس الحربة في أكثر من ملف، تستخدمها أنقرة دوماً ضد القاهرة، سعياً نحو مزيد من الضغط على السياسة المصرية بورقة الإسلام السياسي، بتوظيف المنصات الإعلامية التابعة كالشرق ومكملين، وهو ما تتجاهله تصريحات أقطاي، محاولاً تجاوز ذلك في مناورة سياسية مكشوفة.

اقرأ أيضاً: مغازلات تركيا لمصر: مبادرة مصالحة أم هروب من الخطر؟

غير أنّ القاهرة لا تعقب على تلك التصريحات، ولا تلقي لها بالاً، نتيجة إدراكها أنّ مساحات الخلاف فيما بينهما تتجاوز مسألة تصريح سياسي من مسؤول ما، أياً كان موقعه في السياسة الخارجية التركية، أو الحزب الحاكم، كونها تدرك أنّ محددات الخلاف تبسط مفرداتها على خريطة الشرق الأوسط، وتتجاوز التنافس على دور أكبر في المنطقة، نحو ضرورة مواجهة الأطماع التركية في ابتلاع الشرق الأوسط، ومحاولة بعث الأماني العثمانية في ثوبها الجديد، حسبما يتوهم الرئيس التركي.

الاستراتيجية المصرية تكشف مناورة أقطاي

وزير الخارجية المصري سامح شكري عندما تعرّض لتصريحات ياسين أقطاي لم يتجاوز ما طرحناه من تفنيد مضامين الخلاف، وكون المرور من ذلك يحتاج تحويل تلك الكلمات إلى أمر واقع، يعزز تلك التصورات في ملفات الانخراط التركي، في ظلّ دعمها للميليشيات، وقيامها بدفع المرتزقة نحو ساحات الصراع في سوريا وليبيا، وضرورة احترام محددات التسوية السياسية بين الفرقاء الليبيين، فضلاً عن ضرورة عدم العبث بشأن الاتفاقيات والقوانين الدولية الخاصة بالحدود البحرية، إضافة إلى ما يتعلق برعاية ودعم الجانب التركي لجماعة الإخوان المسلمين.

ما فرقته حقائق التاريخ والجغرافيا لا تجمعه تصريحات ومناورات بعض الساسة الأتراك

على ضوء ذلك نستطيع فهم رؤية السياسة الخارجية المصرية، من حديث شكري الذي يؤكد على أنّ القاهرة تضع رؤيتها الاستراتيجية بوضوح أمام أنقرة، كما تحدد مسار التهدئة، بعيداً عن التصريحات السياسية وهامش المناورة.

تبدّد مصر بتعقيب وزير خارجيتها مساحات المتخيل التي يمرح فيها رجب طيب أردوغان، الذي توهّم أنّ القاهرة بكلّ ما تملكه من رصيد عتيد في السياسة والتاريخ، من الممكن أن تقع في حبائله، فها هي تضعه أمام حقائق الأمور بلا مواربة، وتفرض عليه عدة محددات، ما إذا رغب في أن تمر الأزمة فيما بينهما، وتذهب الأمور نحو مسار التهدئة، بيد أنّ ما فرقته حقائق التاريخ والجغرافيا عبر العقود الماضية، لتصنع رصيداً هائلاً من التنافس والصراع في مواقف سابقة، لا تجمعه تصريحات ومناورات بعض الساسة الأتراك، حتى وإن شغل منصب مستشار رئيس الجمهورية ونائب رئيس الحزب الحاكم، بما يملكه من وضع رؤى وتصورات السياسة التركية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية