هل يحتاج الليبيون إلى خريطة طريق لمعالجة انقساماتهم؟

هل يحتاج الليبيون إلى خريطة طريق لمعالجة انقساماتهم؟


13/01/2022

خطوات غير معهودة تتخذها اللجنة المشكلة عن مجلس النواب لحلحلة أزمة الانتخابات. لجنة خريطة الطريق تتمثّل في لقاءات موسعة مع مختلف أطراف الأزمة السياسية في ليبيا، بهدف صياغة تصور جامع، يقود البلاد من المراحل الانتقالية، إلى الاستقرار عبر الانتخابات العامة، الرئاسية والنيابية.

لكن، هل يمكن أن يأتي الحلّ عبر أناس هم جزء من الأزمة؟ وما هو الجديد الذي يجعل الآمال تنعقد على لقاءاتهم بعد أن أخفقوا خلال أعوام في تنفيذ حتى ما اتفقوا عليه، فضلاً عن دخول عوامل جديدة زادت الأزمة تعقيداً، وهي السلطة التنفيذية الانتقالية، وعلى رأسها رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة؟

لجنة خريطة الطريق

عقب إعلان المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عن تأجيل الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، الذي كان مقرراً في 24 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أصدرت هيئة رئاسة مجلس النواب الليبي، قراراً رقم (13) لعام 2021، بتشكيل لجنة مكونة من عشرة أعضاء بالبرلمان، للعمل على إعداد مقترح لخريطة طريق ما بعد 24 كانون الأول (ديسمبر)، وذلك في اليوم السابق لهذا الموعد.

يعدّ وجود الإخوان المسلمين وتحكّمهم في مفاصل الدولة، والمؤسسات الكبرى في طرابلس، أهم العراقيل أمام عقد الانتخابات، سواء بالتهديد المباشر أو عبر العراقيل باسم القوانين الانتخابية

وجاء في بيان نشره مجلس النواب؛ أنّ "على اللجنة أن تقدم تقريرها إلى مكتب هيئة الرئاسة خلال أسبوع لعرضه على البرلمان خلال جلسته القادمة"، ورغم مضيّ الأسبوع المحدّد لم تقدم اللجنة أية تقارير إلى المجلس.

أعضاء في لجنة خريطة الطريق

وفي بيان اجتماعها الأول بمقر مجلس النواب للتباحث حول آلية عملها، جاء التالي: "وقد ناقشت اللجنة آلية عملها لإنجاز مهامها في الوقت المحدد، مُعلنة عزمها على التواصل مع سائر الأطراف الليبية، لتوسيع قاعدة المشاركة واستعادة القضية الليبية لليبيين، من خلال إيجاد الحلول الليبية للوصول للانتخابات الرئاسية والبرلمانية والخروج من المراحل الانتقالية المتعاقبة".

وفي اجتماع اللجنة الثاني في مقرّ ديوان مجلس النواب في طرابلس، أعلنت عن: "أنّها ستباشر في لقاءاتها مع كافة الأطراف الليبية (السياسية، والعسكرية، والأمنية، وغيرها من الجهات المعنية بالعملية السياسية)، من أجل توسيع قاعدة المشاركة والاستماع لكل الآراء والمقترحات؛ حيث ستلتقي في المرحلة الأولى مع المجلس الأعلى للدولة، والهيئة الوطنية لصياغة الدستور، والمجلس الرئاسي، والأحزاب السياسية".

إقرأ أيضاً: الانتخابات الرئاسية في ليبيا: موعد جديد أم حلم بعيد المنال؟

ومنذ تشكيلها عقدت اللجنة العديد من اللقاءات المهمة، للتباحث واستشراف الآراء مع الفاعلين السياسيين في الأزمة، ومن ذلك؛ عقد أكثر من لقاء مع رئيس مجلس النواب المُكلف، فوزي النويري، والاجتماع برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية، محمد المنفي، ولقاء مع رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، عماد السايح، وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني ويليامز.

وكان من اللافت، عقد لقائين مع لجنة التواصل المنبثقة عن هيئة صياغة الدستور، وأعضاء من الهيئة، وكذلك مع رؤساء اللجان بمجلس الدولة.

ولا يتوقع السياسي الليبي، والعضو السابق في المؤتمر الوطني السابق، عبد المنعم اليسير، إنجاز لجنة خريطة الطريق لانفراجة، وقال: "لا يوجد فرقاء في المشهد الليبي؛ بل متقاسمين للسلطة والوصول إلى المال العام، وهم في كفّة وباقي الشعب في كفّة. وهذه اللجنة وما شابهها تجتمع لحماية مصالح شركاء النفوذ، والوضع حقيقةً مأساوي من الناحية السياسية، لأنّ من يتصدّرون المشهد مغيبون عن مصلحة الشعب الليبي والدولة، ولا نتوقع منهم الخروج بشيء إيجابي".

تشكيل حكومة جديدة

وبحسب الاتفاق السياسي الموقع في جنيف، انتهت شرعية حكومة الوحدة الوطنية بتاريخ 24 من الشهر الماضي، وكان مجلس النواب سحب الثقة منها، في أيلول (سبتمبر) الماضي، على أن تبقى كحكومة تصريف أعمال، حتى موعد الانتخابات الذي مضى.

اجتماع لجنة خريطة الطريق بأعضاء من هيئة صياغة الدستور

وكانت أنباء وردت من صحف ليبية عن توجه لتنصيب رئيس وزراء جديد، وهو الأمر الذي لم يجزم فيه المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، والذي قال خلال لقاء مع قناة "الجزيرة": إنّ "الأمر منوط بمجلس النواب، وفقاً للجدول الذي ستخلص إليه لجنة خريطة الطريق للوصول للانتخابات".

إقرأ أيضاً: هل سيبقى الغموض يخيم على العملية الانتخابية في ليبيا؟

وشكّك السياسي الليبي، عبد المنعم اليسير، في قدرة اللجنة على استبدال حكومة الدبيبة، وقال: "لا أتوقع أن تخرج عنهم حكومة أخرى، لأنّ حكومة الدبيبة هي حكومة الإخوان، وتسيطر على كلّ مفاصل الدولة، ومنها مصرف ليبيا المركزي برئاسة الصديق الكبير".

السياسي الليبي عبد المنعم اليسير لـ "حفريات": لا أتوقّع أن تنبثق عن لجنة خريطة الطريق حكومة أخرى، لأنّ حكومة الدبيبة هي حكومة الإخوان، وتسيطر على كلّ مفاصل الدولة

وأفاد اليسير لـ "حفريات": "كلّ هؤلاء في مجلس النواب أو ما يُسمى مجلس الدولة، تحولوا إلى مرتزقة يرتزقون وينتفعون من الموقف الحالي، ولن يساهموا أبداً في خروجهم من المشهد، لأنّ الانتخابات ستخرجهم من المشهد، ولهذا يلتقطون أيّة فرصة كي يردّوا المسار الديمقراطي إلى مرحلة الطاحونة؛ حيث استمرار الدوران بدون فائدة ولا نهاية".

التحضير للانتخابات

ويعدّ الوصول للانتخابات هو الهدف الأساسي للجنة خريطة الطريق. وأمام تحقيق ذلك عقبات عديدة، منها؛ القوى الرافضة للانتخابات من الأساس، والرافضون لمرشحين رئاسيين بعينهم، والاختلاف على القوانين الانتخابية والدستور، وعدم التوافق على شكل النظام الحاكم، والاختلاف على أولوية الانتخابات، الرئاسية أم البرلمانية، والانقسام العسكري والمؤسساتي، والانفلات الأمني، وغير ذلك.

وما سبق يعدّ ظواهر تخفي حقيقة الأزمة؛ وهي الانقسام التامّ على أسس أيديولوجية، وجهوية، ومصلحية، وتداخل هذه الأسس لتصنع تحالفات استفادت منها جماعة الإخوان المسلمين، حين ربطت أيديولوجيتها بحلف مع ميليشيات جهوية وأيديولوجية في المنطقة الغربية.

إقرأ أيضاً: بانوراما ليبية: تأجيل الانتخابات يضع البلاد في مهبّ المجهول

وألقى لقاءات لجنة خريطة الطريق بهيئة صياغة الدستور الضوء على إمكانية وضع دستور توافقي، تُحلّ عبره جميع الإشكالات القانونية، ويكون بمثابة طمأنة للعديد من المخاوف السياسية والجهوية.

ويقول عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، خالد أبو شريف التواتي: "في ظلّ الانسداد الذي وصلت إليه مسارات الأزمة الليبية، بات واضحاً أنّ طغيان المسار السياسي على المجال القانوني أحد أهم أسباب الانسداد. وفي هذا الإطار وبعد فشل كل المحاولات للخروج من الأزمة، شكلت الهيئة التأسيسية لجنة للتواصل، والتقت بالمجلس الأعلى للدولة، ورئيس مجلس النواب، ولجنة خريطة الطريق، للاستماع الى العقبات التي تواجه استكمال المسار التأسيسي، وتدارسها وخصوصاً أنّ الهيئة وصلت إلى المرحلة الأخيرة من عملها؛ وهي الاستفتاء على مشروع الدستور".

وأكّد التواتي لـ "حفريات"؛ أنّ "التحركات الأخيرة تكشف أنّ الحل في ليبيا لن يكون إلا ليبياً ليبياً، كما أنّ الأزمة هي ليبية ليبية، متمثلة في بعض المخاوف من تغول المتنفذين على مفاصل الدولة وبالتالي العودة إلى المربع الأول".

ولهذا، والحديث للتواني: "نعتقد أنّ الحل الأمثل هو إكمال المسار التأسيسي إلى النهاية، وذلك بالاحتكام إلى الشعب وتمكينه من قول كلمته بنعم أو لا، في استفتاء على الدستور".

د. اليسير: وضعت هيئة صياغة الدستور مسودة دستور يشوبها الكثير من الشبهات

وبخلاف التواني، هناك معارضة واسعة لنسخة الدستور الذي وضعته الهيئة التأسيسية، ويقول السياسي اليسير: "وضعت هيئة صياغة الدستور مسودة دستور يشوبها الكثير من الشبهات، والمخالفات الدستورية والقانونية، بل ووصل الحد إلى وجود تشوهات في الصيغ اللغوية، وهي لا تلبي توقعات الشعب الليبي، في كتابة دستور يرتكز على المواطنة والمساواة، ويحرر المواطن الليبي من الاعتماد على الحكومة المركزية، رغم اعتقاد واضعي هذه النسخة أنّهم يلبون تطلعات الليبيين".

وكان اللقاء الذي عقده عددٌ من المرشحين البارزين للرئاسة، وهم؛ خليفة حفتر، فتحي باشاغا، أحمد معيتيق، عبد المجيد سيف النصر، والعارف النايض، أعطى الليبيين أمالاً لبناء توافق حول الانتخابات، ومثّل انفراجة كبيرة لإمكانية الاتفاق بين الفرقاء الليبيين.

إقرأ أيضاً: بعد الإخفاق الأول... هل تنجح ليبيا في إجراء انتخابات بعد شهر؟

ويعدّ وجود الإخوان المسلمين وتحكمهم في مفاصل الدولة، والمؤسسات الكبرى في طرابلس، أهم العراقيل أمام عقد الانتخابات، سواء بالتهديد المباشر أو عبر العراقيل باسم القوانين الانتخابية، خاصة أنّ الجماعة غير قادرة على العمل بوطنية، والانفتاح على الشعب الليبي بأطيافه كافة، بعد أن رهنت السيادة الليبية لصالح مصالحها الضيقة.

وكان من المفترض عقد الانتخابات الرئاسية، في 24 من الشهر الماضي، وفق ما اتفق عليه ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف، والذي رعته الأمم المتحدة، لكنّ مفوضية الانتخابات أعلنت تأجيل الموعد لأسباب قاهرة، حالت دون إخراج قائمتها النهائية لمرشحي الرئاسة.

الصفحة الرئيسية